عندما يحاولون معرفة الإسلام فإنَّهم يحاولون ذلك (بالأدوات المعرفيّة) الأوروبّيّة، يستشهدون بكلام الغربيِّين، فلان الغربيّ متخصِّص بالإسلام، فيتعرَّفون إلى الإسلام الّذي قدَّمَه لنا الغربيُّون؛ السّبب في ذلك أنَّنا خسرنا أنفسنا في مقابل الغرب، الشَّرقُ خسر نفسه، ما لم يخرج من هذا الخسران، ما لم يهتدِ إلى محتواه، فلا يمكنه أن يكون مستقلّاً.
الاستقلال العسكريّ هدف، الاستقلال الفكريّ، الاستقلال الرّوحيّ، أن يكون دماغ الإنسان مُلْكه، فلا يكون كلُّ همِّه الغرب، وكلّما أراد أن يقول شيئاً فإنَّه يبحث عن سَنَدِ ذلك في أقوال الغرب، قال الغربيّ فلان الفلانيّ، قال الفيلسوف الفلانيّ.
وسيبقى هذا الأمر قائماً ما لم يجد الشّرقيُّون محتواهُم ويصبحوا موجوداً شرقيّاً ويعرفوا أنفسهم، فقد كانوا قِبْلةَ كلِّ مكان، وكان أولئك متوحّشين، ما لم يتحقَّق ذلك لا يمكن للشّرقيّين أن يكونوا مستقلّين.
وأنتُم مهما بذلتُم من جهدٍ، فما لمْ تَضَع الجامعةُ الدّماغَ الغربيَّ جانباً وتحلَّ بدلاً منه دماغاً شرقيّاً، فلا يمكن للجامعة أن تكون مستقلّة.
المقياس دائماً هو كلام الغربيّين، ويجب أن يذهب الشّباب أفواجاً أفواجاً للدّراسة في أوروبّا، وإذا لم يذهبوا إلى أوروبّا فإنّهم هنا لا يقبلونهم، والسّرُّ كلُّ السّرّ في ذلك أنَّ الشّعبَ أصبح (يفكِّر) هكذا.
النّاس أصبحوا يفكِّرون هكذا، الدّولة أصبحت أيضاً تفكِّر بهذه الطّريقة، الكلّ أصبحوا هكذا، ما لم يذهب هذا الشّخص ويبقى مدّة في فرنسا مثلاً، ولو أنّه لم يفعل شيئاً، وأكثرُهم في ما يبدو كذلك يذهبون ويقومون بأعمالٍ أخرى، إلَّا أنَّ الشَّخص منهم عندما يرجع فإنّهم يعطونه الشّهادة اللّازمة فوراً لأنّهم لا يريدون أن يحلَّ محلّ شخصٍ عالِمٍ، يريدون أنْ يَشغَلَ هذا الموقع شخصٌ (يحمل ورقة).
الخطّة أصلاً أنّ هؤلاء الأشخاص الّذين يحصلون هناك على الدّبلوم، لا يُشترَط أن يكونوا استحقّوا ذلك من وجهة نَظَرهم، بل إنّ هذه الشّهادات استعماريّة؛ إنّهم لا يمنحون طلّابهم الشّهادات بالسّرعة الّتي يعطونها لأبنائنا، وما هو السّبب، إنّهم يريدون أن لا يكون عندنا شيء، ونكون دائماً محتاجين إليهم ونكون تابعين طُفَيليِّين.
ما لم نخرج من هذا الانبهار بالغرب ونغيِّر دماغنا ونعرف أنفسَنا، لا يمكننا أن نكون مستقلِّين، ولا يمكن أن يكون لنا شيء ".."
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله..﴾ إبراهيم:5.
يحدِّد تبارك وتعالى لحضرة موسى مهمَّتين، إحداهما: إخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور، والثّانية: ذكِّرهم بأيّام الله.
ولقد بعثَ جميع الأنبياء لإخراج النّاس من الظُّلمات إلى النُّور.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ..﴾ البقرة:257، يجعل الطَّاغوت في مقابله، ويبيِّن تباركَ وتعالى شغلَ الطَّاغوت أيضاً.
كما أنَّ اللهَ وليُّ المؤمنين أيضاً، وينقلهم من الظّلمات، من كلّ أنواع الظُّلمات وانعدام الرُّؤية باتِّجاه النُّور، فإنَّ وليَّ الكفّار هو الطّاغوت، وهو يجرُّهم من النُّور إلى الظُّلمات،
هذان مطلبان متقابلان، الإخراج من الظُّلمات إلى النّور، إزاحة الظُّلمات وأنواع الظّلام والإيصال إلى النُّور، وفي المقابل: إزالة الأنوار وجرُّ النّاس إلى الظُّلمة؛ هذا شغل الطَّاغوت ".."
جميع الأمور غير المناسبة ظُلُمات، جميع أنواع التّخلُّف ظلمة، جميع التّوجُّهات إلى عالم الطّبيعة ظُلْمة، كلّ أنواع الانبهار بالغرب ظُلْمة، هؤلاء الّذين (كلّ) توجُّههم إلى الغرب، إلى الأجانب، قِبْلَتهم الغرب يتوجَّهون إليه، هم غارقون في الظّلمات وأولياؤهم أيضاً هم الطّاغوت.
بتوقيت بيروت