الثناء:
للثناء تأثير كبير على النفوس ، وبالخصوص نفوس الشباب ، ولذلك كان النبي(ص) ، كثيراً ما يثني على الشباب المؤمن ؛ فقد روي عن النبي(ص)، قوله : " ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها ، وأهرم شبابه في طاعة الله ، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً "(1) وعنه، أيضاً أنه قال : " إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته ، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته ، يقول : هذا عبدي حقاً " (2) وقال ، أيضاً : " فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعدما كبرت سنه كفضل المرسلين على سائر الناس "(3)
وقد كان لثناء الرسول ، على الشباب دور مهم ومؤثر في كسب المزيد منهم ، والتفافهم حول قيادة النبي(ص)، وهذا ما جعل للشباب دور فاعل في تقدم الدعوة ، ونشر رسالة الإسلام إلى مختلف المناطق . فالشباب هم عماد أي تقدم ، وسر نهضة الأمم، وقوة أي مجتمع ؛ لأنهم في مرحلة القوة، والقدرة على العطاء والإنتاج ، والاستعداد للتضحية والفداء ، وحب المغامرة ، وتوكيد الشخصية.
وهذا ما يجب أن يقوم به أي قائد أو مصلح أو زعيم يسعى نحو التغيير والإصلاح ، إذ يجب كسب الشباب ، والعمل على إقناعهم لخدمة الإسلام، والمساهمة في تقدم المجتمع والأمة.
خلق الثقة في نفوس الشباب :
إن من أهم القواعد في بناء الشخصية وصنع النجاح هو الثقة بالنفس ، والقارئ لسيرة النبي(ص) ، يلاحظ أنه ، قد عمل على صنع ثقة الشباب بأنفسهم، فقد قام ، بإعطاء الشباب الكثير من المسؤوليات الكبيرة والمهمة ، مما أدى لزيادة الثقة بأنفسهم ، وتنمية إرادتهم.
والأمثلة على تولية الرسول ، للشباب مسؤوليات كبيرة ومهمة،، عديدة....نذكر منها :
1ـ إن أول مبلغ بعثه النبي(ص) ، لنشر الإسلام في المدينة المنورة كان مصعب بن عمير ، وكان عندئذٍ في ريعان شبابه . وقد استطاع مصعب بالرغم من حداثة سنه أن يقنع الكثير من الناس في المدينة المنورة ـ وكانت المدينة يومها من أهم مدن الجزيرة العربية ـ بالإسلام . وقد عمل مصعب بكل جد وإخلاص من أجل التأثير في الناس ، وإقناعهم برسالة الإسلام السمحة.
2ـ بعد فتح مكة بفترة زمنية قليلة ، اضطر الرسول ، للخروج منها بجيشه ، والتوجه نحو جبهة القتال، وكان لابد من تعيين قائد لمكة لإدارة شؤونها ، وقد اختار النبي(ص) ، من بين جميع المسلمين شاباً لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً ، وهو ( عتاب بن أسيد ) كقائد لمكة المكرمة في ظل غياب النبي(ص)، وأمر النبي(ص) ، ( عتاب بن أسيد ) أن يصلي بالناس وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة .
3ـ في أواخر حياة النبي(ص) ، عبأ ، المسلمين لقتال الروم ، وضم جيشه كبار الضباط وأمراء الجيش ورجال المهاجرين و الأنصار وشيوخ العرب والشخصيات البارزة آنذاك .
لاشك في أن قائد هذا الجيش العظيم لابد وأن يكون ذا شأن ومنزلة يختاره الرسول ، لهذا الأمر الخطير من بين نخبة العسكر ، فمن يا ترى حمل هذا اللواء ؟
لقد استدعى الرسول ، أسامة بن زيد ، وعقد له لواء القيادة وخوّله إمارة الجيش . واستعمله النبي(ص) ، وهو ابن ثماني عشر سنة .
وبات على الجميع أن يمد يد الطاعة والولاء لهذا القائد الشاب الذي عينه الرسول ، بالرغم من وجود كبار القوم في هذا الجيش المتجه لقتال الإمبراطورية الرومية .
ولا يخفى أن الشرط الأساس لاختيار الشباب هو كفاءتهم وصلاحيتهم ، ويتضح هذا الشرط جلياً في خطبه ، وأحاديثه . فالشباب الذين كان يقع عليهم اختيار النبي(ص) ، لتقليدهم المناصب الحساسة في الدولة كانوا يتمتعون بالكفاءة واللياقة المطلوبة من حيث العقل والفكر والذكاء والإيمان والعلم والأخلاق والتدبير وبقية الجوانب (4).
ومن هذه النماذج التاريخية يتبين لنا كيف أن النبي(ص) ، قد أجاد توظيف طاقات الشباب الخلاقة ، واستطاع أن يزرع في نفوسهم الثقة بالنفس ، والإرادة القوية ، والعزيمة الفولاذية .. مما جعلهم يقومون بأدوار كبيرة ، ويتحملون مسؤوليات خطيرة ؛ كان لها الفضل الأكبر في نشر راية الإسلام خفاقة في بقاع الدنيا .
المصادر:
1ـ ميزان الحكمة ، مصدر سابق ، ج4، ص1401، رقم 9095.
2ـ ميزان الحكمة ،ج4، ص1401، رقم 9096.
3ـ ميزان الحكمة ،ج4، ص1401، رقم9093.
4ـ الشاب بين العقل والعاطفة ( بتصرف ) ، الشيخ محمد تقي فلسفي ، مؤسسة البعثة ، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الثانية 1412هـ ـ1992م، ج1، ص20.
مــوقع تبيــان
بتوقيت بيروت