﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[1]﴾
إنّه الخطاب الإلهيّ الذي نزل به الروح الأمين على قلب الحبيب محمّد (ص)، والذي وصل إلى كلّ قلب مفتوح على الهداية والحقّ والنور.
صحيح أنّ الأديان، بما فيها الإسلام، تمرّ عند تشكّلها بمراحل تبدأ مع اللحظة الأولى للقاء الأرض بوحي السماء؛ فتكون الروح والمعنويّة هي السمة الأبرز في رؤية الدين، إلّا أنّها بعد ذلك، وبفعل ما اكتسب الناس من أفعالهم ومؤثّرات المحيط حولهم يزحزحون روحيّة الدين عن مكانتها فيحاصرونه بالخلافات والتحزّبات والمشاحنات. حتى يقيّض الله من يرفع الحدود والسدود المنصوبة بين الناس وعقولهم ووجدانهم من جهة وروحانيّة الوحيّ التوحيديّة من جهة أخرى، ليعيد بذلك للدين التماعة معناه الذي أراده الرسول لحظة تبليغ الرسالة.
عند انطلاقة رسول الله محمّد (ص) الأولى، فهم القاصي والداني أنّ شأنيّة هذا الرسول تتجاوز كلّ الحدود المصطنعة بين الناس من عرقيّة وطائفيّة وعشائريّة، حتّى أخذت القبائل والشعوب والأمم يدخلون في دين الله أفواجًا. بل إنّ القرآن الكريم أخبر عن حجم الأثر الذي تركته رسالة النبيّ (ص) في النفوس بما يتجاوز الإنس ليصل، فيؤثّر بأقوام من الجنّ إذ نقل عنهم قولهم ﴿فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ[2]﴾. لكن ومع الأيّام، سيطر ما نصطلح عليه بالإسلام التاريخيّ في قبال الإسلام المحمّديّ الأصيل. إسلام صاغته رؤى المذاهب، ورسمت بعض مساراته الأساسيّة المصالح والأهواء السياسيّة، ليشوّه وجه الدين الحنيف من خلال فكرة الاستشراق وفعل الاحتلال والاستعمار. حتّى جاء مَن يرفع عن الدين ونبيّه وجه الحيف بإقامة نهضة إسلاميّة رائدة أعادت للمقدّس الإسلاميّ روحه ورونقه. وقد اصطلح الناس على تسمية هذه النهضة بالثورة الخمينيّة، بل اصطلح صاحبها عليها اسم "الإسلام المحمّديّ الأصيل". وبدأت معركة الأطروحة القرآنيّة المبنيّة على مثال أعلى لنهضة حضاريّة واسعة. أمّا عنوان ومضمون هذا المثال الأعلى، فهو رسول الله محمّد (ص) ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [3]﴾. لقد استطاعت النهضة الإسلاميّة المعاصرة أن تدخل كأطروحة إنسانيّة حضاريّة متميّزة في عالم البدائل الحضاريّة العالميّة.
من هنا جاءت حملات تنميط صورة الإسلام بالإرهاب وتفريغ شخصيّة القداسة عند رسول الله محمّد (ص) عبر أفلام ورسومات تسيء إليه (ص) بقصد كسر المثال الأعلى في وجدان أمّة المسلمين.
واليوم وبفعل الأحداث والنزاعات الحاصلة، ومع قيادة الإمام الخمينيّ للمشروع الإسلاميّ، كيف سنصل إلى إرساء مضامين وصيغ حضارة التوحيد والرحمة المحمّديّة للعالمين، كلّ العالمين بما يتجاوز حدود الأديان والأعراف والأمم والشعوب؟ وهذا هو السؤال المركزيّ الذي يقرر نوعيّة الاستجابة للخطاب الإلهيّ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
الشيخ شفيق جرادي
بتوقيت بيروت