بسم الله الرحمن الرحيم
محاور الموضوع
1- الحثّ على طلب العلم
2- من آثار العلم
3- لزوم العناية بالطالب
تصدير:
النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "يَجيء الرجل يوم القيامة
وله من الحسنات كالسَحَاب الركام، أو كالجبال الرواسي، فيقول: يا ربّ، أنّى لي هذا
ولم أعملها؟ فيقول: هذا عِلمُك الذي علّمته الناس يُعمل به من بعدك"1.
الحثّ على طلب العلم
لا يخفى على عاقلٍ أنّ العلم أحد أعظم الكمالات المنشودة، والتي يطلبها الإنسان من خلال نداءات الفطرة النازعة إلى كلّ كمال، ومن خلال دأب العقول؛ حيث إنه "منير العقل ومميت الجهل" كما عن الأمير2 عليه السلام.
وهو "حياة القلوب، ونور الأبصار
من العمى، وقوة الأبدان من الضعف" كما عنه3 عليه السلام.
"فالعلم رأس كلّ خير، والجهل رأس كلّ شر" كما عن النبي الأعظم4 صلى
الله عليه وآله وسلم.
من أجل ذلك، كان الحثّ على طلب العلم من جميع المسلمين، فعن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم؛ ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم"5. وقد جُعل فريضة يُتعبّد بها إلى
الله، فعن الصادق عليه السلام: "طلب العلم فريضة من فرائض
الله"6. وقد نَدَبَ الإسلام إلى الهجرة
وطيِّ المسافات في سبيل تحصيله، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اطلبوا العلم ولو بالصين"7.
من آثار العلم:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أمّا العلم فيتشعّب منه: الغنى... والجود...، والمهابة...، والسلامة...، والقرب...، والحياء...، والرفعة...، والشرف...، والحكمة، والحظوة؛ فهذا ما يتشعّب للعاقل بعلمه"8.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً"9.
وعن علي عليه السلام: "قيمة كلّ امرئ ما يُحسنه"10.
ويقول إمام أهل اللغة طرّاً بعد النبي وآله، صلوات الله عليه وآله، الخليل بن أحمد الفراهيدي: "أحثُّ كلمة على طلب علمٍ قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام: قدر كلّ امرئ ما يُحسن"11.
لزوم العناية بالطالب:
إنّ الخطر العظيم الذي يقع عليه العلم استلزم أن يُحاط كلّ ما يتّصل بشأنه بكلّ عناية، وذلك من جانب الأسرة، لا سيما الأبوين، وكذلك من جانب المدرسة. معارف وتربية، ومناهج وأساليب. فيجب أن تشمل هذه الجهات الطالبَ بالرعاية الكافية، والحماية اللازمة؛ وكذلك يجب أن يراعى بناء شخصيّة الطالب بما يحقّق التوازن في مختلف الجوانب. ولكن، وعلى كلّ حال، فإن هناك عوامل رئيسة تؤثّر في بناء شخصية الطالب، نذكر أهمّها، إلى جانب تأثيرها.
لا يخفى أن للأسرة دوراً مصيرياً في حياة الأبناء، فإنها كمحيطٍ أول وبيئة مُستقبِلة للإبن بمثابة المعهد الذي يتلقى فيه الإبن الدروس الأولى في الحياة. ويمكن أن تؤسّس الأسرة مساراً للحياة، بحيث يكون تأثيرها قاسماً في غرس بذور المعاني الإنسانية، وتأصيل قيم الجدّ والاجتهاد، والتزام سُبُل الخير والهداية والصلاح، واعتناق العقائد الحقّة ثقافة وفكراً؛ وكذلك تلقُّف فضائل الأخلاق ومعالي الخِصال، ليصبحَ كلّ ذلك أساساً للشخصية المقتدِرَة الخيّرة، النازعة، إلى تحصيل عوامل المِنعَة وأسباب القوة، وأبرزها الشغف في سبيل العلم واكتساب المعارف.
أو أن تتحوّل الأسرة إلى معهد يحمل الإبن على سلوك سبيل مخالف تماماً، بحيث يتحوّل شخصية تبتعد عن الفطرة السليمة، وتهزأ بقيم الحقّ، وتسخر من معاني الإنسانية، بحيث تصل إلى درجة التضحية بها على مذبح النزوات والأهواء، والمصالح الفردية الضيّقة ويستحيل الإبن بالتالي معولاً يهدم معالم الإنسانية ويسدّ طُرُقَ الخير والهداية والصلاح.
1 ـ الأَبَوان: يمثّل الأبوان أهمّ العناصر القابلة للتأثير في الولد، وهما يُعتبران الأسوة التي على أساسها تنمو قِوَى النّفس عند الولد، والقدوة التي يتبعها هوى الطفلِ، ومعها تتفتّح مداركه، ومعها تتحرّك مشاعره وعواطفه.
فالولد يرى ومنذ بداياته جميع الحركات من حوله، وكذلك الأعمال والسلوك؛ ويتعلّمها تدريجاً. ويجب أن نعلم أنّ الولد يكتسب الكثير من العادات، نتيجة التجربة والعمل وتبقى معه إلى آخر حياته.
وإنّ الأبوين هما الحارث الأوّل في عقل الطفل وفي نفسه، فإمّا يغرسان فيه الصدق والكذب، الأمانة أو الخيانة، الشجاعة أو الجبن والخوف، رباطة الجأش في الشدائد أو الاستسلام. وأيضاً الاستقامة والثبات، أو التلوّن والتذبذب والنفاق.
فما أفضل من أن يرى الولد أبويه مقبلين على الاستزادة من العلم والمعرفة، فاتحين عَقْلَيْهما على الحِكمة والثقافة النيّرة. وأن يزيّنا هذه المعارف بالأخلاق الحسنة، ليكونا بذلك من أهل العلم المشفوع بمعالي الفضائل وإليك نبذة من الروايات في هذا المقام:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "تعلّموا العلم، وتعلّموا للعلم السكينة والحلم"12.
وعن الصادق عليه السلام: "اطلبوا العلم، وتزيّنوا معه بالحلم والوقار"13.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "زينة العلم الإحسان"14.
وعن علي عليه السلام: "خفض الجناح زينة العلم"15.
2 ـ الإخوة: الأُسَرُ التي يعيش فيها إخوةٌ كبار وآخرون صغار، نجد انّ هناك انجذاباً متبادلاً، غالباً، بين
الكبير والصغير؛ فإنّ الكبير يشمل الولد بالرعاية والاحتضان والاهتمام؛ والصغير من
جهته يتأثّر به، فيأخذ منه الكثير، وقد يصبح مصدرَ استلهام للأفكار والحركات،
وموردَ اقتداءٍ في الأخلاق والمواقف والسلوك.
ب ـ المدرسة:
تحتلّ المدرسة مكانة مرموقة في سُلّم المؤثرات في وعي الولد، ونوعية المعارف، ومضامين العلوم، وأنماط السلوك، والبناء العاطفي والمعرفي، وخَلْقِ الشخصية المتوازنة؛ وذلك من خلال المناهج التعليمية، والبرامج التربوية، وأنواع العلاقات التي تعمل على إنشائها بين أفراد الهيئة التعليمية وبين الطلاّب.
وبناءاً عليه، فمن الواجب المؤكّد على الأبوين أن يتوخّيا جانب الدقّة الشديدة في اختيار المدرسة للولد. وقد قال تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾16. وعن الباقر عليه السلام: "في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾، علمه الذي يأخذه ممّن يأخذه"17.
وعن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام: "عجبٌ لمن يتفكّر في مأكوله كيف لا يتفكّر في معقوله؛ فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه"18.
ومن الجدير التنبّه إلى أنّ هناك عوامل أخرى مؤثّرة في شخصيته وسلوك الطالب، كالرفاق والأقران، وآخرين من الأقارب والجيران، إضافة إلى الشخصيات المؤثرة في الحياة العامّة، كالعلماء والقادة...
1- بحار الأنوار، ج2، ص18، ح44.
2- غرر الحكم ودرر الكلم للقاضي الآمدي، 17362.
3- أمالي الشيخ الصدوق، ص493، ح1.
4- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج77، ص175، ح9.
5- الكليني في أصول الكافي، ج1، ص30، ح1.
6- البحار، ج1، ص172، ح27.
7- كنز العمّال للمتقي الهندي، ح28697.
8- تحف العقول لابن شعبة الحرّاني، ص16.
9- أمالي الصدوق، ص27، ج4.
10- نهج البلاغة، حكمة 81.
11- أمالي الشيخ الطوسي، ص494، ح1083. وقال الجوهري في الصحاح: يحسنه أي يعلمه.
12- البحار، ج2، ص37، ح49.
13- أمالي الصدوق، ص294، ح9.
14- أمالي الصدوق، ص295، ح1.
15- كشف الغمّة للعلاّمة الأربلي، ج3، ص137.
16- سورة عبس، الآية: 24.
17- المحاسن للبرقي، ج1، ص347، ح724.
18- البحار، ج1، ص218، ح48.
المـركز الإسلامي للتبليغ
بتوقيت بيروت