مكتب التربية العربي: يزداد الاهتمام بالتعلم المقلوب كل صباح ويزداد كذلك تبنيه في أوساط مجتمعات التربويين حول العالم. وبتغيير أسلوب إدخال المعلومات من خارج حجرة الدرس من خلال أشرطة ومقاطع الفيديو، يستطيع المعلمون القيام بما يمكن أن نطلق عليه “إعادة تأطير عملية التعلم”، وبالتالي يقضي الطلبة وقتاً تدريسياً أطول، منهمكين في مناقشات عميقة وفي تطبيقات تكون في متناول يدهم وتعلم يقوم على المشاريع. وبالتركيز على الاتصال المباشر بشكل أكبر بين المعلم والطالب وبتطبيق أكثر عمقاً للمفاهيم الأساسية وتعاون أكثر بين الطلبة أنفسهم يصبح التعلم المقلوب مخرجاً جديداً للتدريس في القرن الحادي والعشرين.
ومما لا شك فيه إن إجراء هذا النوع من التغيير يمكن أن يكون مخيفاً، لذا فإنني أقدم للمعلمين هنا أربع نصائح تجعل عملية التحول أكثر سلاسة وأشد تأثيراً، قبل أن يقلبوا صفوفهم.
1- أبدأ بأهداف الدرس ثم ابنِ عليها
إن انتاج مقطع فيديو مبهر دون تحديد القيمة التعليمية له يشبه وضع العربة أمام الحصان، لأنه سيقود إلى نتائج عكسية. وإذا أردت اتباع نهج أكثر عقلانية فأبدأ بتحديد أهداف الدرس الأساسية مرتبة من أكثرها بساطة إلى أكثرها عمقاً وتتبع مسار المعرفة التي سيتبعها طلبتك. قم بترتيب أهداف الدرس من الأبسط (ماذا) بينما الأهداف الأكثر عمقاً (كيف ولماذا) ينبغي أن تركز عليها من أجل الاستكشاف والاستقصاء الأعمق. ثم بعد ذلك يجب على المعلمين أن يجيبوا عن بعض الأسئلة الأساسية حول عملية التعلم:
- هب أن الطلبة قد فهموا المعلومات، ماذا سيكونون قادرين على أن يفعلوا بها؟
– ما نوع الأنشطة التي يمكن أن تعزز هذه المفاهيم؟
– هل سيضيف الطلبة قيمة للأفكار الأساسية من خلال محاكاتها بالتجربة وتعميقها من خلال المناقشة المبنية على الاستفسار والتحقيق؟ هل سيقومون بتوسيعها من خلال التعلم القائم على المشاريع؟
– كيف سيعمل المعلمون على تيسير ومراقبة التعاون بين الطلبة داخل حجرة الصف؟
– كيف سيقوم الطلبة بإظهار معرفتهم المزدهرة في مختبرات التعلم هذه؟
إن المعلمون الذين ينجحون في “قلب” صفوفهم دائماً ما يبدءون وهم يضعون النهاية في الاعتبار.
2- استخدم لغة مباشرة واستعن بصور غنية:
إن التدريس باستخدام الوسائل البصرية – كالفيديو – يعد أمراً رائعاً ومثيراً ويبعث على التحدي. وإن محاولة ضغط معلومات تمهيدية في مقطع فيديو مدته خمس دقائق يدع مجالاً أقل للحديث والصور الخيالية. وبمجرد أن تكون قد حددت الأهداف الجوهرية التي تريد من طلبتك تحقيقها قم مباشرة بعمل ملصق افتراضي من الصور والرسوم البيانية أو المخططات التي تضيف تأثيراً أقوى لعرضك التقديمي . إنها ليست فكرة سيئة أن تكتب “سيناريو” للسرد الخاص بك أثناء المقطع أو تقوم بتضمين بعض التلميحات التي تساعدك في التنقل بين كل صورة والتي تليها. دائماً تجنب استخدام اللغة المنمقة وكن مباشراً وقوياً في حديثك.
3- اصنع مقاطع الفيديو التي تكشف ما يعرفه طلبتك:
صارت عملية صناعة مقاطع الفيديو أسهل بكثير مما كانت عليه في السابق وذلك بفضل التطبيقات المجانية والمنصات المتعددة مثل Screenr و Screenflow وغيرها .. أما بالنسبة لصناع الفيديو الذين لا يمانعون في شراء برمجيات جيدة مدفوعة الثمن فيمكنهم استخدام برامج مثل Camtasia أو Screenflow. أما السؤال الأكثر إثارة للحيرة فهو: ما الذي ستفعله بمقاطع الفيديو هذه بعد انتاجها؟. يمكنك ببساطة القيام برفعها واستضافتها على قناتك الخاصة بموقع اليوتيوب Youtube أو رفعها على موقع شخصي تملكه أنت أو مدونة خاصة بك وهذه أشياء سهلة نسبياً، لكن ذلك قد لا يتيح لك معرفة كثيراً مما يقوم به طلبتك أثناء مشاهدة الفيديو.( أو معرفة إن كانوا قد شعروا بالملل أثناء مشاهدة المقطع). لذا فإن هناك موقع استضافة تربوي مقنع جداً هو http://www.educanon.com/ يحتوي على بيئة فيديو تفاعلية جداً تسمح للمعلمين بوضع أسئلة في الوقت الحقيقي يستطيع الطلبة الإجابة عنها أثناء المشاهدة. كما يحتوي هذا الموقع على امكانية ظهور السؤال تلو السؤال أمام الطالب حسب أدائه وتصدر له في النهاية تقريراُ بالدرجات التي حصل عليها. وقد أعلنت شركة مايكروسوفت مؤخراً عن مبادرة مشابهة أطلقت عليها اسم Office Mix تحول عروض البوربوينت التقديمية (نسخة 2013) إلى مقاطع فيديو تفاعلية كاملة مع الأسئلة. (هناك نسخة تفاعلية كاملة خاصة بالأجهزة اللوحية ستصدر قريباً) وإذا استطاع المعلمون من خلال نظرة ثاقبة معرفة ما يعرفه طلبتهم – قبل بدء الدرس – فيمكن لهم عندئذ تعيين هذه المقاطع استراتيجياً كمراكز تعليمية من خلال التدريس الحي المباشر ويصبح بإمكانهم كذلك تعزيز التركيز على التمايز والتحقيق.
4- ضع الآباء في المشهد:
إذا كان مفهوم “الصف المقلوب” غريباً على المعلمين فإنه بالتأكيد يبدو أكثر غرابة بالنسبة للآباء وأولياء الأمور. لذلك فإن التمهيد الناجح يجب أن يتضمن توعية هادفة للآباء بالأهداف والمبررات والمعلومات الخاصة بقلب وتغيير وجهة العملية التعليمية. إن الآباء وأولياء الأمور هم شركاؤك الفاعلين في تعليم هؤلاء الأطفال، وانت الآن ستتنازل عن بعض نفوذك وسيطرتك على الطلبة أثناء التعلم، لذا فأنت الآن بحاجة إلى دعم الآباء لك أكثر من أي وقت مضى. إن وضع الآباء في المشهد (أو في الصورة) يمكن أن يعالج بعض المفاهيم الخاطئة حول التعلم المقلوب ويوفر مزيداً من الموارد حول موضوع الدرس ويوضح الممارسة باستخدام عينة فيديو تجريبي ويوفر كذلك أمثلة من التطبيقات الصفية الحية. (هناك موارد كثيرة متاحة في موقع شبكة التعلم المقلوب قم بتوزيع هذه الحزمة على الآباء قبل بداية العام الدراسي مع التماس وطلب منهم بأن عليهم مراجعتها والاطلاع عليها قبل الاجتماع بهم في بداية العام. ستكون لديهم فرصة لمراجعة ودراسة المعلومات الواردة بها على مهل، ونمذجة نفس نمط التعلم الذي سيتبعه أبناؤهم. وباتباع أسلوب التعلم بالممارسة يكون قلب ذلك الاجتماع التقليدي مع الآباء بالسماح لهم بتعميق نظرتهم للتعلم المقلوب من خلال أنشطة أو مناقشات حية. أختم حديثك مع أولياء الأمور بمناقشة جماعية معهم حول التوقعات المرجوة وتنفيذ نهج التعلم المقلوب وسوف يتفهمون صراحتك وشفافيتك، وستكسب حلفاء ستشتد حاجتك لهم فيما بعد.
إن المكافأة التي ستجنيها من التعلم المقلوب كبيرة وهامة، وسيسترد المعلمون وقتاً تعليمياً ثميناً يمكن أن يستخدم في تعميق التعلم لدى الطلبة. ومن المحتمل أن ترتفع مشاركة الطلبة بسبب اتصالهم واحتكاكهم بالمعلومات، وستنشأ ثقافة غنية للتعاون من بين الطلبة الذين يتعلمون العمل سوياً. إن التعلم المقلوب ببساطة يعني أن المعلمين سيتكلمون في حجرة الصف بصورة أقل وسيستمعون أكثر، وإن طلابهم هم من سيقلبون الأمر.
بتوقيت بيروت