"لا أعلم فعلاً ما الذي أريده، من صغري يتّخذ أهلي والمدرسة القرارات عنّي"، يقول أحمد ردّاً على سؤال: «لو أعطيت لك فرصة اختيار اختصاصك الجامعي، ماذا كنت لتختار؟». كان أحمد تلميذاً ذكياً في المدرسة، خصوصاً في المواد العلمية، ومادته المفضّلة كانت الرياضيات. حين نجح في الصف العاشر مع علامات ممتازة، قرّرت إدارة المدرسة ترفيعه إلى الفرع العلمي في الصف الحادي عشر. وبعدها بعامٍ، اختارت له الإدارة فرع العلوم العامة في «البكالوريا».
لم يعارض أحمد قرار الإدارة، خاصةً مع افتخار أهله به. وحين تخرّج من المدرسة، كانت الطريق إلى الجامعة لا تزال غامضة، إذ لم يحصل على أي توجيه حقيقيّ من قبل، ولم يتناقش مع أحد عن التخصّص الذي يجب عليه اختياره في الجامعة. كان الحديث الأهم بينه وبين أصدقائه، هو اختيار المكان الذي سيؤمّن لهم حياةً جامعيةً متـرفة. ولم يبالِ لعدم مبادرة أهله لسؤاله عمّا سيختاره. يشرح أحمد: «ظننت أن تأخّرهم بالاستفسار منّي عائدٌ لرغبتهم بإعطائي الوقت لأفكّر وأختار، لكن ما حدث هو العكس تماماً». في إحدى الليالي، انضمّ أحمد إلى والديه، وهو يحمل بيده كتيّباً يشرح عن بعض الاختصاصات المتاحة في الجامعة التي اختارها، ليتناقش معهم ما سيدرسه. يقول أحمد: «طلب مني أبي حينها أن لا أعذّب نفسي. اختصاصي سيكون هندسة الاتصالات. وحين امتعضت، قال بأنّه هو من سيدفع تكاليف دراستي، وهو من سيقرر ماذا سأدرس».
****
أخذت كريستين اهتمامها بالكتب والثقافة من والديها، قبل
الدخول إلى المدرسة. كانت ابنة المحامي والصحافية تلمع دائماً في النقاشات التي
تدور في الصفّ، فمعلوماتها تفوق تلك التي يملكها رفاقها. «فرخ البط عوّام»، هذا ما
كانت تسمعه دائماً من أساتذتها في المدرسة ومن أصدقاء أهلها الذين يظهرون دائماً
اهتمامهم بما تقوله. في المدرسة كانت ترافق التلامذة الذين يكبرونها سناً، وخارجها
كان لديها أصدقاء يكبرونها بخمس سنوات أو أكثر أحياناً.
اكتشفت شارع الحمراء والمقاهي الكثيرة فيه في سنّ مبكرة، وفيه تعرّفت على أشخاص كثر يعرفون أباها وأمها ويحترمونهما. شاركت في العديد من الاعتصامات حول قضايا يهتم بها أهلها، وفي مظاهرات الحزب الذي تنتمي إليه العائلة.
في آخر سنة لها في المدرسة، كان واضحاً للجميع ما الذي ستختاره: الفلسفة. تقدّمت إلى امتحانات الشهادة الرسمية وحصلت على درجة جيد جيداً. كان الجميع يعلم أيضاً ما الذي ستدرسه في الجامعة: المحاماة. فبعد التخرّج، لن تتعب في الحصول على فرصة عمل، لأن والدها يعرف جميع مكاتب المحاماة في لبنان، و«بيمون عليهم». تقول كريستين: «أحياناً، وخصوصاً بعد القراءة عن الحريّة وإرادة الشعوب وحقّ الفرد بالاختيار، أشكّ بأنّني أنا من اخترت هويتي. وأعترف لنفسي بأنني ضجرت من كل هذه الحياة، متمنيةً لو كنت بعيدة عن أهلي يوم اخترت اختصاصي الجامعي".
****
«الرسم شي والغرافيك ديزاين شي تاني!»، يشرح تميم منفعلاً:
«هناك اختلاف بين أن أدرس الفنون التشكيلية، الألوان والنحت وأن أملأ وقتي في
القراءة عن تاريخ الفن والفنانين، وأن أستمتع وأنا أمسح الألوان على لوحتي، وأعبّر
عما أشعر به وأراه.. وبين الجلوس خلف شاشة كمبيوتر وتحريك الماوس لأصنع ما يريد
السوق مني أن أصنعه!».
رفض أهل تميم قراره دخول كلية الفنون لدراسة الفن
التشكيلي. برأيهم، هذا الاختصاص هو «طق حنك» لا يؤمن دخل رجل. في المقابل، فرضوا
عليه حلّاً وسطاً: «دراسة التصميم الغرافيكي».
لم يكن تميم يعلم أن أهله سيرفضون قراره هذا، خصوصاً وأنهم
هم من كانوا يشجّعونه على الرسم، ويعلّقون لوحاته في مختلف أرجاء المنزل. يضيف
الشاب: «يرى
أهلي أنّ بإمكاني دراسة الغرافيك ديزاين والحفاظ على موهبتي في الرسم، لكنني لا
أتفق معهم أبداً». بالنسبة لتميم، من الصعب مجاراة السوق والانخراط به، وفي الوقت
عينه إنتاج لوحات فنيّة تأخذ أسابيع لتكتمل. يأخذ تميم نفساً عميقاً ويختم حديثه:
«أنا لست بحاجة لأن أبرّر لماذا أريد أن أدرس الرسم. كان يجب أن لا أقبل بما فرضه
عليّ أهلي من أجل راحة بالهم».
من فقرة "شباب السفير"
بتوقيت بيروت