روى أبو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب، عن أبيه أن علياً عليه السلام خطب يوم الأضحى فكبّر فقال:
"اُوصيكُمْ عِبادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَكَثْرَةِ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَاُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا التي لَمْ يُمَتَّعْ بِها اَحَدٌ قَبْلَكُمْ، وَلا تَبْقى لِاَحَدٍ بَعْدَكُمْ، فَسَبيلُ مَنْ فيها سَبيلُ الْماضينَ مِنْ اَهْلِها، اَلا وَاِنَّها قَدْ تَصَرَّمَتْ (انقضت) وَآذَنَتْ بِانْقِضاءِ، وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُها (المراد تبدّل الدنيا)، وَاَصْبَحَتْ مُدْبِرَةً موَلِّيَةً، تَهْتِفُ بِالْفَنآءِ، وَتَصْرُخُ بِالْمَوْتِ، قَدْ أمَرَّ (صار مرّاً) ما كانَ مِنْها حُلُواً، وَتَكَدَّرَ (ذهب صفاؤها) مِنْها ما كانَ صَفْواً، فَلَمْ يَبْقَ مِنْها اِلاَّ شُفافَةٌ (بقيّة الماء واللبن في الإناء) كَشُفافَةِ الْإناءِ، وَجرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْإدواةِ (المراد الإناء)، لَوْ تَمَزَّزَهَا (شرب الشراب قليلا قليلا) الصَّدْيانُ (العطشان) لَمْ تَنْقَعْ غُلَّتهُ (لم يسكن عطشه)، فَأزْمِعُوا (اعزموا أمركم) عِبادَ اللَّهِ عَلَى الرَّحيلِ مِنْها، وَأجْمِعُوا مُتارَكَتَها (مفارقتها)، فَما مِنْ حَىٍّ يَطْمَعُ فى بَقاءٍ، وَلا مِنْ نَفْسٍ اِلاَّ وَقَدْ اَذْعَنَتْ لِلْمَنُونِ، وَلا يَغْلِبَنَّكُمُ الْاَمَلُ، وَلا يَطُلْ عَلَيْكُمُ الْأَمَلُ، وَلا تَغْتَرُّوا بِالْمُنى وَخُدَعِ الشَّيْطانِ. تَعَبَّدُوا لِلَّهِ عِبادَ اللَّهِ اَيَّامَ الْحَياةِ، فَوَ اللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنينَ الْولَّهِ العجال (من فقدت ولدها أو زوجها) وَدَعَوْتُمْ دُعآءَ الْحَمامِ، وَجَأَرْتُمْ جِؤارَ (رفع الصوت) الرُّهْبانِ، وَخَرَجْتُمْ اِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ، اِلْتماسَ الْقُرْبَةِ اِلَيْهِ فىِ ارْتِجاعِ دَرَجَةٍ، وَغُفْرانِ سَيِّئَةٍ اَحْصَتْها كَتَبَتُهُ، وَحَفِظَتْها رُسُلُهُ، لَكانَ قَليلاً فيما تَرْجُونَ مِنْ ثَوابِهِ وَتَخْشَوْنَ مِنْ عِقابِهِ، وَتَاللَّهِ لَوِ انْماثَتْ (ذابت) قُلُوبُكُمْ انْمِياثا، وَسالَتْ مِنْ رَهْبَةِ اللَّهِ عُيُونُكُمْ دِمآءًا، ثُمَّ عُمِّرْتُمْ عُمُرَ الدُّنْيا عَلى اَفْضَلِ اجْتِهادٍ وَعَمَلٍ، ما جَزَتْ (لم تُحِط) اَعْمالُكُمْ حَقَّ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَلاَ اسْتَحْقَقْتُمُ الجَنَّةَ بِسِوى رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَنِّهِ عَلَيْكُمْ.
اَلا وَاِنَّ هذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ حُرْمَتُهُ عَظيمَةٌ،
وَبَرَكَتُهُ مَاْمُولَةٌ، وَالْمَغْفِرَةُ فيهِ مَرْجُوَّةٌ، فَاَكْثِرُوا ذِكْرَ
اللَّهِ، وَتَعَرَّضُوا لِثَوابِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْأِنابَةِ، وَالتَّضَرُّعِ
وَالْخُضُوعِ، فَاِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُو عَنِ
السَّيِّئاتِ، وَهُوَ الرَّحيمُ الْوَدُودُ.
وَاَحْسِنُوا الْعِبادَةَ، وَاَقيمُوا الشَّهادَةَ، وَارْغَبُوا فيما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وَاَدُّوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَأمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاَعينُوا الضَّعيفَ، وَانْصُرُوا الْمَظْلُومَ، وَخُذُوا فَوْقَ يَدِ الظَّالِمِ وَالْمُريبِ وَاَحْسِنُوا اِلى نِسآئِكُمْ، وَما مَلَكَتْ اَيْمانُكُمْ، وَاصْدُقُوا الْحَديثَ، وَاَدُّوا الْاَمانَةَ، وَاَوْفُوا بِالْعَهْدِ، وَكُونُوا قَوَّامينَ بِالْقِسْطِ، وَاَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْميزانَ، وَجاهِدُوا فى سَبيلِ اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ، وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" 1.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
1- بحار الأنوار؛ ج 88 / ص 99.
بتوقيت بيروت