عام دراسي جديد يداهمنا ويثقل أظهرنا بمسؤوليات إرشادية جديدة تجاه أمانات من عباد الله موضوعة بين أيدينا.
وخير ما نستعين به، منسقين ونظاراً، مرشدين ومعلمين، على حسن تأدية مهمتنا، استذكار توجيهات ونداءات الإمام الخميني في مجال التربية والتعليم، حيث يركّز سماحته على أثر شخصية المدرّس وقناعاته الفكريّة على نفوس التلامذة والطلاب في المدارس والجامعات(1) وأهميتها في صناعة مستقبل الأمة بأجمعها. يقول(قدس سره):" إنّ من السذاجة أن نفكّر بأنّه يكفينا وجود أشخاص يملكون العلم، بل يجب أن يملكوا العلم والتربية، أو على الأقّل، أن يمتلكوا العلم ولا يكونوا منحرفين....فلو شافى المتخصص مرضنا الظاهري، فإنّه سيوجد لنا أمراضاً باطنيّة، إنّه سيجرّنا من مرض ضعيف إلى مرض كبير. إذا لم يزكِ المعلم نفسه، ويربّها تربية تسير على الصراط المستقيم، فإنّ بلادنا ستُجر إلى الشرق أو الغرب".
و"العلم الذي فيه تربية" في نظر الإمام هو: العلم الذي يقود الإنسان نحو الكمال المطلق وأصل حقيقة الوجود، العلم الذي يربط عالم الشهادة بعالم الغيب، العلم الذي لا يحوِّل الإنسان إلى طاغوت كما ورد في قوله تعالى:" كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى*"(سورة العلق –الآية 6-7). العلم الذي يربط العقل بالإيمان، على النقيض "من الرؤية المادية التي تجعل الإنسان سلعة خاضعة لمقاييس الاستخدام المادي والاستغلال في دنيا منفصلة عن الآخرة".
وعليه، يرى الإمام أن لا بد للمعلِّم، كل معلِّم، بصرف النظر عن مجال تخصصه، أن تكون نفسه مُزَّكاة إذ أن "من لم يتربَّ لا يتمكن من تربية الآخرين".
أمّا كيف يزكي المعلم نفسه؟ فذلك يحتاج، من وجهة نظر الإمام، إلى التزام كل معلم ببرنامج ثابت يتضمن النقاط التالية:
1.التفكُّر:
يقول(قدس سره):" إعلم أنّ أول شرط من شروط مجاهدة النفس هو التفكّر والتفكّر في هذا المقام هو أن يفكّر الإنسان في مولاه الذي خلقه وهيّأ له كل أسباب الدعة والرّاحة. إنّ الإنسان العاقل لو فكر للحظة واحدة، عرف أنّ الهدف من هذه النعم هو شيء آخر، وأنّ الغاية من هذه الخلقة عالم أسمى وأعظم، وأنّ على الإنسان العاقل أن يترحّم على نفسه وعلى حاله المسكينة، لو فكّر قليلاً في أحوال أهل هذه الدنيا من السابقين وحتى الآن وتأمل متاعبهم وآلامهم كم هي أكبر وأكثر بالنسبة إلى هناءتهم في نفس الوقت الذي لا يوجد فيه هناء وراحة لكل شخص. في كل حال ادع ربك بعجز وتضرّع أن يعرّفك على وظائفك فيما بينك وبينه تعالى، والأمل أن يفتح لك هذا التفكر طريقاً آخر إلى منزل من منازل مجاهدة النفس".
2. ترك المحرمات وملازمة الواجبات:
وهذا هو بداية الطريق، يقول(قدس
سره):"الإنسان الراغب في صحة
النفس، والمترفق بحالها عليه المواظبة على الواجبات وترك المحرّمات. ومن المعلوم
أنّ ضرر المحرمات هو من المفسدات النفسيّة ولهذا كانت محرّمة. كما أنّ الواجبات هي
من صلاحها، ولذلك كانت واجبة. أيّها العزيز إعلم أنّ هاتين المرحلتين أفضل من أيّ
شيء ومقدّمة للتطور، وأنّ الطريق الوحيد إلى المدارك الإنسانيّة وأهمها التقوى من
المحرّمات. أيّها العزيز اعتبر أنّ المرحلة الأولى مهمّة جدًّا، وحافظ وراقب أمرها
فإنّك إن خطوت الحظوة الأولى بشكل صحيح وبنيت هذا الأساس قوياً، كان هناك أمل
بوصولك إلى مقامات أخرى وإلّا امتنع الوصول وصعبت النجاة".
3. التلاوة والدعاء:
يرى الإمام أن الإنسان لا يصبح إنساناً حقيقياً، أي لا يتحول من الإنسان الطبيعي إلى إنسانٍ إلهي إلاَّ بتفتح فطرته عن طريق العبادة الحقّة وعلى رأسها تلاوة القرآن الكريم وقراءة الدعاء.
يقول(قدس سره):"إن هذه الأدعيّة وخطب نهج البلاغة ومفاتيح الجنان وسائر كتب
الأدعيّة جميعها تعين الإنسان ليصبح إنساناً". ويشدّد الإمام على تلاوة
القرآن الكريم إذ أنّ من أهم أهدافها:" تصفيّة النفوس من ظلماتها الموجودة
فيها حتى تصبح الأذهان والأرواح مستعدّة بعد هذه التصفية لفهم الكتاب والحكمة".
4. التخلي والتحلي:
ملاك الإيمان الحقيقي هو التحلي بالأخلاق الحميدة في كل الأحوال. ولا يكون ذلك إلاَّ بمجاهدة النفس ومحاسبتها وفق خطوات متدرّجة ومما ينصح به الإمام في هذا المجال:"أن تأخذ كل واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك وتنهض بعزم على مخالفة النفس إلى مدّة، واطلب التوفيق من الله لإعانتك في هذا الجهاد. ولا شكّ أنّ هذا الخلق القبيح سيزول بعد فترة وسيفر الشيطان وجنوده وتحلّ محلهم الجنود الرحمانيّة".
وكمثال يقول(قدس سره):"من الأخلاق الذميمة التي تسبب هلاك الإنسان وتوجب ضغطة القبر وتعذب الإنسان في كلا الدارين، سوء الخلق مع أهل الدار أو الجيران أو الزملاء في العمل أو أهل السوق والمحلّة، وهو وليد الشهوة والغضب. فإذا كان الإنسان المجاهد يسعى لمدة، عندما يعترضه أمر غريب مرغوب فيه، (حيث تتوهج نار الغضب لتحرق الباطن وتدعوه إلى الفحش والسيئ من القول)، أن يعمل بخلاف النفس ويتذكّر سوء عاقبة هذا الخلق ونتيجته القبيحة، ويبدي بالمقابل الشيء الحسن، ويلعن الشيطان في الباطن، ويستعيذ بالله منه؛ إنّي أتعهد لك أنّك لو قمت بذلك السلوك، وكرّرته عدّة مرات فإنّ الخلق السيئ سيتغير كليًّا وسيحلّ الخلق الحسن في باطن مملكتك".
5. نقل الايمان من العقل إلى القلب:
الإيمان الحقيقي، بحسب الإمام الخميني(قدس سره)، هو تصديق القلب لما أدركه العقل. وعلامته أن تفهم القلوب أنّ العالم كلّه في محضر الله. ويرى سماحته أنّه بافتقاد الإنسان لهذه المشاهده سوف يرتكب المعاصي لا محالة. يقول(قدس سره):" إنّ البرهان العقلي قائم على أنّ الله تبارك وتعالى حاضر في كل مكان. فالبرهان موجود وجميع الأنبياء قالوا بذلك، لكنّه لم يصل إلى قلوبنا. حتّى إذا ما أردنا أن نغتاب أو نتّهم أو نعمل قبيحاً، نرى أنّنا في محضر الله، ولا بدّ أن نحترم هذا المحضر....
ووفقنا الله جميعاً إلى تزكية أنفسنا بما يليق بشرف المهمّة التي وفقنا الله سبحانه وتعالى إليها: التربية والتعليم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1) لمزيد من الإطلاع مراجعة كتاب:"الجامعة في فكر الإمام الخميني(قدس سره) – الصادر عن منتدى الفكر اللبناني – مكتبة جمعية المعارف الإسلامية- المعمورة.
(2) ملاحظة: نُقل كلام الأمام بالصيغة التي تُرجم فيها.
موقع جمعية التعليم الديني الإسلامي/لبنان
بتوقيت بيروت