قد نتّهم بالجهل والتخلّف من قبل تيار " لا للدين، لا للتعقيد، نعم
للانفتاح"، اذا كشفنا عن المتغيّرات التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي على
الهوية الثقافية ، وعن ارتكابها لجريمة اغتصاب
لعقول الملايين من الشباب ، وتدمير منظومة قيمهم الدينية.. الا ان الحق
ينبغي أن يقال!
لا جرم ان هذا الانفتاح الكبير الذي نحن في صدده، قد يحمل الكثير من الايجابيات على الصعيدين الاقتصادي والمادّي، الا انه لا يمكن اغفال آفاته القاتلة على الصعيد الفكري والانساني والمعنوي!.
فـ"مواقع التواصل الاجتماعي" واحدة من اهم ادوات العولمة، قد استحوذت على حياة الكثير من الشباب بل كل الشباب، فاجتاحت حواسيبهم وهواتفهم الذكية. فغدت ملاذهم الوحيد ، يلجؤون اليها، هاربين من ارض الواقع الغارق ببحر من المشاكل السياسية والاقتصادية _وحتى التربوية،حديثاً ، فتراهم ينشرون به ادق تفاصيل حياتهم بدءاً من احتساء القهوة صباحاً ،مروراً بذكر الاماكن التي يقصدونها،وحتى رقادهم في السرير. فغدت صفحة الفايسبوك للشاب والشابة تشكل بطاقة هويتهما! وبالتالي اصبحت هذه المواقع خير وسيلة للعدو لمعرفة هموم شبابنا : تستخلص نقاط ضعفهم من خلال كتاباتهم،ثم تخطّط لاستغلالها لتوظيفها بالحرب الثقافية على محور المقاومة الذي لم تستطع ان تلحق الهزيمة به عسكرياً.
وعلى خط موازن، أنتجت له الافلام المحقونة بجرعات من المبادئ المنافية لمنظومة قيمنا الاخلاقية والدينية. والخطير في الامر، ان مدى تأثيرها قصير الى حدّ ما والاسلوب الذي تقدّم به اسلوب تكتيكي، ملوّن، يحدث اثره بشكل ناعم بامتياز. هذا الفعل الشيطاني لاقاه ردة فعل ،ترجمت بطرح مواضيع جريئة كـ " الزواج المثلي"و" تبرير خيانة المرأة لزوجها" وغيرها من المواضيع التي تعالج و"يدافع" عنها بذريعة "الحرية"... وما بين الحرية عند الاسلام والغرب فرق شاسع...
على الرغم من هذه الظلمة الآثرة ، تسطع من بين الحجب قبسات نورانية ، تنتقد الواقع التعيس ثقافياً واقتصادياً وسياسياً.. هؤلاء هم الشباب الذين استطاعوا حفظ شيئ من "العقلانية" الا ان قد غابت عنهم اشياء اخرى.
العقلانية تقتضي من الشباب الواعي التفكير بالمشاكل التي تواجه مجتمعه والتعبير عنها بعقل مبصر، على ان يقترن جهده الفكري بجهد عملي للحد من الظواهر القاتمة التي تغزو عقول شبابنا وتثبط هممهم وامالهم .لنأخذ على سبيل المثال الشباب الذين ينتقدون ظاهرة "الحجاب الـ " moderne" على صفحاتهم، لا شك انها خطوة محمودة من قبلهم. الا ان مقارنة بقدراتهم وتكليفهم في تحمل المسؤوليات، تبدو خطوة منقوصة لانها تفتقد الى "حركة وعمل "على ارض الميدان .ليس من المقبول الاكتفاء بتعليق شاب على صفحته الخاصة به، فمهمته اكبر بكثير .فتقع عليه مسؤولية تكمن في ابتكار اساليب وخطط تحفظ هذه القدسية عند الاسلام.
واليكم مثالا آخر ، هناك من ينهمك بكتابة القصائد لامام ينتظره المستضعفون منذ زمن بعيد، الامام الحجة المهدي (عج). يشكو له سوء الحال، يطلب الفرج القريب بالدموع والآهات. ولكن السؤال، هل الإكتفاء بأسلوب البكاء والدعاء يشجّع "مخلّص البشرية" على الظهور؟ في هذه المسألة، يقتضي بتحصيل نوعين من السلاح: سلاح الفكر والمقاومة. الاول، اي الفكر، يحصّن الشاب بحصن متين. فتخلق في نفسه ملكة تسمى"التقوى" تعصمه من ارتكاب الكبائر وتحفّزه على فعل المستحبّات. وعند امتلاك هذه القوة النفسية ، ستخلق قوة اخرى عنده تتمثل بقوة" الجهاد" . وهي ارقى ما يتوصل اليه المرء، بحيث يقدّم جسده قربانا على مذبح الشهادة في سبيل الله. ومابين هذا وذاك، يبرز دور الممهّدين العاملين المخلصين الذين نذروا انفسهم واموالهم وكل ما يملكون في سبيل اعلاء مفاهيم الإسلام المحمدي الأصيل، سلاحهم القرآن، قدوتهم الرسول (ص)والائمة الاطهار (ع).
بعد الابحار في ضرورة "الوعي" و"العمل" و"الجهاد" في مرحلة "صراع الوجود" حيث كل تيار يظهر ما لديه من دفائن العقائد المزيّفة، لمحو اصالة الدين الاسلامي، آن الوقت لنرسو على خلاصة مفادها ، في ظل الهجمة الشعواء التي تشنّ على الدين الاسلامي وعلى شبابه ،لا بد من التحلي بالخصال الثلاث آنفة الذكر. فإما ان نكون جنوداً نحامي عن ديننا وثقافتنا بالفكر والمقاومة، او الاستسلام والقول "على الاسلام السلام"، وهذا ما لن يحدث بإذن الله تعالى.
ليلى زغيب
كلية الإعلام- الجامعة اللبنانية/الفرع الأول
بتوقيت بيروت