إن القرآن الكريم وإن لم يتناول موضوع الشباب بشكل مباشر ، إلا أنه تناول شيئاً عن هذا الموضوع عندما تحدّث عن ( الفتوة ) باعتبارها المضمون الصالح للشباب ، وكذلك عندما ضرب للشباب أفضل الأمثلة وأجملها في عدد من الأصفياء من الأنبياء الذين اختارهم الله عزّ وجل لرسالاته ووحيه والأولياء الذين امتحنهم لعبادته .
فكان المثال الأول هو النبي إبراهيم عليه السلام ، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة، ويفتش عن الحقائق الناصعة ، ويملك الشجاعة العالية ، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض ، حتى أدله الله تعالى على الحقيقة ، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركيـن.
فقال الله تعالى في كتابه الكريم : وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِيـنَ ( الأنعام: 78).
وبهذا يصبح إبراهيم عليه السلام القدوة لكل الفتيان والشباب الموحدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال .
والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف عليه السلام ، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده ، وأصبح الفتـى ، القوي ، الصابر ، الصامد أمام عواصف الشهوة ، والإغراء بالجنس ، والاغراء بالمال والجاه ، وأمام ضغوط الاضطهاد ، والقمع ، والمطاردة ، والتهديد بالسجن ، والنفي ، والفتى الثائر ، المكسر لكل القيود ، وأغلال العبودية ، وأغلال الشهوات ، وكذلك أغلال المجتمع الفاسد .
قال تعالى : وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ ( يوسف : 22 ).
وَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ ( يوسف : 23 ).
والمثال الثالث هو النبي موسى عليه السلام ، وهو الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني والفرعونية ، وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والتـرف الجاه والدلال ، فإن فرعون كان قد اتَّخَذَهُ ولداً له .
ولكن موسى عليه السلام بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بأصله الإلهي الرباني ، يتجنب معونة الظالمين ، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم ، ويَمُدُّ يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين ، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك ، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.
قال الله عزّ وجل : وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاستَوَى آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ (القصص : 14).
والمثال الرابع هم أهل الكهف ، فقال الله تعالى فيهم : إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدىً وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا إِذاً شَطَطاً (الكهف : 13-14 ).
إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة ، والشباب ، والقوة ، وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى ، والسيطرة على الشهوات والرغبات ، ونصرة المظلومين والدفاع عنهم ، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ، والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية .
وقد ورد توضيح هذا المفهوم للفتوة والشباب ، ومضمونها الحقيقي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وذلك من خلال ذكر المصاديق الصحيحة لها .
فقد ورد عن أبي قتادة قال : كنا عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام إذ تذاكروا عنده الفتوة، فقال عليه السلام : وما الفتوة ؟ لعلكم تظنون أنها بالفسوق والفجور !! كلا إنما الفتوة طعام موضوع ، ونائل مبذول ، وبشر مقبول ، وعفاف معروف ، وأذى مكفوف ، وأما تلك فشطارة فتى.
وعن الإمام علي عليه السلام قال :نظام الفتوة احتمال عثرات الأخوان وحسن تعهد الجيران.
ولذا أصبح الاتصاف بالفتوة أجمل زينة للإنسان ، كما ورد عن علي عليه السلام في غرر كلماته وحكمه : ما تزين الإنسان بزينة أجمل من الفتوة.
وفي مقابل ذلك نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه والمغرور والضال والجاهل ، وأورد ذلك في قصة ابن نوح حيث قال تعالى : وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ ( هود : 42-43).
ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم يعبر عن حالة الانحراف في الشباب حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي ، فقال تعالى : وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَاهَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (الأحقاف : 17).
ولذلك يكون الولد الشاب الصالح قُرَّةَ عينٍ لأبيه ، وامتداداً للمسيرة الصالحة ، ويكون الولد الفاسد عدواً لأبيه وضرراً عليه ، وأخيراً ندعو الله سبحانه بالآية الشريفة : رَبَّنَا هَب لَنَا مِن أَزوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعيُـنٍ وَاجعَلنَا لِلمُتـقِينَ إِمَاماً.
مركز آل البيت العالمي للمعلومات
بتوقيت بيروت