مع اقتراب العام الدراسي لطلاب الصفوف الأخيرة من المرحلة الثانوية، تعود إلى الواجهة مشكلة سوق العمل وتوجيه الطلاب في المرحلة الجامعية، مع ما يعنيه هذا الأمر من رسم مستقبل الفئة الشابة في بلد ما، وبالتالي رسم مستقبل البلد برمّته. اضافة الى ذلك ايضا يجب الحديث عن توجيه المتسربين من المدارس(1) وكيفية توجيههم كي لا يصبحوا عاملا اضافيا في زيادة نسبة البطالة.
بعد صدور نتائج الامتحانات الثانوية الرسمية
تبدأ حيرة الطلاب، قلة بينهم قد خططوا مسبقا لمستقبلهم الجامعي، أما الأغلبية فهي
تصغي لرأي من هنا ونصيحة من هناك دون أن يكون أمامها أيّ دراسة رسمية تُظهر واقع
سوق العمل المحلي والاقليمي حتى.
يعاني لبنان حسب مدير عام المؤسسة الوطنية للاستخدام جان
ابي فاضل من غياب التوجيه المهني الرسمي الذي يشكل حاجة ضرورية للطلاب منذ بداية
المرحلة الثانوية، وليس في الاشهر الاخيرة من السنة الدراسية الثانوية الثالثة. ويوضح أبي فاضل في حديث
لـ"النشرة" أنّ "الانتظار لحين الانتهاء من المرحلة الثانوية من
أجل توجيه الطالب نحو الجامعة يعد خطأ جسيما لان مهلة الشهر تقريبا الفاصلة بين
نتائج الامتحانات الرسمية والتسجيل بالجامعات غير كافية على الاطلاق"، مشيرا
الى ان العمل على التوجيه مع بداية المرحلة الثانوية وعبر تقديم دراسات واحصاءات
للطلاب تُظهر لهم واقع سوق العمل واين تكمن حاجة السوق واي اختصاصات هي الافضل.
ويلفت ابي فاضل النظر الى ان مهمة التوجيه تقع على وزارة التربية والتعليم بشكل اساسي وتكون مهمة المؤسسة الوطنية للاستخدام استشارية بحيث تدعم الوزارة. ويشرح أنّ "الوزارة هي الجهاز القادر على ادخال التوجيه ضمن برامج التعليم ومناهج الدراسة وهذا الامر لا يمكن لاحد فعله سوى وزارة التربية"، مشيرا في هذا السياق الى اقتراح اعده سابقا يقضي بتشكيل لجنة تضم اضافة الى ممثل المؤسسة الوطنية للاستخدام، ممثلين عن وزارة الصناعة ووزارة التربية ومؤسسة الاحصاء المركزي، تكون مهمتها اعداد الدراسات اللازمة لاجل عملية التوجيه المهني والجامعي، الا انها لم تشكل حتى اليوم.
ان غياب الدولة عن القيام بواجباتها كما في كثير من المجالات يفتح الباب واسعا امام الجمعيات الاهلية لمحاولة ملء الفراغ، وفي هذا الاطار يرى مدير العلاقات العامة لجمعية المركز الاسلامي للتوجيه والتعليم العالي هشام شحرور ان غياب الدولة عن القيام بواجباتها بما يخص توجيه الطلاب واعداد الدراسات اللازمة لتحديد متطلبات سوق العمل، ادى لانطلاق مبادرات خاصة من قبل افراد وجمعيات لسد الثغرات الموجودة، ومن هنا انطلقت فكرة جمعية المركز الاسلامي للتوجيه والتعليم التي تقدم برامج توجيهية للطلاب وتعمل على دعم الطلاب الفقراء لإكمال دراساتهم.
ويلفت شحرور في حديث لـ"النشرة" إلى أنّ "الجمعية استفادت من تجارب عالمية وطورت برنامجا متكاملا في التوجيه المهني، وقدمت برنامجها لأغلب المدارس الرسمية بشكل مجاني، ولعدد من المدارس الخاصة ببدل رمزي يكاد لا يغطي الكلفة"، مشيرا الى ان قدرات الجمعية المحدودة هي ما يقف عائقا امام تفعيل عملها وتغطية كامل الاراضي اللبنانية. كما يلفت شحرور النظر الى ان الجمعية أصدرت كتابا توجيهيا بعنوان "دليل الجامعات" ووزعت حوالي الالف نسخة منه على كل الثانويات المتاحة.
اما في ما يخص التعاون والتنسيق بين القطاعين
الخاص والعام، فيشير شحرور الى ان الجمعية قدمت وناقشت مشروعها للتوجيه مع وزراء
التربية الذين تعاقبوا على الوزارة منذ سنوات حتى اليوم، وعرضت تقديم عملها بشكل
تطوعي لكل طلاب لبنان مع الاحتفاظ فقط بحقوق اصدار الكتيبات التوجيهية، كما بادرت الجمعية
الى تدريب الكادر البشري في وزارة التربية. ويقول شحرور: "كل هذا الامر لم
يصل الى الخواتيم المرجوة، ربما بسبب الامكانات المتاحة للوزارة وموازنتها وظروف
لبنان الامنية والسياسية، كما بسبب عدم الاقتناع بضرورة اعتماد التوجيه كمادة
اساسية يجب ان تدرس او انشاء مديرية خاصة للتوجيه".
اما بالنسبة لدراسات سوق العمل الضرورية في عملية توجيه
الطلاب نحو الاختصاصات الجامعية ، فيكشف ابي فاضل عن غياب اي احصاءات رسمية
لبنانية لواقع سوق العمل. ويقول: " لا يوجد سوى بعض الدراسات الغير كافية
التي اعدها الاحصاء المركزي". ويضيف: "نعتمد على احصاءات ودراسات البنك
الدولي والمنظمات الدولية، وهذا امر لا يجوز ان يستمر"، مشيرا الى ان المؤسسة
الوطنية للاستخدام لا تعد الاحصاءات بسبب شطب الاعتمادات المخصصة لهذه الغاية من
قبل وزارة المال.
وفي نفس السياق يؤكد شحرور ان الجمعية حاولت الحصول على احصاءات من المؤسسة الوطنية للاستخدام ومن وزارة العمل، دون نتيجة، نظرا لعدم وجود اي دراسة او احصاء يتناول وضع سوق العمل او اعداد العاطلين عن العمل. ويضيف: "نظرا الى هذا الواقع حاولت الجمعية التواصل بنفسها مع قطاعات محددة من سوق العمل ونجحت منذ فترة بإعداد دراسة عن واقع قطاع المستشفيات وخلصت الى نتائج هامة ابرزها حاجة القطاع الى اطباء طوارىء، ممرضين ذكور، خبراء ادارة المستشفيات".
يبقى ان نشير الى ملف المتسربين من المدراس والذين سيسببون مشكلة كبيرة في سوق العمل اللبناني ان لم يتم العناية بهم وبمستقبلهم. وهنا يشير ابي فاضل الى ان المؤسسة تقيم دورة تدريبية لهؤلاء مدتها ستة اشهر تجعلهم قادرين على البدء بممارسة مهن مطلوبة في السوق، كاشفا ان المؤسسة تدرب على حوالي 46 مهنة حاليا.
ان البطالة المتزايدة في لبنان لا تحل بإجراء هنا او فرصة عمل عمل هناك، بل تحتاج الى تخطيط واعداد دراسات جدية يجري تنفيذها بدءا من اسفل هرم الطبقة العاملة، اي من الطلاب الذي يشكلون عصب هذه الطبقة في المستقبل. هنا تأتي اهمية التوجيه السليم الذي اصبح مادة اساسية تدرس في دول العالم المتقدم.
(1) التسرب هو الانقطاع
عن المدرسة قبل إتمامها لأي سبب (باستثناء الوفاة) وعدم الالتحاق بأي مدرسة أخرى.
محمد علوش – موقع النشرة
بتوقيت بيروت