بسم الله الرحمن الرحيم
كل أمة، بل كل شعب ، بل بات الآن لكل وطن، أعياده الخاصة التي يحتفي بها بأصناف المظاهر والممارسات الموضوعة.
فلسفة العيد في الإسلام:
وطبيعة الأعياد في الإسلام تختلف عن الأعياد في الأديان والأمم الأخرى، خصوصاً في المجتمعات الغربية. فهناك فلسفة وحكمة وهدف من تشريع العيد في الإسلام ، لا بد من الحرص على تحقيق غاياته ، فهي مواسم عبادة وتضرع.
وللأعياد في الإسلام مراسم خاصة عبادية، تأخذ مكانة مميزة ووجدانية في حياة المسلم لأنه دين القيم والأخلاق...لذا لم يكن من المستغرب أن أعيادنا تختلف اختلافاً كبيراً عن أعياد الآخرين، نشأة وفلسفة ومضمونا ومن حيث المعنى والدلالة، وهذا ما نبَّه إليه الإمام الخميني رحمه الله تعالى(صحيفة نور18/259).
فالأعياد عندنا, يحوطها الصيام والصدقة والأضحية والنحر والإغتسال والطيب وحسن المظهر والصلاة والتكبير والذكر والخطبة والموعظة والدعاء والزكاة والسجود، تقربا لله تعالى وطلبا لمغفرته وامتثالا لأوامره, فهو يوم عبادة .
وللعيد معنى , حينما يلتقي الغني بالفقير , يُصلون سوية , يبتسمون ويضحكون لبعضهم , ويسلمون على أنفسهم , فيعود الغني مسرورا ويعود الفقير مرضيا ...ففي العيد معنى الفرح , والتوبة , والطاعة ,والتضحية ,والاستسلام , والتكافل ,والكرم , والجماعة والهدية والصدقة وصلة الرحم والبركة والعطاء والإلفة ... لكنه لا يخرج عن الموازين والضوابط المسلكية الشرعية، فهو يوم عبادة ولجوء إلى الله تبارك أسمه.
يقول الشيخ إبراهيم عزت في يوم العيد:
اليومَ عيد
قد عشتُ فيه ألفَ قصةٍ حبيبةِ السِّمات
أردِّدُ الأذانَ في البُكور
أراقبُ الصغارَ يمرحونَ في الطريقِ كالزُّهور
وهذه تحيةُ الصَّباح
وهذه ابتسامةُ الصديقِ للصديق
الكلُّ عائدٌ بفرحةٍ تطلُّ مشرِقةً
من الشفاهِ والعيون
ولعل بعض الممارسات لا تنسجم مع الهدف، كما يحدث مع شهر رمضان
وفريضة الحج والأعراس وبعض المناسبات الأخرى ...
العيد عند غير المسلمين :
أما العيد عند غير المسلمين فيرتكز غالباً على الماديات المحضة ، وعلى إشباع الرغبات الجسدية بعبث ومجون، وهو عندهم بحسب الغالب للبس الجديد أو طعام شهي ويظنون أن العيد رقص وهرج ومرج وزينة...
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ /سورة العنكبوت - آية 64
بل إن كثيراً من الناس يعتقد أن العيد جاء لإشباع رغباته المكبوتة المحرمة , فيتمادى في إختراق الحرمات ويعصي الله , ويقيم الحفلات اللاهية التي يبتكرها فنانوهم ومطربوهم واللاهون منهم... وإذا سألته .. قال : نحن في عيد !
مع العلم أن اللهو والمجون والغناء من أبعد الأمور عن الغايات التي أرادها لنا الإسلام .
تربية الأمة على مفهوم العيد :
فالعيد هو المعنى الذي يكون في اليوم ، لا اليوم نفسه فحسب، وكما يفهم الناس هذا المعنى يتلقون هذا اليوم.
وبما أنَّ العيد في الإسلام هو عيد عبادة، فلا يجوز أن يتحول إلى عبث ولهو .
لذا لا بد من الإبتعاد والحذر عن كل ما يحول دون هدف الإسلام، وعن كل ما يُبعد عن ذكر الله عز وجل، ويؤدي إلى الغفلة والنسيان والتعرض لخطرالفجور والإنحطاط.
فالمجتمع الناظر لرضا الله تعالى يهجر كل هذه الممارسات من ساحته .
فبفهمك للمعنى الحقيقي للعيد , تكون قد استعددت لقدومه ,
وتجهزت لاستقباله .
عيد الفطر :
وعيد الفطر يأتي بعد دورة روحية تربوية شاملة ومحكمة لها آثارها على كل فردٍ مسلم ، هوعيد قوة الروح وسلامتها، والسيطرة على الشهوات والرغبات طيلة شهر كامل، وامتلاك الإرادة الصلبة في تكثيف ومضاعفة الطاعة لله عز وجل واكتساب العبادات والفضائل الروحية ، والإحساس بالفقراء ومواساتهم، والنزوع عن هوى النفس وشهواتها.
قال أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) : «إنما هو عيد لمن قَبِل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد»(نهج البلاغة ص494 قصار الحكم 418 ووسائل الشيعة ج15 ص308 ب41 ح20599)
وقال أبو جعفر عليه السلام:
...إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون : أن اغدوا إلى جوائزكم ، فهو يوم الجائزة،
ثم قال عليه السلام : أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم.
وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إذا كان صبيحة الفطر نادى مناد : اغدوا إلى جوائزكم .
ونظر الحسين بن علي عليه السلام إلى الناس في يوم الفطر يلعبون ويضحكون ، فقال لأصحابه والتفت إليهم :
إن الله عزّ وجلّ جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه ، فسبق فيه قوم ففازوا ، وتخلف آخرون فخابوا ، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخيب في المقصرون ، وأيم اللهِ لو كُشف الغطاء لشُغل محسنٌ بإحسانه ومُسيء بإساءته ( الكافي 4 181 | 5 )
وعن الرضا عليه السلام قال :
إنما جُعل يومُ الفطر العيد ليكون للمسلمين مجتمعا يجتمعون فيه ، ويبرزون لله عزّ وجلّ فيُمجدونه على ما من عليهم ، فيكون يومَ عيد ، ويوم اجتماع ، ويوم فطر ، ويوم زكاة ، ويوم رغبة ، ويوم تضرع ، ولأنه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل والشرب ، لأن أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان ، فأحب الله عزّ وجلّ أن يكون لهم في ذلك مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه (الفقيه 1 : 330 | 1488)
فالمقصد الأول والأخير للعيد هو طاعة الله عز وجل . ومن الواضح أنّ هذا العيد يعود بالنفع والفائدة على كل المجتمع، فآثاره اجتماعية عامة لا خاصة .
السيد سامي خضرا
بتوقيت بيروت