إنَّ الإفطار
إحدى فرحتي الصائم، فبعد نهار طويل من الصوم والجوع والعطش، تأتي ساعة الإفطار، عن
أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنَّه قال: "للصائم
فرحتان فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربِّه"1.
هذه الساعة المباركة التي يغفر بها الله تعالى للصائمين قربة إليه والمتحملين للجوع والعطش، كما حدَّثتنا الرِّواية عن الإمام الصادق عليه السلام :"من صام لله يوماً في شدة الحرِّ فأصابه ظمأ وكّل الله عزَّ وجلَّ به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشِّرونه حتى إذا أفطر قال الله عزَّ وجلَّ: ما أطيبَ ريحك وروحكَ، ملائكتي أشهدوا أنِّي قد غفرت له"2.
فينبغي علينا أن نستغلَّ هذه الساعة بقدر ما أمكننا، فإنَّ ما ورد فيها من الآداب والسنن قليل نسبة لما فيها من الأجر الجزيل، ومن اليسير على المرء كسر نفسه واحتماله في أغلب الأحيان، فما هي آداب الإفطار؟
1- دعوة الصائم للإفطار
وهذا من أعظم
الأعمال والقُرب إلى الله تعالى في شهر رمضان المبارك، ولو كان الإفطار المقدَّم
قليلاً، فإنَّ فيه من الأجر ما فيه، فعن الإمام أبي جعفر الباقرعليه السلام
:"إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: ومن
فطَّر فيه- يعني في شهر رمضان- مؤمناً صائماً كان له بذلك عند الله عتق رقبة،
ومغفرة لذنوبه فيما مضى، قيل: يا رسول الله ليس كلُّنا يقدر على أن يفطِّر صائماً؟
فقال: إنَّ الله كريم يعطي هذا الثواب لمن لم يقدر إلا على مذقة من لبنٍ يفطِّر
بها صائماً، أو شربة من ماء عذب، أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك"3.
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله، عن أبيه ’ قال:"دخل سَدِير على أبي عليه السلام في شهر رمضان، فقال عليه السلام يا سَدِير هل تدرى أيَّ الليالي هذه؟ قال: نعم فداك أبي، هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك؟ فقال له: أتقدر على أن تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقاب من ولد إسماعيل؟ فقال له سَدِير: بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذاك، فما زال ينقص حتى بلغ به رقبة واحدة، في كل ذلك يقول: لا أقدر عليه، فقال له: فما تقدر على أن تفطِّر في كل ليلةٍ رجلاً مسلماً؟ ! فقال له: بلى وعشرة، فقال له أبي عليه السلام فذاك الَّذي أردت، يا سَدِير، إنَّ إفطارك أخاك المسلم يعدل رقبةً مِن ولدِ إسماعيل"4.
بل إنَّ بعض الرِّوايات أشارت إلى أنَّ فضل إفطار المؤمن أكبر من فضل نفس الصيام، فعن أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام : قال:" فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك"5.
ولقد كان إفطار المؤمنين من سيرة أهل البيت عليه السلام ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال:"كان علي بن الحسين عليه السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطَّع أعضاء وتطبخ، فإذا كان عند المساء أكبَّ على القدور حتى يجد ريح المرق وهو صائم، ثم يقول: هاتوا القصاع، اغرفوا لآل فلان، اغرفوا لآل فلان، ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون ذلك عشاءه"6.
وفوق هذا
كلِّه لمن فطَّر صائماً يكون له عند الله تعالى دعوة مستجابة فليستغلَّ هذه الفرصة
في طلب مرضاة الله تعالى وطلب التوفيق للعمل الصالح وحسن الخاتمة.
عن الإمام الباقر عليه السلام :" أيُّما مؤمن فطَّر
مؤمناً ليلةً من شهر رمضان كتب الله له بذلك مثل أجر من أعتق نَسَمةً، قال: ومن
فطَّره شهر رمضان كلَّه كتب الله له بذلك أجر من أعتق ثلاثين نَسَمةً مؤمنة، وكان
له بذلك عند الله دعوة مستجابة"7.
2- الدعاء بالمأثور
وأدعية الإفطار متعددة، أشهرها ما جاء في الرواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، عن آبائه عليه السلام :" إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم كان إذا أفطر قال: اللهمَّ لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا فتقبَّله منَّا، ذهب الظماء، وابتلَّت العروق، وبقي الأجر"8.
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:"تقول في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار إلى آخره: الحمد لله الذي أعاننا فصمنا، ورزقنا فأفطرنا، اللهمَّ تقبَّل منَّا وأعنَّا عليه وسلِّمنا فيه وتسلَّمه منَّا في يسر منك وعافية، الحمد لله الَّذي قضى عنَّا يوماً من شهر رمضان"9.
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:"تقول في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار إلى آخره: الحمد لله الذي أعاننا فصمنا، ورزقنا فأفطرنا، اللهمَّ تقبَّل منَّا وأعنَّا عليه وسلِّمنا فيه وتسلَّمه منَّا في يسر منك وعافية، الحمد لله الَّذي قضى عنَّا يوماً من شهر رمضان"9.
ومن الأدعية التي تقرأ على قبيل أول لقمة من الإفطار:" بسم الله، يا واسع المغفرة اغفر لي"
فعن الإمام
موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، عن آبائه عليه السلام :"إنَّ لكلِّ صائم
عند فطوره دعوة مستجابة، فإذا كان أول لقمة فقل: بسم الله، يا واسع المغفرة اغفر
لي"10.
3- قراءة سورة القدر
فعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنَّه قال من قرأ" إنَّا أنزلناه" عند فطوره وعند سحوره كان فيما بينهما كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله"11.
4- تقديم الصَّلاة على الإفطار
فتلبية نداء الله تعالى للصَّلاة مقدَّمٌ فضلاً على تلبية نداء النفس للطعام والشراب، إلَّا في حالتين،كما ورد في الرِّوايات الشَّريفة:
1- وجود من ينتظِر:
فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنَّه سُئل عن الإفطار، أَقبْلَ الصَّلاة أو بعدها؟ فقال:"إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم، وإن كان غير ذلك فليصلِّ ثمَّ ليفطر"12.
وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام :" في رمضان تصلي ثم تفطر إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار، فإن كنت تفطر، معهم فلا تخالف عليهم، فأفطر ثمّ صلِّ وإلَّا فابدأ بالصَّلاة، قال الراوي: ولمَ ذلك؟ قال لأنَّه قد حضرك فرضان: الإفطار والصَّلاة، فابدأ بأفضلهما، وأفضلهما الصَّلاة، ثمَّ قال عليه السلام : تصلي وأنتَ صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحبّ إلي"13.
2- الضعف عن الصَّلاة قبل الإفطار:
لشدة الجوع
والتعب، فعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:" يستحبُّ للصائم إن
قوِىَ على ذلك أن يصلِّيَ قبل أن يفطر"14.
5- أول ما يفطر عليه
أول ما يفطر عليه الصائم الرطب أو التمر، فهو ما كان يفطر عليه الرسول الأكرم محمَّد صلى الله عليه وآله و سلم، ففي الرواية عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطبُ وفي زمن التمر التمرُ"15.
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إذا صام فلم يجد الحلو أفطر على الماء"16.
وللإفطار على الماء الفاتر فائدة في الدنيا والآخرة، كما في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال:"إذا أفطر الرجل على الماء الفاتر نقى كبده، وغسل الذنوب من القلب، وقوى البصر والحدق"17. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إذا أفطر بدأ بحلواء يفطر عليها فإن لم يجد فسكرا وتمرات، فإن أعوز ذلك كلّه فماء فاتر وكان يقول: ينقي المعدة والكبد ويطيِّب النَّكهة والفم ويقوِّي الأضراس ويقوي الحدق، يجلو الناظر ويغسل الذنوب غسلاً، ويسكن العروق الهائجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصّداع 18.
*اداب الصوم , سلسلة الاداب والسنن, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-
الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران- الطبعة الخامسة- ج 4 ص 65
2- م.س- ج 4 ص 65
3- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية
1414 ه.ق.- ج 10- ص 137- 138
4- م.س- ج 10- ص 139
5- م.س- ج 10- ص 139
6- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران- الطبعة الخامسة-ج 4 ص 68
7- م.س- ج 10- ص 141
8- م.س- ج 10- ص 147
9- م.س- ج 10- ص 147- 148
10- م.س- ج 10- ص 149
11- م.س- ج 10- ص 149
12- م.س- ج 10- ص 149- 150
13- م.س- ج 10- ص 150
14- م.س- ج 10- ص 150
15- م.س- ج 10- ص 156- 15
16- م.س- ج 10- ص 157
17- م.س- ج 10- ص 157
18- م.س- ج 10- ص 158
بتوقيت بيروت