بعكس ما يعتقد البعض، فإن الدكتور محمد الصفراني – مشتغل باللغة العربية وناقد وشاعر - أكد أن اللغة العربية ليست في خطر من الآخر بقدر حجم الخطر الذي يصيبها بها أبناؤها، في إشارة لواقعها في دور الدراسة بمختلف مراحلها. وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: "إن أسلوب وأدوات تدريس اللغة العربية، لا يزال يعتمد على الإجابة على السؤال الأزلي: أعرب ما تحته خط، يعزلها عن لغة بيئة الفرد ومحيطه الذي يعيش فيه".
وركز الصفراني على واقع اللغة العربية في دور الدراسة وربطها بما عليها حالها في عالم اليوم، حيث أعاب مسلك تعليم اللغة العربية وحصره بالإجابة على السؤال الأزلي: "أعرب ما تحته خط»، مبينا في الوقت نفسه أن الحديث عن أن اللغة في خطر مبالغ فيه، غير أنه نفى أن ليس للغة من خطورة تواجهها.
ولفت إلى أن الاعتماد على الإجابة على هذا السؤال الأزلي، ارتبط بوسائل التدريس، مبينا أن هذه طرق لتدريس اللغة العربية بائدة جدا، ليست لكونها قديمها بل لأنها ليست صالحة في الأساس، معتقدا أن الأسلوب القديم أفضل في طريقة التدريس من غيره من الأشكال التي يدرس عليها حاليا. وقال: إن «شكل تدريس اللغة القديم، كان يعتمد على ما يعرف بالطريقة الكلية، فيعطى الطالب إما نصا نثريا أو شعريا يقرأه ويتشرب معانيه ويشرح ألفاظه وإعرابه وبالتالي يعيش النص".
وأوضح الصفراني أنه في الوقت الحاضر، يعطى الطلاب مجتزآت، عبارة عن جمل مبتورة من صياغتها ويقال له أعرب، وهذه إعرابها فعل وتلك فاعل مع أنه المفروض أن يعرف أولا بمعاني المفردات في صياغتها، وأن الفاعل هو من قام بالفعل والفعل هو الحدث نفسه والمفعول به هو الذي وقع عليه الفعل، لتليها مراحل أخرى يهتم بأدبية اللغة، من حيث التذوق لنص أدبي أو عبارة جميلة أو كتابة رسالة محددة وموجهة.
وتابع الصفراني: «عندما كنت في التعليم العام اقترحت أن تكون مادتا التعبير والإنشاء حرتين غير مقيدة، مع الاحتفاظ ببعض الأشياء المقيدة، كأن كيف يكتب تقرير اجتماع أو محضر اجتماع أو تقريرا عن سفر أو زيارة كيف يكتب سيرة ذاتية، ويكون هناك نواح إجرائية وأخرى حرة». والشيء نفسه ينطبق على «الخط والإملاء»، مبينا أنه في التعليم العام هناك من ينتقل منه إلى المرحلة الجامعية، وهو لا يعرف أن يكتب جملة أو إملاء، موضحا أن ذلك خلل، مفترضا أنه إذا كان الطالب يدرس على مدى سنين دراسته الـ12 اللغة، أن تتجاوز قدراته اللغوية في الجامعة ليس فقط الكتابة والقراءة بل التأليف، مشيرا إلى أن هذا الوضع في حاجة لمعالجات ومبادرات.
ومع ذلك قال الصفراني: "لا يمكن نفي الخطورة عن اللغة العربية، كما لا يمكن تأكيد أنها في خطر، فالمسألة نسبية ولكن هناك خلل يحتاج إلى معالجة، ذلك أن اللغة العربية في خطر من ناحية والعلاج واضح".
وبرأيه أن الخطورة تكمن في مستوى التعليم العام ومراحله بأنها لم تعط حقها كاملا، من الاهتمام على مستوى المنهج ومستوى طريقة التدريس ومستوى التعاطي فيها داخل المؤسسة التعليمية، مشيرا إلى أن أساتذة العلوم العلمية والأدبية والرياضيات لا يتحدثون اللغة الفصحى.
وأضاف الصفراني: "إن المدرسة لا تشترط على الطلاب الحوار بالفصحى، بل إن بعض المحاضرات والأنشطة اللافصلية التي تجرى في المدارس تجرى بالعامية".
ويعتقد أن اتخاذ تمرير قرار بأن الحوار بين الطلاب في داخل المؤسسة التعليمية لا يكون إلا بالفصحى، أدعى لحماية اللغة العربية من الخلل، ويرفعها لمصاف مستويات كبرى اللغات العالمية التي يتسابق عليها الباحثون عن المعرفة أيا كان نوعها على حد زعمه.
ووفق الصفراني، فإنه على مستوى التعليم العالي، فإن جميع الطلاب الذين يحصلون على نسب متدنية لحد ما لا يتم قبولهم في الكليات العلمية وإنما يحالون لكلية الآداب، لدراسة تخصصات مثل اللغة العربية، وعلوم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا إلى آخره، ما أساء لهذه التخصصات من ناحية نوعية الطلاب الذين يوجهون إليها لدراستها..
وبالمقابل فإن الصفراني لفت إلى أنه في حالة التعليم العالي، يشترط الحصول على النسبة العالية أن يكون مثلا للتخصصات العلمية وربما كان للتخصصات غير الأكاديمية الأخرى، مثل الدراسات الأمنية والعسكرية وما شابه ذلك.
وأضاف: «إن الطالب الذي يلتحق بتلك الكليات ليس مطلوباً منه الحصول على نسبية عالية من التحصيل العلمي والثقافي وغيره، ذلك لأن الطالب مطلوب منه القيام بأعباء أخرى غير العلم وبالتالي فإن الطالب الذي يكون بين الدفاتر والكتب لا يصلح لأن يكون في الشرطة لأنه لا يفهم في المسائل والمشاكل التي تقع في هذه الحالة، ذلك لأن وقته مقسم بين البيت والجامعة والشارع والنشاطات الأخرى".
فاللغة العربية من جهة في خطر ومن جهة أن العلاج ممكن، وفي اليد ومقدور عليه، لا سيما أنها لغة البلد واللغة الرسمية لجميع البلدان العربية بلا شك.
الشرق الأوسط
بتوقيت بيروت