كأنّ أدهم يختبىء بين يدي والده يحاول إخفاء تفاصيله الصغيرة المهشمّة. حضور أدهم، البطل الصغير أشبه بعناد محارب.. بثبات وصلابة مقاوم يانع كزهر نيسان.
هو أصغر جريح في سلسلة تفجيرات إرهابية لم تستثن بقعة من لبنان. يستعيد أدهم يوم 15 آب 2013، يوم تفجير الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية.
يومها، استفاق أدهم من حضرة الموت ونهض محدّقا بالأسفلت ثمّ عبَر على وسادة بلّلها العلقم تارة، وتارة أخرى جففتها دميته "البنيّة". يؤرشف ابن السنوات الثلاث صورة وصوت هذا اليوم ويؤرخهما بكل تفصيل حفظه من لحظة احتضان والدته له بعد غياب ثلاثة أشهر.
بصمت يقابلك، وبصمت يحادثك، وبصمت يودّعك
أدهم ليس أبكماً، ولكنه بصمت يقابلك، وبصمت يحادثك، وبصمت يودّعك..لغة عيونه وإيماءاته أبلغ في التعبير عن ألم يدٍ ورجل أكل منهما الإرهاب وما شبع. يقول لك أنا الملاك الجريح، أنا العصفور المذبوح الذي لا يقبل أن يغرّد ولو حتى ألما..يقولها بعينيه ويقولها بأطرافه الصغيرة التي يحاول إخفاءها بين أحضان والده.
يخبرك أنه في ذالك اليوم،
كان هو ومن معه لا يرون إلا أدهم، البطل أدهم والحضور أدهم وعنوان المسرحية أدهم،
وحتى صخب الحياة كان أدهم. وفي لحظة، عندما اكتمل الحضور خارج عالمه، انطلقت صافرة
العرض وسطع ضوء واهتز عالم أدهم وهوى. نظر حوله في كل انعكاس للصورة وفي ملامح
الحضور الذي بات أصماً وابكما: هل أَنا هُو؟َ هل أعجبتكم بطولتي في العرض الأول؟
هل أكمل؟ كيف أكمل وما عاد لمسرحتي عنوان، وصرت أعدّ وأخرج حركات إيمائية تعبر عن
ألم ودماء تسيل على الأرض؟
لم تسدل الستارة.. ما زال أدهم الجريح يعيد بناء عالمه. الوالد، حسام، يساعده على عبور مرحلة الوجع الى حضن الراحة. سيذهب الصغير إلى المدرسة العام المقبل. حسام وحده يسمع صوت "قدّيسه" أدهم ويرفع صدمة الإرهاب عن صدر طفله ويخمد سطوة الحروق على جسده ويؤمله بالحياة. يأمل أدهم أن يكون عرضه الثاني على خشبة مسرح في غرفة عمليات خارج لبنان، عنوانه عبور ملاك جريح، من بطولته وإنتاجه وتصميمه، ومن إخراج حسام.
في وطننا النازف أكثر من حسام يرغب في محو جزء من ذاكرة أولاده وما خزّن فيها من أرشيف لا لون قوس قزحٍ ولا طعم سكاكرَ فيه.
الميادين نت
بتوقيت بيروت