أ- تعريف : الخوف هو شعورٌ أو انفعالٌ ينتج عن توقّع خطرٍ مرتبطٍ بنوعٍ من الخبرة المؤلمة.
ب- أشكال الخوف : تتعدّد أشكال الخوف تبعًا لتعدّد مصادر الخطر المتوقّع.
ت- تعريف الخوف من الامتحان : هو شعورٌ أو انفعالٌ
ينتج عن توقّع خطر الرّسوب أو عدم تحقيق نتيجةٍ يتوقّعها التّلميذ لنفسه أو
يتوقّعها له أهله أو معلّموه وما قد يرتبط بهذا الخطر من تهديدٍ بالإحباط لحاجته
إلى التّقدير والاحترام والمكانة والمحبّة، وربّما من التّهديد باللّوم والتّوبيخ
أو التّقريع أو أيّ من أشكال التّعزيز السّلبيّ المحتملة.
تجلّيّات الخوف من الامتحان :
يتجلّى الخوف من الامتحان في مستويين من السّلوكات :
الأوّل هو الخوف العاديّ والطّبيعيّ الّذي يحفّز
الخائف ويدفعه لاستنفار طاقاته وإمكاناته لمواجهة الخطر المحتمل من خلال الإقبال
على الدّرس والمراجعة والقيام بكلّ الاستعدادات اللازمة لمواجهة الخطر المتوقّع
بشيءٍ من النّجاح . هذا النّوع من الخوف هو شعور
(Sentiment) وليس انفعالاً
(Emotion) ، وهو يبدأ قبل الامتحان
ويزداد مع اقترابه ومعه يزداد الاستعداد وهو أقرب إلى أن يكون نوعًا من القلق
الهادئ والخلاّق منه إلى أن يكون خوفًا انفعاليًّا محدِثًا للاضطراب والعجز عن
السّيطرة على النّفس. نعم يمكن أن يصبح كذلك في
الفترة الّني تفصل بين الدّخول إلى قاعة الامتحان وتوزيع الأسئلة حيث يصاب عشرون
بالمائة من التّلاميذ والطّلاّب بتسارع ضربات القلب والتّنفّس وارتجاف اليدين
وجفاف الحلق واصفرار الوجه أو احمراره وبكلّ ما يعبّر عن التّوتّر بما فيه الإصابة
بالإسهال. لكنّ هذا الانفعال يزول سريعًا بالنّسبة للمصابين بهذا المستوى من الخوف
عند توزيع الأسئلة. ويفسّر علماء النّفس هذا الانفعال بأنّ الطّاقة الجسديّة
والنّفسيّة المستنفرة لمواجهة الخطر المتوقّع لا تجد ما تتّجه إليه قبل توزيع
الأسئلة فتتبدّد في هذه التّعبيرات الفيزيوبيولوجيّة والنّفسيّة لكن بعد توزيع
الأسئلة تتركز تلك الطّاقة على موضوعٍ محدّدٍ فيزول التّوتّر نتيجةً لذلك.
الثّاني هو الخوف المبالغ به وهو انفعالٌ شديدٌ يقترب من العاصفة العاطفيّة الّتي تُحدث اضطرابًا عنيفًا يعجز معه الخائف عن السّيطرة على نفسه والتّحكّم بسلوكه ممّا يجعله أكثر تعرّضًا للوقوع في الخطر المحتمل بدل العمل على تجنّبه ويتجلّى هذا المستوى من الخوف من الامتحان بعجز الخائف عن تذكّر معلومات أو قواعد أو أشكال حلٍّ كان قد حفظها وتدرّب عليها طويلاً، وأحيانًا بالاستسلام للبكاء أو التّضرّع استدرارًا للشّفقة.
هذا النّوع من الخوف إذا تجلّى بصورةٍ متواترةٍ عند أحد التّلاميذ قد يصبح خوفًا مرضيًّا (phobia) لا يتجلّى في يوم الامتحان وحسب بل يتجلّى أيضًا في فترة الاستعداد له ويظهر عند هذا النّوع من الخائفين أنّه حتّى بعد المراجعة والتّمرين يبدو كأنّه لم يستوعب شيئاً ولا يتذكّر شيئًا ممّا درس وحفظ وتمرّن عليه. وهوالحالة القصوى من الخوف من الامتحان وهو الّذي سنركّز على أسبابه والوقاية منه وعلاجه من دون إغفالٍ للمستوى الأوّل.
أسباب الخوف من الامتحان :
مجمل أسباب الخوف من الامتحان مكتسبةٌ ونجد مصدرها في ما يلي :
1. الاهتمام المبالغ به من قبل الأهل بإعداد ولدهم للامتحان ، ممّا يوحي للولد أنّه يعَدّ و يعِدّ نفسه لمعركةٍ مصيريّةٍ يتوقّف على انتصاره فيها إشباع حاجاته إلى المحبّة والتّقدير والمكانة ، وتجنّب اللّوم والتّوبيخ والتّعزيزات السّلبيّة والتّوقّعات العالية للأهل والّتي لا تتناسب واستعدادات التّلميذ وإمكاناته ممّا يُشعِر التّلميذ بالعجز عن تحقيق هذه التّوقّعات ويجعله فريسةً للشّعور بالإحباط وبالتّالي الخوف المبالغ به من هذا الاستحقاق لأنّه يعرف سلفًا أنّه مهما فعل لن يحقّق هذه التّوقّعات ويزداد الأمر خطورةً إذا اقترنت تلك التّوقّعات بما يقابلها من وعودٍ بالتّعزيزات الإيجابيّة والتّهديد بالتّعزيزات السّلبيّة.
2. إكثار الأهل والمعلّمين من الحديث عن المتفوّقين والمكافآت الّتي يحصلون عليها ، وإجراء مقارنةٍ بينهم وبين التّلميذ المعنيّ ما يُشعره بالدّونيّة ويجعل الامتحان منذرًا بمزيد من هذه الدّونيّة فيتضاعف خوفه من هذا الاستحقاق.
3. المتطلّبات الزّائدة للأهل وميلهم إلى المثاليّة ما يجعل مواقفهم من مجمل سلوكات أبنائهم تتّسم بعدم الرّضا وأحيانًا باللّوم والتّوبيخ والتّقريع ما يجعل الولد يتوقّع السّلوك نفسه من نتائجه في الامتحان مهما كانت ، وهذا السّبب يقترب في نتائجه من سبب التّوقّعات العاليّة للأهل.
4. احتمال تعرّض التّلميذ لصدمةٍ من قبل الأهل او المعلّمين عند تعرّفهم إلى النّتيجة في أحد الامتحانات ، وعودة ذكريات هذه الصّدمة ومفاعيلها النّفسيّة أو الجسديّة مع أيّ امتحانٍ جديدٍ ما يجعل خوفه من صدمةٍ مشابهةٍ يضاعف خوفه من الامتحان.
5. عدم إعداد الولد تدريجيًّا لمواجهة أوضاع جديدةٍ بفعل العناية الزّائدة به أو التّخوّف الزّائد عليه ما يُضعِف استعداده لمواجهة أيّ مجهولٍ ومنه الامتحان.
6. التّقدير العالي للذّات بفعل مدح الأهل أو غيرهم للولد باستحقاقٍ ومن دون استحقاقٍ والخوف من كلّ ما يمكن أن يتهدّد هذا التّقدير أو المكانة ومنه التّعرّض للامتحان.
7. التّعوّد على تأجيل الدّرس إلى أن يحين الامتحان
ما يضع التّلميذ أمام كمٍّ من الدّروس الّتي يصعب عليه درسها بصورةٍ تولّد الثّقة
لديه بأنّه أتمّها وأصبح جاهزًا لتقديم الامتحان والنّجاح فيها . وتسهم بعض
المدارس أو المدرّسين في تعويد التّلميذ على هذه العادة بعدم إجراء تقييمٍ مستمرٍّ
ويوميٍّ ليصبح التّقييم الجزئيّ أو الكلّيّ أمرًا عاديًّا عند التّلميذ ولا يعود
يرتدي الطّابع الاستثنائيّ والظّرفي الّذي يتّخذه عادةً في أذهان التّلاميذ
وأوليائهم والّذي يعبّر عن نفسه بهذا الاستنفار الكبير لجهودهم خلال فترة
الامتحان.
الوقاية من هذا الخوف:
إنّ الوقاية من هذا الخوف المبالغ به يكون بتلافي الأسباب الّتي تؤدّي إلى ولادته فإذا جعل الأهل توقّعاتهم متناسبةً واستعدادات الولد، وإذا جعلوا متطلّباتهم من الولد واقعيّةً وتعاطَوا مع أخطائه السّلوكيّة بواقعيّة أيضًا، وابتعدوا عن مدح ولدهم والتّعبير عن الإعجاب بكلّ ما يقوم به سواءً استحقّ ذلك أم لا ما يولّد لديه تقديرًا موهومًا للذّات ، وإذا امتنعوا عن صدمه باللّوم والتّوبيخ وغيرها من التعزيزات السلبيّة عند رسوبه أو عدم تحقيقه النّتيجة المتوقّعة وإذا تعاطَوا مع الامتحان بوصفه أمرًا عاديًّا وساعدتهم المدرسة على ذلك بالطّريقة الّتي تقدّم ذكرها ، وإذا تمّ التّعاطي مع نتائج التّلميذ بعيدًا عن التّوتّر والتّشنّج وكفّ الأهل عن مقارنة ولدهم بالمتفوّقين في صفّه... نقول لو تصرّف الأهل والمعلّمون وكلّ من له علاقة بالتّلميذ على هذا النّحو لساعدوه على أن لا يقع فريسة الخوف المرَضيّ من الامتحان .
أمّا الخوف العاديّ الّذي يلعب دورًا إيجابيًّا
فلا حاجة إلى العمل على الوقاية منه.
العلاج من هذا الخوف:
العلاج من هذا الخوف يكون بكلّ الوسائل والتّدابير الّتي يمكن أن تؤدّيَ إلى استبدال المفهوم التّقليديّ السّائد للامتحان لدى التّلميذ وذويه ومعلّميه بمفهومه الحديث الّذي يجب أن يسود والّذي يعتبر تقييمًا لثمرة أيّ جهدٍ يقوم به التّلميذ للوقوف على ما حقّّقه وما لم يحقّقه بهدف مساعدته على تحقيقه.
إنّ إعادة تشكيل مفهوم الامتحان لدى التّلميذ المصاب بالخوف المرَضيّ منه بهدف تحريره من هذا الخوف يقتضي :
1. لجوء الأهل والمعلّمين إلى التّقييم اليوميّ لكلّ جهدٍ بذله التّلميذ في الدّرس بحيث يصبح هذا التّقييم بأشكاله المختلفة... عملاً عاديًّا بدل أن يكون عملاً استثنائيًّا تُستَنفَر فيه الطّاقات كما لو كنّا نهيّء لمعركةٍ مصيريّة. إنّ اللّجوء إلى هذا التّدبير يقلّل شيئًا فشيئًا من مخاوف التّلميذ المرَضيّة ويساعد على إنهائها بعد فترةٍ من الزّمن.
2. التّعاطي من قبل الأهل والمعلّمين مع نتائج التّقييم بصورةٍ واقعيّةٍ تأخذ إمكانات التّلميذ واستعداداته بعين الاعتبار وتعزّز أيّ مستوى من التّقدّم بالتّشجيع. وتدرس أسباب أيّ مستوى من التّأخّر وتعمل على تجاوزها. والإيحاء للتّلميذ أنّ الأمر طبيعيّ إشارةً إلى أنّه ما من أحدٍ يتقدّم أو يتأخر بصورةٍ متواترةٍ وأنّ التّأخّر في كثيرٍ من الأحيان يكون سببًا لمزيدٍ من التّقدّم مستشهدين على قولنا بأدلّةٍ واقعيّة.
3. تدريبه في البيت على إجراء امتحاناتٍ سهلةٍ في البداية وتصعيبها شيئًا فشيئًا وامتداح ما يتحقّق من نتائج والإيحاء له أنّ الامتحانات المدرسيّة لا تختلف في شيءٍ من تلك الّتي يجريها في البيت.
4. دفعه إلى ممارسة لعبة الامتحان مع إخوته أو بعض زملائه من أبناء الجيران يقوم كلٌٌّ منهم بالتّناوب باختيار أسئلةٍ يوزّعها على الآخرين الجالسين في وضعٍ شبيهٍ بالوضع في المدرسة، ويقوم بالمراقبة وتحديد الوقت وجمع المسابقات وتصحيحها ما يجعل الامتحان أمرًا مألوفًا وسارًّا في بعض الأحيان.
5. توجيه التّلاميذ إلى إشغال أنفسهم بأيّ أمرٍ وموضوعٍ عندما يدخلون قاعة الامتحان خلال الفترة الفاصلة بين دخولهم وتوزيع الأسئلة تلافيًا للتّوتّر الّذي يصيب العديد منهم في مثل هذه اللّحظات.
6. تدريب التلاميذ على التعاطي مع الامتحان بروحية التوكل على الله فبعد بذل الجهد في الاستعداد بالطرق الملائمة يترك أمر النتيجة والتوفيق لله –جل وعلا- والتعاطي معها بوصفها خيراً، مهما كانت غير مرضية.
7. تنبّه الأهل والمعلّمين لكلّ السّلوكات الخاطئة الّتي عدّدناها تحت عنوان الأسباب وعدم اللّجوء إلى أيٍّ منها في التّعاطي مع التّلميذ في ما يتعلّق بموضوع الامتحان والنّتائج.
واللّه الموفّق لما فيه السّداد والخير
الاستاذ علي يوسف
اخصائي تربوي
بتوقيت بيروت