تحقيق: فاطمة شعيتو حلاوي
بات التسّوق الإلكتروني أو الافتراضي خدمةً رائجة في عصرنا، تتّسم بالمرونة والسهولة إذا ما توفّرت الأدواتُ والتقنيات اللازمة، انطلاقاً من اقتناء بطاقة ائتمانية (credit card)، مروراً بإمكانية الدخول إلى الشبكة العنكبوتية، ووصولاً إلى تحقيق عملية البيع والشراء. بيدَ أنّ التكنولوجيا الرقمية قد تمدّ يداً لتقديم المعونة السريعة من جهة، وتطوي الأخرى في جيوب زبائنها من جهة ثانية، لعلّها تختلس برشاقةٍ بياناتهم الخاصّة وسيولتهم. فإمّا إنهاء عملية التسوّق بنجاح، وإما الوقوع فريسةَ "التصيّد" الإلكتروني. وفي كلا الحالتين يصبحُ التسوّق الافتراضي مغامرةً تحكمها الحيطةُ والحذر.. إلا ما قلّ وندر! أسئلةٌ عديدة يطرحها اليوم التسوّق في متاهات العالم الافتراضي: كيف يتمّ التسوّق عبر الإنترنت؟ وما هي الخطوات الضرورية لتسوّقٍ إلكتروني آمن بعيداً عن مطبّات المكر والاحتيال؟
يُعتبر التسوّق عبر الإنترنت من الخدمات الحديثة التي أخذت
تنتشر في أوساط العامّة بالتزامن مع إتاحة وسهولة الدخول إلى الشبكة العنكبوتية.
إنه ببساطة نوعٌ من النشاط التجاري الذي يتم بين طرفين، هما البائع والمشتري، عبر
أساليب ووسائط إلكترونية.
وكأي نوعٍ آخر
من التسوّق، فإنّ التسوّق الافتراضي له أدواته ومتطلباته الخاصة، ويقع في مقدّمها،
بديهياً، توفّر الاتّصال عبر الإنترنت. ويشكّل استخدام بطاقة الائتمان العنصر
الأكثر ضرورة لإتمام عملية الشراء والأكثر رواجاً في أوساط المتسوّقين إلكترونياً،
من ضمن خيارات تشمل: الدفع عبر الحوالات البنكية أو عبر شركات التحويل، الدفع عن
طريق الهاتف والفاكس، والدفع عن طريق "الشيك".
ومع توفّر تقنية الاتصال وأداة الدفع، تصبح آلية التسوّق ممكنة
عبر زيارة مواقع إلكترونية متخصّصة في هذا المجال. وإن كانت هذه المواقع موثوقة،
فهي ستلجأ إلى فرض جملة خطواتٍ على "الزبون" طالب البضاعة، أهمّها
الحصول على معلومات خاصة به كالاسم، عنوان الإقامة، البريد الإلكتروني وتفاصيل
البطاقة الائتمانية، فضلاً عن تحديد طريقة توصيل المُشتريات.
بعد إبرام
"عقدٍ افتراضي" بين البائع والمشتري الإلكترونييْن، حيث يتم الإيجاب
والقبول عبر الإنترنت، ينتقل الزبون إلى مرحلة ترقّب وصول البضاعة. فإذا
ما وصلته بأمان، كُتب النجاح لعملية التسوّق بأقلّ التكاليف والعناء، وسُجّلت لهذه
المعاملة مجموعة من الإيجابيات، أبرزها: توفير الوقت والجهد، اختيار المُنتج
المطلوب بأفضل الأسعار عبر مفاضلة يجريها المتسوّق بين ما تعرضه المتاجر
الإلكترونية، لناحية الجودة والسعر، بالإضافة إلى اقتناص فرصة الحصول على عينات
مجانية لبعض المنتجات قبل شرائها.
في هذا المعرض، تنقل سناء (36 عاماً) تجربة إحدى صديقاتها في
عالم التسوّق الافتراضي، حيث غالباً ما تحظى الأخيرة بعروضاتٍ هامّة من الشركات التي
تقصدُ متاجرها عبر الشبكة العنكبوتية، من قبيل تخفيضٍ مغرٍ في أسعار البضائع
المعروضة، أو تقديم عيّنات مجّانية، وصولاً إلى تلقي دعواتٍ خاصّة لحضور ندوات
ومعارض خاصة بالزبائن "المخلصين".
أمّا رشا (25
عاماً)، فتؤكد أنها تجد متعةً في التسوّق عبر الإنترنت. فهو وسيلة عصرية
"أكثر راحة ورفاهية"، لأنها تمكّن "الزبون" من الحصول على مبتغاه
ضمن مروحة واسعة من الخيارات المتاحة، والتي قلّما تتوفّر في المتاجر التقليدية.
وتوضح رشا أنها تعمد إلى التسوّق الافتراضي لشراء ملبوساتٍ عالية الجودة من متاجرَ إلكترونية تابعة لشركات عالمية، مهمتها الترويج لماركات معروفة في السوق، وبأسعارٍ تنافسية أحياناً كثيرة. إلّا أنه "ليس في كلّ مرّة تسلم الجرّة"، تقول رشا، معلّقة على تجربة تسوّق "نصف فاشلة" خاضتها ذات مرّة. فقد تأخّر موعدُ تسلّمها ثوباً ابتاعته عبر الإنترنت بسبب معوّقاتٍ في عملية الشحن، ما اضطرّها إلى استبداله بآخر من صناعة محليّة، ارتدته "قسراً" في مناسبةٍ عائليةٍ خاصّة.
والتسوّق الإلكتروني بات بالنسبة إلى رشا "هواية أكثر من عادية"، بحسب تعبيرها. هوايةٌ قد تجرّ صاحبها أحياناً إلى مصيدةِ المتربّصين بالمتسوّقين الافتراضيين. فكيف يقع هؤلاء في شرَك الاحتيال الإلكتروني؟
*التصيّد الإلكتروني.. سرقةٌ عصرية
إننا إذا ما استثنينا "غفلة" المتسوّق أحياناً، فإنّ
أساليب "التصيّد الاحتيالي" عبر الإنترنت تتنوّع، وتصل إلى حدّ المكر
والاحتراف "السلبي"، الذي قد يُوقع بالمتسوّقين الأكثر خبرة ويقظة!
وننقل لكم
خبراً حفلت به مؤخراً مواقع الإنترنت: تفاحتان طبيعيتان بدلاً من جهازي
"آيفون" من شركة "آبل" (التفاحة)، هما ما حصلت عليه شابة
أسترالية مقابل 1500 دولار أميركي، بعدما وقعت ضحية تسوّق افتراضي فاشل، والسبب الرئيس
وثوقها بمعلنٍ إلكتروني "ماكر"!
ولعلّ البطاقة الائتمانية تشكّل القناة الأساسية لنفاذ القراصنة الإلكترونيين إلى سيرورة عملية التسوّق الآمنة، ويتمّ ذلك غالباً عبر "جرجرة" المتسوّق للإفصاح عن معلوماته المالية السريّة. أمّا أشهر السبل المُعتمدة لتحقيق هذه الغاية، فتشمل:
أولاً:
رسائل مزعجة (spam emails) تصل إلى البريد الإلكتروني الخاص بالمتسوّق، وتحتوي غالباً
عروضاً لشراء مُنتجات أو برامج بأسعار رخيصة.
إنّ محاولة الشراء عبر استخدام الروابط (links) الموجودة في هذه الرسائل، تمنح الجهة "السارقة" مجاناً البيانات الخاصة بهويّة البطاقة الائتمانية. ويكون لها ذلك عبر إدخال المتسوّق "الفريسة" كلّ تفاصيل عملية الدفع، ما يمكّنها من الاستيلاء "غيبياً" على البطاقة المذكورة واستخدامها في عمليات شراءٍ غير قانونية.
ثانياً:
برامج التجسس
ومسجّلات ضربات المفاتيح وبعض الفيروسات. إنها عناصرُ رقمية خبيثة غالباً ما تُزرع
في أجهزة الحاسوب الموصولة بشبكة الإنترنت، ويتم دسّها أحياناً عبر أشخاص لهم
صلاحية الدخول إلى هذه الأجهزة.هذه العناصر تمكّن مستخدمها من تسجيل ضربات
المفاتيح الخاصة بكلمات سرّ المتسوّق وأرقام بطاقته الائتمانية، في خطوة تمهّد لتصّيده
إلكترونياً.
لهذه العلل وغيرها، لا يحبّذ محمد (22 عاماً) التسوّق عبر شبكة الإنترنت، على الرغم من لجوء بعض أصدقائه المقرّبين إلى هذه "التقنية العصرية" لشراء "أجيالٍ جديدة" من الهواتف الذكية والحواسيب والبرمجيات.
ويرى محمّد أن التسوّق الافتراضي يقدّم فرصاً هامّة للجهات المسوّقة، لناحية سهولة عرض البضائع والمنتجات بأقل تكلفة ممكنة ودون الحاجة إلى مساحاتٍ حقيقية، وأيضاً من حيث سهولة الحصول على زبائن إضافيين، مؤكداً أن روّاد المتاجر الإلكترونية هم في المقابل عرضةٌ للوقوعِ في "أفخاخ" الاحتيال والسرقة، ما يتطلّب حذراً شديداً وإلماماً في أصول عمليات البيع والشراء القانونية عبر الإنترنت. وهنا يُطرح السؤال التالي: ما هي السبل الأنجع لتجنّب المخاطر المحدقة بعملية التسوّق الافتراضي؟
*سلّة نصائح لتسوّقٍ آمن
لتسوّقٍ أمنٍ عبر الشبكة العنكبوتية، يقدّم اختصاصيو أمن المعلومات الإلكترونية جملة من النصائح الهامّة، هي الآتية:
أ - عدم الثقة بمحتوى الإعلانات التي تصل إلى البريد الإلكتروني، ومن ثمّ عدم الإقدام على شراء أيّ منتجٍ يُروّج له على هذا النحو من خلال النقر على الروابط التي يحتويها الإعلان، إلا إذا كانت الجهة المرسِلة معلومة الهويّة وموثوقاً بها. بيد أن المتاجر الإلكترونية ومواقع التسوّق الحقيقية لا تطلب أبداً من المتسوّق إدخال أو إرسال بياناته عبر البريد الإلكتروني.
إن المتصيّدين يعمدون غالباً إلى توجيه رسائل إلكترونية زائفة (phishing emails) إلى ضحاياهم، بهدف سرقة البيانات الخاصة بهم. وتطلب هذه الرسائل من المستخدم عادةً زيارة مواقع إلكترونية زائفة، توجّهه نحو إجراء تحديث على بياناته، مثل الاسم، كلمة المرور، تفاصيل بطاقة الائتمان، ورقم الحساب المصرفي.
ب - تحميل برنامج مكافح للفيروسات (Antivirus) محدّث على الحاسوب المُستخدم، قبل خوض عمليات التسوّق الافتراضي، تجنّباً لـ"سموم" بعض الفيروسات المُصمّمة للاحتيال وسرقة البيانات الخاصّة.
ج - التأكد من أن شريط عنوان الموقع الإلكتروني المقصود لعملية
الشراء يبدأ بـ https(http
secure) بدلاً
من http. علماً بأن الموقع الآمن للتسوّق يقدّم
لزبائنه شرحاً عن سياسة الخصوصية التي يعتمدها، بالإضافة إلى عرضه معلومات الأمان
عبر الضغط على أيقونة خاصة بذلك. لذا، يُنصح بالتأكد من أن هذه الأيقونة ليست
منسوخة من موقع آخر.
د - التأكد من
سياسات التوصيل والإعادة الخاصة بالمتجر الإلكتروني قبل الإقدام على أي عملية
شراء، وذلك
للتأكد إذا ما كان ممكناً إعادة المشتريات، وللاستعلام عن الجهة التي تتحمل تكلفة
ذلك. ويُنصح في هذا المعرض أيضاً بالاحتفاظ بسجلّ عمليات الشراء عبر الإنترنت.
هـ -اختيار كلمة مرور (Password) يصعبُ تخمينها واكتشافها، ذلك أن معظم المتاجر الإلكترونية يطلب تسجيل الدخول لإتمام عملية الشراء, عبر إدخال اسم المستخدم وكلمة المرور.
و - عند إدخال البيانات الخاصّة بعملية الشراء على صفحة المتجر الإلكتروني، يُنصح بتعبئة الحقول الإلزامية فقط، وعادةً يُشار إليها برمز (*), تجنّباً لاستخدام المعلومات الاختيارية في غايات تسويقية مشبوهة.
ز - عدم التسوّق إلكترونياً عبر حاسوب أو هاتف محمول متصل بشبكة "واي فاي" مجانية (WiFi)، كتلك المتوفّرة في الأماكن العامة. فهذه الشبكات قد تكون مخترَقة، ما يُسهّل سرقة بيانات المتسوّق.
*ظاهرة وليدة
مهما تعدّدت أساليب المكرِ والحماية في "زواريب" العالم الرقمي، فإن التسوّق الإلكتروني لا يزالُ تجربة وليدةً في بقاعِ مجتمعاتنا، يسطعُ وميضها حيناً، ويخفتُ حيناً آخر. غير أن اتساع رقعة هذه الظاهرة الافتراضية يبقى محكوماً بركوب الإنسان المعاصر موجة الرقمنة الآخذة في الصعود، بانتظارِ لحظة هبوطٍ تُغمرُ فيها كلّ معالمِ الحياة الروتينية... معالم يقفُ في مقدّمها التسوّق مُغامِراً ومتأرجحاً بين مطرقة النجاح وسندان التصيُّد الإلكتروني!
مجلة بقية الله/العدد271/ نيسان2014
بتوقيت بيروت