حققت الجامعة اللبنانية خطوة مهمّة لاقتحام
مجال الابحاث التطبيقية في عوالم «الخلايا الجذعية» و«الطب التجديدي». فقد تم أمس
التوقيع على اتفاقية تعاون بين كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية ومركز
«ريفيفا ريجينيراتيف مدسين سنتر» (reviva regenerative medicine centre) في مركز الشرق الأوسط الصحي في بصاليم.
وتهدف هذه الاتفاقية الى تطوير الأبحاث التعاونية في مجال طب الترميم والعلاج
بالخلايا والأنسجة، لإيجاد العلاجات للعديد من الأمراض التي لم يستطع الطب أن يجد
لها دواءً.
المركز تأسس في عام 2011. هو الأول في لبنان، الذي يقوم بتخزين الخلايا الجذعية للمولود داخل الأراضي اللبنانية، والهدف من هذا التخزين هو في الدرجة الأولى إفادة صاحب هذه الخلايا أو أحد أفراد عائلته من استخدامها لاحقاً في تأمين علاج متطور للمرضى من خلال ابتكارات علمية متطورة، من خلال تطبيق علاج بالخلايا الجذعية بطريقة آمنة ومتطورة، ما يسهم في إيجاد العلاج للعديد من الأمراض الخبيثة وغير الخبيثة.
وقّع على الاتفاقية رئيس الجامعة عدنان السيد حسين، وعميد كلية العلوم الطبية بيار يارد، والمدير العام لـ«رفيفا ريجينيراتيف مدسين سنتر» ألبير عازار ، بحضور عدد من الأطباء من الجامعة اللبنانية ومن المركز.
مدّة الاتفاقية 5 سنوات، تتجدد تلقائياً «ما
لم يرَ أحد الطرفين خلاف ذلك»، ويستفيد منها جميع طلاب الجامعة اللبنانية أصحاب
الاختصاصات المعنية، أي طلاب كلية العلوم الطبية وكلية الصحة العامة وكلية العلوم،
من خلال التدريبات داخل المركز وإجراء الابحاث والاختبارات. ويتولى أساتذة كلية
العلوم الطبية دور الاشراف العلمي والمهني على عمل المركز، والمساهمة في تطوير
الأبحاث بشأن المشاكل العلاجية، وتعزيز نقل المعرفة من الأبحاث الى التطبيق،
وتعزيز قيمة المشاريع العلاجية. وتسعى الاتفاقية، من خلال التعاون بين الجامعة
والمركز، الى الحفاظ على البنى التحتية المرتبطة بأبحاث الخلايا والأنسجة
وتطويرها، وسيسعى الطرفان الى زيادة الموارد والمرافق وتحسين استخدامها الى أقصى
حد، علماً بأن جميع الدراسات أو المنشورات ستصدر باسم المركز والجامعة معاً، وستستفيد
الجامعة من أي براءة اختراع يسجلها المركز، وذلك بنسبة 5%، تعتبر هبة مقدمة الى
الجامعة اللبنانية.
ولفت السيد حسين الى «أن المركز سيضع خبرته ومختبراته بتصرف المشاريع المشتركة مع الجامعة، وسيستقبل الطلاب والاساتذة للقيام بأبحاث علمية، ويقدم التدريبات للطلبة، والاعمال التطبيقية والموجهة، لذلك نعوّل (كثيراً) على أهمية هذا المركز في علاقته مع كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية». في المقابل، يوضح السيد حسين أن الجامعة ستقوم «بالإشراف العلمي في إطار برنامج العلاج بالخلايا، وستقدم ما لديها من خبرات طبية ومن مؤسسات موجودة في كلية العلوم الطبية، مثل هيئة الابحاث، لجنة الأخلاق الطبية، الهيئة التعليمية، أي أساتذة الكلية والمختبرات». وأعلن عن تشكيل لجنة مشتركة بين الجامعة والمركز.
ورأى عازار في حديث مع «الأخبار» أن المركز «لا يستطيع أن يأخذ وساماً على صدره أعلى من اتفاقية مع الجامعة اللبنانية». وقال في كلمته إن «اكتشاف العلاج بالخلايا الجذعية هو طب المستقبل، وهو قيد التوسع باتجاهات عديدة، إذ إن نتائج التقدم العلمي في مجال الخلايا الجذعية تفتح آفاقاً جديدة لكل مجالات الطب التنفيذي والأكثر تطوراً».
الخلايا الجذعية هي بمثابة الأمل للمرضى الذين لم يستطع الطب العادي أن يقدم أي علاج لحالاتهم المستعصية. والمعروف أن الأطباء باتوا ينصحون حالياً باستخراج الخلايا الجذعية الصافية من المولود الجديد وحفظها في بنك خاص، وذلك لمدة تمتد الى 25 سنة وما فوق، والهدف من ذلك مواكبة الابحاث الرامية الى إيجاد علاجات لعدد من الأمراض التي وصلت فيها الوسائل التقليدية في الطب الى طريق مسدود، ومن هذه الأمراض اللوكيميا، والأورام السرطانية، وأمراض القلب، والكبد، والسكري، والتلاسيميا، والغضاريف، وبعض أمراض التصلب العصبي، إضافة الى الطب الترميمي (التجميلي) الذي يتضمن العلاج من الحروق والتمدد الجلدي والبتر وغيرها.
الثورة التي بدأتها الخلايا الجذعية في العالم لاقت في السابق هجمة كبيرة من العديد من شركات الأدوية وعدد من المراكز الطبية، معتبرين أن لا جدوى منها، وقد تبيّن لاحقاً أن مافيات الدواء حول العالم تقف وراء الحملة، لأن العلاج بالخلايا الجذعية يوفر على أصحاب الأمراض المزمنة عناء استخدام الدواء وتلقّي العلاجات لفترات طويلة، حيث يوقف المريض الدواء نهائياً في العديد من الحالات. ويوضح يارد أن التجارب على الخلايا الجذعية ما زالت في مراحلها الأولى، لكنها ستتطور سريعاً في السنين المقبلة.
وقال يارد في كلمته إن «هذه الاتفاقية تسمح بتوسيع دائرة الامكانيات البحثية للكلية ويسمح لطلابنا وأساتذتنا بالاستفادة من هذا المركز المتطور لعلم الخلايا الجذعية، وهو علم حديث آفاقه كبيرة وإمكانيات تطبيقه في العلاجات المستقبلية لا تعد ولا تحصى. ومن الجهة المقابلة، فإن مؤسسة رفيفا ستستفيد من الخبرة الاكاديمية لكلية الطب في الجامعة اللبنانية ومن طاقاتها البشرية ومن مختبراتها، وما كان هذا ليكون لولا يقيننا (...) بعدما شاهدناه وعاينّاه من تجهيزات علمية متطورة فريدة من نوعها في لبنان والشرق الاوسط موجودة في هذا المركز ومن الطاقم العلمي والفني الذي سيشرف عليه، وعلى رأسهم نخبة من الاختصاصيين».
أهمية المركز تكمن في سهولة الوصول الى الخلايا المحفوظة لديه من جانب لبنانيين مقيمين، وكلفة تخزينها انخفضت كثيراً بالمقارنة مع كلفة التخزين في الخارج. فالمركز يقدم فرصة الحفاظ على الخلايا داخل لبنان بكلفة تبلغ 3300 دولار، في حين تصل الكلفة خارج لبنان الى 15000 دولار. وعلى الرغم من أن الكلفة ما زالت مرتفعة بالنسبة إلى أكثرية العائلات اللبنانية، خصوصاً أن الضمان الصحي لا يشملها، إلا أن لهذه الخلايا أهمية كبيرة تستوجب ضرورة المحافظة عليها مع ولادة كل طفل. وبما أن الشراكة الهادفة الى تطوير هذه العلاجات بدأت، وسيعطى الطلاب اللبنانيون والأطباء المشرفون عليهم فرصة الإبداع والتميّز وإثبات قدراتهم في مجال الطب داخل الأراضي اللبنانية، يبقى دور أساسي على الجامعة اللبنانية أن تلعبه بالتعاون مع كافة المعنيين، وهو التوعية حيال الخلايا الجذعية وضرورة المحافظة عليها، والبحث المستمر عن سبل دعم وتطوير أبحاث وتجارب كهذه.
نقلاً عن جريدة الأخبار
13-2-2014
بتوقيت بيروت