أظهرت دراسة إحصائية أعدّها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن العالم شهد نحو 3700 عملية انتحارية في العقود الثلاثة الأخيرة، يقف وراء نحو 85% منها تنظيم «القاعدة» وفروعه.
نشرت مجلة «Insight» الإلكترونية الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، في عددها الأخير، دراسة لافتة أعدتها مجموعة من الباحثين حول ظاهرة «العمليات الانتحارية» في العالم. وتمحورت الدارسة حول الجانب الإحصائي للظاهرة، من دون التعمق في جوانب أخرى، إذ تناولت المعطيات الإجمالية للعمليات التي نُفذت عبر العالم ووزعتها جغرافياً بين الدول، وزمنياً بين ما قبل الألفية الثالثة وما تخللها، مع التركيز على عام 2013 بنحو رئيسي.
وفي هذا الإطار التشريحي، أظهرت الدراسة أن عدد العمليات «الانتحارية» التي نفذت في أرجاء العالم ما بين مطلع ثمانينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية بلغ نحو 200 عملية، فيما قفز هذا العدد بشكل دراماتيكي بين مطلع الألفية حتى نهاية العام الماضي إلى نحو 3500 عملية. وأظهرت أن تنظيم «القاعدة» والتنظيمات الجهادية المتماهية معه أو المنبثقة عنه مسؤولة عن أكثر من 85% من عموم العمليات الانتحارية في العالم منذ مطلع الثمانينيات، فيما تبلغ حصة هذه التنظيمات في عام 2013 وحده نحو 95% من العمليات الانتحارية عالمياً.
ولفتت الدراسة إلى أنه في العام الماضي وحده قتل نحو 3100 شخص في 18 دولة عبر العالم كانت مسرحاً لتنفيذ نحو 291 عملية انتحارية، وذلك في ارتفاع نسبته نحو 25% مقارنة مع عدد العمليات التي نفذت في عام 2012 والمقدر بنحو 230 عملية. وتعزو الدراسة هذا الارتفاع إلى عدم الاستقرار الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط التي سجل فيها وحدها تنفيذ 148عملية خلال العام الماضي، غالبيتها الساحقة في العراق وسوريا، أي أكثر من نصف العدد الإجمالي للعمليات الانتحارية في العالم.
وتوقفت الدراسة عند ما وصفته بالمعالم البارزة التي شهدتها ظاهرة العمليات الانتحارية، منها ــ إضافة إلى الزيادة الملحوظة في الشرق الأوسط ــ زيادتها أيضاً في باكستان وأفغانستان واستمرارها في وسط أفريقيا. كذلك أشارت إلى أنه «خلافاً للادعاء المتداول» القائل إن العمليات الانتحارية تنفذ في الغالب في دول محتلة، فإن تشريح المعطيات حول هذه العمليات أظهر أن 32% منها فقط نفذت في دول يوجد على أراضيها جيش أجنبي، في حين أن النسبة الكبرى من العمليات نُفذت ضد سكان محليين في إطار حرب داخلية، لا سيما في الدول التي تعاني من مستوى متدن في شرعية النظام الحاكم.
ويظهر التشريح الجغرافي لخارطة العمليات الانتحارية في عام 2013 أن نسبة ما نُفّذ منها في العراق وحده هي الثلث، أي نحو 98 عملية، في ارتفاع نسبته 280% عن عام 2012 الذي سجل فيه تنفيذ 35 عملية في بلاد الرافدين. ووصل عدد مجمل العمليات الانتحارية في العراق منذ عام 2003 إلى نحو 1500 عملية، نحو 45% منها كانت موجهة ضد أهداف مدنية، مثل المطاعم والأسواق والمساجد وكذلك الجنازات ومجالس العزاء، فيما 48% منها كانت موجهة ضد قوات الأمن والشرطة. وتشير الدراسة إلى أن جزءاً مهماً من الهجمات الانتحارية التي استهدفت مدنيين تمت في مناطق يقطنها سكان «شيعة»، فيما العمليات التي نفذت ضد الأهداف العسكرية والحكومية حصلت بنحو رئيسي في المناطق ذات الأغلبية «السُنيّة». ويعتبر التوتر الديني والعرقي العامل الرئيسي للعمليات الانتحارية في العراق، يضاف إليه الفراغ الاستخباري والعمليات الذي خلفته القوات الأميركية وراءها والوجود المتزايد لمحافل الجهاد العالمي في المنطقة، خصوصاً في ظل الحرب الأهلية السورية التي أفرزت زيادة في مخزون المتطوعين لتنفيذ العمليات الانتحارية في العراق. ومن بين العوامل أيضاً، وفقاً للدراسة، فساد السلطة السياسية ذات الأغلبية «الشيعية»، والتمييز الذي تمارسه بحق الأقلية «السنيّة»، الأمر الذي تسبب بامتناع هذه الأقلية عن مساعدة القوى الأمنية العراقية في مكافحتها للمنظمات الإرهابية. وأكدت الدراسة أن الدولة الإسلامية في العراق والشام هي المسؤولة عن معظم العمليات الانتحارية التي تنفذ في العراق.
أما سوريا، فقد شهدت في عام 2013 نحو 27 عملية انتحارية يقف وراءها كل من جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش». وقتل في هذه العمليات نحو 400 شخص. وفي أواخر العام الماضي، تسلل إرهاب الانتحاريين، بحسب الدراسة، إلى لبنان الذي تعرض لثلاث عمليات انتحارية، أبرزها في السفارة الإيرانية في بيروت.
ومثلما هي الحال في سوريا ولبنان، أدى عدم الاستقرار السياسي في مصر إلى تزايد أعمال الإرهاب ضد الدولة، خصوصاً بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم. وشهدت بلاد النيل تنفيذ 6 عمليات انتحارية، منها 4 في شبه جزيرة سيناء. أما في اليمن الذي يعاني أيضاً من عدم استقرار سياسي، فقد نفذت فيه خلال عام 2013 عشر عمليات انتحارية، في انخفاض بأكثر من النصف قياساً إلى عام 2012. أما في ليبيا وتونس، حيث يسود اضطراب سياسي خطير، فقد نفذت عملية انتحارية واحدة فقط.
وإلى جانب التصعيد في الشرق الأوسط، أشارت الدراسة إلى استمرار كون أفغانستان وباكستان من الدول الأكثر معاناة في العالم من العمليات الانتحارية خلال عام 2013. ففي هذا العام نُفّذ في أفغانستان 65 عملية، وفي باكستان 35، وهو العدد نفسه الذي سجل في عام 2012. وأوضحت الدراسة أنه منذ مطلع الألفية حتى الآن، نُفّذ في أفغانستان نحو 700 عملية انتحارية، مقابل نحو 450 في باكستان. وعلى صعيد الأهداف التي ضربتها هذه العمليات في أفغانستان، أظهرت الدراسة أن 32% منها استهدفت القوات العسكرية والأمنية المحلية، و27% منها استهدفت جهات حكومية، فيما كان نصيب القوات الأجنبية نحو 35%. أما في باكستان، فتظهر المعطيات أن 31% من العمليات استهدفت سكاناً مدنيين، في مقابل 34 استهدفت أهدافاً ذات طابع أمني و25% استهدفت منشآت حكومية. وبالانتقال إلى أفريقيا، تظهر نتائج الدراسة أن مستوى «الإرهاب الانتحاري» فيها حافظ على «استقرار نسبي» خلال العام الماضي، حيث نفذ في أرجاء القارة السمراء (جنوب الصحراء) ما مجموعه 34 عملية انتحارية، مقارنة مع 33 في عام 2012. وعلى صعيد المسؤولية، فإنها تتوزع مناصفة تقريباً بين كل من منظمة «الشباب الصومالية» التي نفذت 14 عملية ضد السلطات المحلية والقوات الأجنبية المنتشرة في البلاد، ومنظمة «حركة التوحيد والجهاد» في مالي التي نفذت 15 عملية ضد القوات الغربية والأفريقية التي دخلت البلاد لمنع سيطرة الجهاديين عليها.
وتوقعت الدراسة أخيراً تصاعد «الإرهاب الانتحاري» لكونه وسيلة ناجعة تحت تصرف الأطراف المتشدة، خصوصاً في ضوء انعدام الاستقرار السياسي في دول الشرق الأوسط.
محمد بدير/جريدة الأخبار
17-1-2014
بتوقيت بيروت