لم يكن أحد يتوقع أن تخرج فتاة جامعية فلسطينية بفكرة ريادية تقوم على استخلاص الـ «بيو ديزل»، ويستخدم كوقود للسيارات، من الطحالب. لكن هذا ما بدأت تعمل عليه بالفعل الشابة الفلسطينية سارة حجاجلة، من محافظة أريحا، وخريجة قسم الأحياء والعلوم البيئية من جامعة القدس، وكانت عكفت على دراسته لعامين قبل تحويله إلى مشروع للتخرج.
وبدأت تتضح معالم المبادرة شيئاً فشيئاً على أرض الواقع، على رغم حاجتها الماسة لمن يمد لها يد العون، ويوفر لها المبالغ المطلوبة لتنفيذها كمشروع فعلي من شأنه توفير ملايين الدولارات سنوياً على خزينة السلطة الفلسطينية في حال تم تنفيذه.
وعندما قدمت
حجاجلة مشروع التخرج الخاص باستخلاص الوقود من الطحالب، «لم يكن الجانب العملي
للتنفيذ أخذ حقه، لغياب الدعم» كما تقول، لكنها لم تيأس وواصلت مساعيها ما بعد التخرج
لتحقيق حلمها، عبر مصنع أو سلسلة مصانع. وتقدمت بمشروعها الى مسابقة «القادة
البيئيون» فكان من بين المشاريع الفائزة، وكلها صديقة للبيئة، وذات جدوى اقتصادية،
وقابلة للتطبيق في فلسطين.
وقالت حجاجلة لـ «الحياة»: بعد اختيار مشروعي من بين المشاريع الفائزة في المسابقة، حصلت على تمويل بسيط لبدء أبحاث تطبيقية، واخترت ان تكون الجامعة التي تخرجت فيها هي موقع التنفيذ»، لافتة إلى أن دولاً كبرى بدأت تلتفت إلى هذا النوع من الوقود، بل إن اسرائيل نفسها أقامت مصنعاً على الأراضي المحتلة في عام 1948 في مدينة عسقلان لغرض استخراح الوقود من الطحالب في البحر الأبيض المتوسط، وتقول: «أعتقد أننا في فلسطين، وكوننا نعاني ارتفاع أسعار الوقود، وصعوبات استيراده من الجانب الإسرائيلي، في أمس الحاجة لمشروع كهذا، وهذا ما يشجعني، ويجعلني مصرة على تحقيقه».
ويعتبر هذا النوع من الوقود صديقاً للبيئة، هو بمثابة الجيل الثالث من الوقود. فبعد نضوب البترول، وبسبب عدم قدرة المحاصيل الزراعية كالذرة وفول الصويا على توفير الوقود بما يسد حاجة الأسواق العالمية، لن يكون أمام العالم إلا الاعتماد على الطحالب، التي لو زرع هكتار منها يعطي في نهاية العام 15 ألف صفيحة من الوقود، مقارنة بـ45 صفيحة فقط لفول الصويا أو الذرة.
وبالفعل، قامت حجاجلة بشراء بعض المعدات اللازمة لإعداد أبحاث تطبيقية، وتدريب طالبتين لمساعدتها في مشروعها، بهدف الحصول على قاعدة بيانات لأنواع الطحالب الموجودة في فلسطين، وتجميع ما أمكن تجميعه منها، وإجراء تجارب عليها لمعرفة الأنواع التي يمكن استخلاص الوقود منها، وصولاً إلى الهدف الأساسي وهو الحصول على عينة من الوقود مستخرج من طحالب فلسطينية.
وشددت حجاجلة على أن الطحالب الدقيقية هي التي يتم استخدامها في عملية استخراج الوقود، واصفة إياها بـ «الكائنات الخارقة» كونها قادرة على العيش «في كل مكان: داخل التربة، فوق الصـخـور، على أغصان الأشجار، والـيـنابـيع»، وليـس فقـط في الـبـحار، بخاصة أن لا بحار في الضفة الغربية إلا البحر الميت وهو يخضع بالأسـاس لسـيـطرة الاحتـلال منذ 1948.
"صحيح لو كان عنا بحر بيكون الموضوع أسهل"، لكن ما يميز الطحالب التي سمتها الشابة المتحمسة بـ «الكائنات الخارقة»، أنها وبمجرد العثور على عينة منها، ولو كانت متناهية الصغر، يمكن الحصول على ضعفي الكمية خلال أسبوعين ومن دون عناء كبير. يكفي تهيئة وسط مائي معالج (وفق مواصفات معينة وغير معقدة) لتعيش الطحالب داخلها، ومع الوقت، أي بضعة أسابيع إضافية تنمو هذه الطحالب، وتنتج تلقائياً ما يسمى بخلايا الزيت التي يمكن تحويلها إلى «بيو ديزل». وفي الولايات المتحدة أنتجت بعض السيارات التي تعمل على وقود الطحالب من سنوات، وهناك شركات طيران عملاقة تبحث استخدامه وقوداً للطائرات.
وتأمل حجاجلة في دعم فلسطيني أو عربي أو دولي لمشروعها في فلسطين ليقام أول مصنع محلي لإنتاج الوقود من الطحالب تحت إدارتها، مشددة على أنه علاوة على إنتاج وقود «أخضر»، أي صديق للبيئة، والانبعاثات الصادرة عنه (صفر في المئة)، فإنه يمكن استخدام الفائض من مخلفات الطحالب، وهي «صحية بلا شك» في منتجات أخرى بديلة للأسمدة، أو في مستحضرات التجميل، أو حتى في صناعة الـ «آيس كريم»، وغيرها من الصناعات.
جريدة الحياة/بديعة زيدان
9-12-2013
بتوقيت بيروت