خرجت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالأمس منتصرة بعد مسار طويل وشاق قطعته في ملفها النووي السلمي، أوصلتهم لانتزاع إعتراف دولي بحقهم في تخصيب اليورانيوم وتطويع للنار النووية، مذيلاً هذا الإتفاق بتوقيع الدول الخمس الكبرى والإتحاد الأوروبي.
وفي هذه المناسبة، إطلالة على كتاب "امنيت ملي وديپلماسي هستهاي" (الأمن القومي والدبلوماسية النووية والذي يوثق فيه رئيس الجمهورية الإسلامية الشيخ د. حسن روحاني لعامين من المحادثات النووية بشأن ملف إيران النووي ويسجل الإرتباط الوثيق بين الأمن والمصالح الوطنية.
· يتضمن الكتاب مذكرات الشيخ حسن روحاني فيما يتعلق بالمفاوضات النووية، وتغطي المذكرات 678 يومًا من وظيفته كرئيس لفريق المفاوضين الإيرانيين في المحادثات الفترة من (الأحد 4 مايو/أيار 2003) إلى (الاثنين 15 أغسطس/آب 2005). كما يوثق فيه الشيخ روحاني لنشأة التكنولوجيا النووية في إيران، والسعي الدؤوب لتحقيق دورة الوقود النووي.
· جاء الكتاب الصادر عن مركز الأبحاث التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام في 1012 صفحة، و12 فصلاً إضافة إلى ملحق وفهرست للشخصيات.
· يشكل هذا الكتاب مرجعاً شاملاً لمسار الملف النووي الإيراني. لذا من الممكن اعتباره من المذكرات الشفاهية للتاريخ المعاصر للثورة الإسلامية الإيرانية.
فصول الكتاب:
· يتحدث الفصل الأول من الكتاب عن الثورة الإسلامية والطاقة النووية، وتحت سبعة عناوين رئيسية يقدم الدكتور روحاني توثيقًا تاريخيًا للبرنامج النووي الإيراني منذ انتصار الثورة وحتى توليه منصب مسؤول الملف النووي في مجلس الأمن القومي (1979-2003).
· يتضمن الفصل الثاني 18 عنوانًا تقدم تعريفًا بالمؤسسات التابعة لمجلس الأمن القومي
· يتناول الفصل الثالث إزالة التوتر فيما يتعلق بالموضوع النووي والضرورات الجديدة، وجاءت محتويات هذا الفصل تحت سبعة عناوين لتبين كيفية دخول الملف النووي الإيراني في تعقيدات العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع الدول الأوروبية.
· في الفصل الرابع يتحدث روحاني عن التهديد للأمن القومي ويغطي الفصل الفترة (أكتوبر 2003- نوفمبر 2003)، ويضم الفصل 18 قسمًا تتحدث عن مذكرات الدكتور روحاني عندما بدأ عمله كرئيس لفريق المفاوضين، ويركز بصورة كبيرة على الجهود التي بذلها الفريق الإيراني للتهدئة ونزع فتيل التهديد وإقامة العلاقات مع الوكالة والبرادعي وشخصيات أوروبية أخرى. وترصد المذكرات الأجواء التي سادت في إيران وخارجها قبل وبعد المفاوضات.
· يُعنون الشيخ روحاني الفصل الخامس بـ"أزمة جديدة وجهود مضاعفة"، وفي سبعة أقسام يتحدث عن التراجع الليبي أمام أميركا والرضوخ لمطالبها، وكيف أن دلاّلاً باع معلومات نووية باعها في الوقت ذاته لإيران، وأن أميركا باتت على علم بتفاصيلها لأن الليبيين قاموا بإفشائها. ويتحدث الشيخ روحاني أيضًا عن ضعف فريق التفاوض الغربي.
· يؤرخ الفصل السادس من الكتاب والمعنون بـ"دبلوماسية الأزمة" للفترة من أغسطس/آب 2004 إلى ديسمبر/كانون الأول 2004؛ حيث نجح الإيرانيون في سبتمبر/أيلول 2004 في منع السعي الأميركي لإعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، ويفصّل في سبعة عناوين الجهود التي بذلها الفريق الإيراني.
· يحمل الفصل السابع عنوان "اتفاق باريس"، ويفصّل في تسعة أقسام الظروف الداخلية والدولية التي سبقت ورافقت الوصول إلى اتفاق باريس الذي أخرج الملف النووي الإيراني من وضعية "الطارئ" مما حال دون إعادته إلى مجلس الأمن.
· يشرح الكتاب في الفصل الثامن طبيعة المحادثات مع رؤساء فرنسا وألمانيا وطبيعة أداء مجموعات العمل الثلاث التي تشكّلت بعد اتفاق باريس.
· ويبين المؤلف ضمن ستة عناوين فرعية بدء المفاوضات والسعي لإيجاد الفرص. ويبين الظروف التي أحاطت بخروج إيران من المفاوضات، ويرى أن الانتخابات شكّلت تحديًا أساسيًا في ملف إيران النووي.
· ويحمل الفصل التاسع عنوان "آمال" واحتوى على ستة عناوين. يقدم هذا الفصل تحليلاً لقيام أوروبا بوضع سقف زمني للمفاوضات، وتقديم إيران لخطة من أربع مراحل من بينها التخصيب الصناعي في الشهور الأولى من العام 2005. ويتوقف الشيخ روحاني عند الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة ويرى أنها مع الاستعداد الأوروبي لقبول الضغط الأميركي والتغيرات الداخلية التي شهدتها إيران مع الانتخابات الرئاسية كلها تضافرت لتُحدث تغييرًا إستراتيجيًا متسارعًا في مسار الملف النووي الإيراني.
· ويرصد روحاني في الفصل العاشر -وضمن عشرة عناوين فرعية- ردود الفعل الدولية على إعلان إيران البدء ببناء مصنع أصفهان للوقود النووي، ويفيد الكتاب أن وزراء أوروبيين وكذلك الصين وروسيا وكوفي عنان قدموا لإيران توصية بتأخير إطلاق المشروع إلى حين استلام الخطة الأوروبية بشكلها النهائي.
وينقل روحاني عن البرادعي موجهًا حديثه للإيرانيين: أنتم اليوم تقفون على مفترق طرق: أن تقوم أوروبا بالإشراف على عمليات التخصيب وتقوم أميركا بالإشراف على باقي فعاليات البرنامج، وهناك طريق ثان بأن تقوم إيران بإجهاض المخطط الأميركي من خلال تسوية مع أوروبا. أما الطريق الثالثة فهي مفاوضات مباشرة مع واشنطن، وبدون واحدة من هذه الطرق ستجبر إيران على خسارة كل شيء.
· يعيد روحاني في الفصل الحادي عشر الذي يتضمن ثمانية عناوين فرعية، التأكيد على الجهود التي بذلها هو وفريقه لنزع فتيل الأزمة، ويتحدث فيه عن إستراتيجية بثلاثة أوجه، كما يقدم تعريفًا للفريق المفاوض الجديد. ويتضمن هذا الفصل أيضًا مقارنة بين بدء عمل الفريق ونهاية مسؤوليته.
· ويحمل الفصل الثاني عشر والأخير عنوانًا رئيسيًا "نتائج 678 يومًا من المحاولة"، ويقدم خلاصة للفصول السابقة. وضمن ثلاثة عناوين يشرح الشيخ روحاني الأهداف والإستراتيجيات والنتائج التي حققتها إيران في الوقت الذي كان يدير فيه الملف النووي. ويجمل روحاني الأهداف في ثلاثة، هي: دفع الخطر، وتنمية مقدرة إيران من خلال إكمال مشروعها النووي والمحافظة عليه، وتبديل الأزمة بفرصة. أما الإستراتيجية فكانت تقوم على التحرك الدبلوماسي وإتقان ذلك ضمن الخطوط الحمراء الموجودة، والمبادرة إلى بعض الإجراءات دون تعهدات قانونية، والوفاء بالالتزامات التي جرى الاتفاق عليها، والبحث عن دول أوروبية بديلة للتعامل مع الأزمات التي من الممكن أن تنشأ مع الدول الثلاثة التي كانت تجري معها المفاوضات. وتضمنت إستراتيجية إيران في تلك الفترة أيضًا القدرة على إبداع طرق عمل تتواءم مع ظروف ومشكلات مختلفة والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في التفاوض. ويعتقد روحاني أن أوروبا أضاعت من يدها فرصة كبيرة كانت ستمكّنها من استعادة دورها كقوة في العالم لو أنها اتخذت قرارًا جريئًا بشأن ملف إيران النووي.
يُرجع روحاني الإحجام الأوروبي إلى أسباب عدة، منها غياب الانسجام بين دول الاتحاد الأوروبي وارتباط قراره بالولايات المتحدة الأميركية، كما يُرجع ذلك إلى سعي الدول العربية الخليجية وكذلك الأردن ومصر والمغرب وتأثيرها على القرار الأوروبي للوقوف في وجه البرنامج الإيراني. ويشير روحاني إلى أنه طرح هذه المسألة في زيارات رسمية إلى الدول الخليجية؛ حيث إنها أنكرت المزاعم الأوروبية لكن في اللقاءات الخاصة التي عقدها روحاني في الكويت والإمارات والسعودية وعمان كان كل طرف خليجي ينسب ذلك إلى طرف آخر. ويتحدث روحاني عمّا يسميه بخطأ الحسابات لدي الجانب الأوروبي الذي كان يعتقد أن إيران سترضخ للضغوط، ويكشف عن قيام إيران عام 2004 بنقل تجهيزات نووية من خلال نفق إلى أسفل الجبل موضحًا أنه صرح للصحفيين الغربيين بأن إيران ستنقل تجهيزاتها النووية إلى منطقة تقوم تحت جبل لتحميها من أي عمل عسكري وهو ما قاد إلى حملة إعلامية تتهم إيران بالسعي لاقتناص الفرص لتكمل برنامجها النووي.
يمتلئ هذا الكتاب بالاقتباس حيث ينقل حرفيًا جُملاً وتصريحات صدرت عن مسؤولين إيرانيين وغربيين في الجلسات التفاوضية التي عُقدت داخل وخارج إيران. ويحاول الشيخ روحاني -من خلال اقتباسات لما صدر عن رؤساء دول ومسؤولين أوروبيين منهم الرئيس الفرنسي جاك شيراك- إيصال القارئ إلى نتيجة مفادها أن الغرب لا يريد أن يتصور إيران نووية من حيث المبدأ حتى وإن كان برنامجها موجهًا لأغراض سلمية، لكن روحاني في الوقت نفسه يأخذ على "بعض الأطراف تطرفها في النظر إلى الغرب بأنه معاد لإيران". ويبدو ذلك واضحًا من خلال سعي الكتاب لبيان الجهود والمحاولات التي بُذلت لبناء الثقة وشرح أهمية وإلزامية الفتوى الصادرة عن الولي الفقيه(الإمام الخامنئي) بحرمة امتلاك واستخدام السلاح النووي، وكذلك الالتزام بالبرتوكول الملحق لمنظمة الطاقة الذرية.
في حديثه عن موقف الدول الخليجية يظهر روحاني الأطراف العربية بأنها تنتقد البرنامج النووي الإيراني وتحرّض ضد إيران سرًا، لكن المخاوف العربية على هذا الصعيد كانت تظهر بوضوح في تصريحات المسؤولين العرب، وجرى مناقشتها مع إيران على أكثر من صعيد.
هذا الكتاب ليس كتاب مذكرات فقط، بل هو مذكرات مليئة بالتحليل والنقد والخبايا الأمنية وتفاصيل اجتماعات مجلس الأمن القومي الإيراني.
للأسف، الكتاب لم يترجم بعد للغة العربية، ما يجعل التوصية بترجمته مسألة في غاية الأهمية.
بتوقيت بيروت