في «حزب الله» رجالٌ يتقنون حياة الظلّ. يبتعدون عن السياسة وشؤونها، مركزين على مهماتهم العسكرية ــ الأمنية، ومبتدعين لأنفسهم صفات عمل عادية لا تضاهي حجم المهمات الموكلة إليهم: موظف في شركة تنظيفات، عامل في صيانة السيارات، مندوب مبيعات، وغيرها من الصفات المتعددة.
هؤلاء لا يخافون فيبتدعون صفات عمل زائفة، بل ثمة دافع أساسي يحملهم إلى ابتكار حياة رديفة لمهماتهم العسكرية والأمنية: يستطيعون تبنّي الصيت الذائع حولهم، لكنهم يخجلون من التبجّح والمجاهرة بصفات هي أصلاً ليست سرّية.
«كنت أساعد الإخوان في إعداد الطعام»، أجاب مقاتل عسكري أصدقاءه حين سألوه: «هل صحيح أنك أنت من دمّر ثلاث دبابات ميركافا في وادي الحجير أثناء حرب تموز؟».
ليس سراً أنه هو من فعل ذلك، والاعتراف بمأثرته ليس ممنوعاً في الحزب. لكن المقاتل خجل من الارتفاع، أمام الأصدقاء والأقارب، إلى رتبة لا يريدها.
من بين هؤلاء، ثمة رجلٌ لبناني اسمه رضوان فارس. قليلون هم الذين كانوا يعرفون اسمه الحقيقي، إذ اشتهر فارس بـ«الحاج رضا». رضا قُتل في تفجير السفارة الإيرانية صباح أمس الأول، عندما خرج بعد التفجير الأول وأطلق الرصاص على سائق السيارة الذي فجّر العبوة الثانية.
الصفة الرسمية لرضا هي «مسؤول أمن السفارة الإيرانية»، لكن من يعرف رضا وتاريخه، يدرك أن الرجل ليس عادياً في الأمن. وهو، إلى جانب الثقة المطلقة التي تمتّع بها من «حزب الله» وإيران، يحمل شخصية يصعب العثور عليها لدى رجال الأمن المخضرمين: التواضع.
في الحزب كما في أجهزة أمنية محلية، ثمة مسؤولون في الأمن يتحدثون من أنوفهم لشدّة العجرفة التي تغمرهم. يتبجحون بمعرفتهم بفلان أو يظنّون أنهم يحملون أدمغة أمنية خارقة مثل عماد مغنية. رضا كان دمثاً ومرحاً ومتواضعاً. لا يقول ماذا فعل، وإذا قال فالكلمات لا تخرج من أنفه. من يعرف مغنية ورضا، يدرك أنهما يحملان ذهنية مشتركة:
الابتعاد عن التبجح، والعمل بصمت.
على الرغم من أن صفته الأمنية مُعلنة، وبالتالي يستطيع رضا التماشي مع صيته الذائع وفق ما يريد، إلا ان الرجل كان معروفاً بتواضعه الشديد بين أصدقائه، ومرحه الدائم المتزامن مع استهزائه بكل شخص يطمح إلى المواقع القيادية، بالإضافة إلى هوسه بالسلاح.
كان رضا يعتني بمسدسه (غلوك) اعتناء استثنائياً، ويجهز كل مستلزماته الجديدة حين توافرها. ومستخدماً مسدسه الشهير، أطلق الرصاص على الانتحاري الثاني أمس الأول، متقدماً بين الحرّاس وهو يردد: «هذه السيارة متوجهة إلى هنا».
في أحد لقاءاته الأخيرة، كان رضا يتحدّث عن توجسه من استهداف أمني قد يستهدف السفارة الإيرانية، موضحاً أنه لأجل ذلك قام بتحصين السور والبوابة الحديدية.
رضا كان كئيباً بعد حرب تموز لأنه لم يستشهد خلال المعارك. وكان يعبّر لأصدقائه عن استيائه من ذلك بعبارة واحدة: «ربما يُكتب لي نصيب الاستشهاد في الحرب المقبلة». أمس الأول، خرج رضا شاهراً سلاحه ومتقدماً نحو الانتحاري برباطة جأش يصعب العثور عليها..
جعفر العطار/صحيفة السفير21-11-2013
شهداؤنا عظماؤنارحمة المولى عليه2013-11-22 07:04:48 |
|
إلى رحمة الله الواسعةكتبه الله في سجل الشهداء السعداء وربط على قلوب أهله ومحبيه بالصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون هنيئا له الشهادة2013-11-21 12:21:48 |
بتوقيت بيروت