"رائحتي كرائحة الموت، لقد صدمت بما رأيت من مشاهد". رنّت هذه الجملة في أذنيّ رنين صفارات الإنذار عند اقتراب الخطر. عبارة قالها أحد المسعفين في تفجير السفارة الإيرانية أمس.

"مجرد رائحة" عنوان فيلم عادت مشاهده الى عيني. كان يحكي عن رجل يبحث عن أمه وسط الأنقاض بعد حرب تموز 2006. لم يجد سبيلاً الى معرفة مكانها سوى الرائحة. لا رائحة طعامها الشهي المغموس بحنان امرأة في السبعين من عمرها، ولا رائحة تنظيف المنزل المتعطّر بعبق انتظار ولدها يأتي من بيروت بعد غياب، بل رائحتها هي، وقد تحولت الى جثة تأخر دفنها!

هكذا تختصر في بلدي رائحة انتظار لقاء الأحبة. بكل بساطة يختصر هدف اللقاء بالوداع. لم يعد عناقًا ولا ابتسامات ولا أحاديث حميمة، بات هدفًا واحدًا فقط، الدفن!
فالأحبة أصبحوا مجرد صور لا أكثر.

ربما الحرب أقسى من أن تنسى. أحبابنا لم يغادروا أفق الذاكرة. لكن ثمة فلسفة بتنا نعيشها، حرفًا بحرف، كلمة بكلمة: التضحية.

بكيناكم يا شهداء تموز، لكنّنا الآن قد لا نستطيع أن نبكي أنفسنا، بتنا مشغولين بلملمة الجراح، والأشلاء.

صدمة كان انفجار بئر العبد، لكنّه مهّد لفاجعة أكبر: تفجير الرويس. والآن تكرّر المشهد. بحثٌ عن حبيب تناول منذ قليل معنا الترويقة(الفطور)، ووعدنا بـ"ربطة خبز" يحضرها وقت الغداء، لكنه ما عاد، بل ركضنا نحن، نلملم أي أثر يوصلنا اليه.

تفجير ارهابي يستهدف أبسط أحلامنا ما عاد خبرًا  جديدًا. بات جزءًا من ذاكرة، جزءًا من وطن نطمح أن يكون آمنًا.

تفجير الأمس هو كغيره من التفجيرات والحروب، لا لأنّنا لا نبكي، ولا لأنّنا لا نحب، بل ربّما لأّنّ فينا "زينب" تلوّح بمنديل الصبر لأخ رحل على جواد القضية.

ها هي جراحنا  تهمس في آذاننا: "تؤلمنا رائحة الموت، لكنها تزيدنا عزمًا".

خيارنا واحد أيها الأحبة، يا من دلتنا عليكم "رائحة": مقاومة. فلتناموا بهدوء.

زينب صالح-موقع المقاومة الإسلامية