توقّف ناجي عن العمل فجأة،
وضع يده على قلبه بعدما شعر بألم قوي، لكنّه ما إن جلس حتّى شعر بالإرتياح. وفي
الليلة نفسها، حين عاد ناجي الى منزله، شعر بالألم الشديد مجدداً في منتصف الصدر،
وشحب لون الشاب الذي لم يتجاوز الثانية والثلاثين بعد. حمله أهله الى المستشفى
لكنّه ما لبث أن فارق الحياة قبل وصوله الى أقرب مؤسسة طبّية. رحل ناجي تاركاً
وراءه أسرة تبكي على شبابه، وتلقي حزنها على القدر الذي سرق منها إبنها. لكنّ أهل
ناجي ليسوا وحدهم في هذه المصيبة، فأمراض القلب تسرق حياة مئات الشباب اللبنانيين
من دون التدقيق في الأسباب، ما يشكّل ظاهرة لافتة تنذر بنتائج كارثية.
يحتلّ لبنان المرتبة الـ 40 عالمياً على صعيد أعداد الوفيات الناتجة عن أمراض القلب من أصل 192 دولة، بحسب قاعدة المعلومات الدولية التي يتيحها موقع «worldlifeexpectancy.com». وهناك 164.4 حال وفاة لكلّ مئة ألف شخص ناتجة من هذه الأمراض على الصعيد المحلي، مقارنة بـ80.1 في قطر أو 29.2 في فرنسا و31.2 في اليابان. وبحسب الجمعية اللبنانية لأطباء وجرّاحي القلب، فإنّ 16 في المئة من الحالات المرضية في لبنان ترتبط بأمراض القلب، ولا يُستثنى من ذلك فئة الشباب المعرّضة تماماً كما الأكبر سنّاً للذبحات القلبية واعتلال الشرايين. وبعدما ساد لسنوات الاعتقاد بأنّ أمراض القلب تصيب كبار السنّ فقط، تأتي الوقائع لتظهر أنّ الشباب هم في دائرة الخطر، وأنّ الأمراض المميتة الى تزايد في لبنان من دون أن تفرّق بين الفئات العمرية.
هذه الظاهرة يعيدها الطبيب
الإختصاصي في أمراض القلب والشرايين جان شمالي الى انتشار وتزايد عوامل الخطورة
المسبّبة لأمراض القلب بين الشباب. وعلى رغم أن لا أرقام دقيقة يمكن
الإعتماد عليها لتحديد نسبة زيادة الإصابات في لبنان، يؤكد شمالي أنّه «بات هناك
الكثير من الحالات المرضية العائدة الى الشباب في العقد الثالث أو الرابع من
العمر، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال المعاينات اليومية». ويضع الطبيب عامل
التدخين على رأس لائحة العوامل الخطرة، «فكلّما بدأ الشخص بالتدخين مبكراً أصبح
أكثر قابلية للإصابة بأمراض القلب التي يمكن أن تؤدي الى الوفاة بشكل مفاجئ بسبب الذبحات».
هذا السبب الرئيسي تثبّته أولاً منظّمة الصحّة العالمية التي تضع لبنان في المرتبة
الأولى عالمياً من ناحية عدّد المدخنين، اذ تبلغ نسبة البالغين المستهلكين للتبغ
فيه 58 في المئة. وكذلك، فإنّ البرنامج الوطني لمكافحة التدخين التابع لوزارة
الصحّة العامة يوضح في تقريره للعام 2009 أنّ 65 في المئة من الشبّان الذين تتراوح
اعمارهم بين 13 و15 سنة و54 في المئة من الفتيات من الشريحة العمرية ذاتها يدخّنون
دورياً السجائر أو النرجيلة.
آفات وأمراض
ويؤكد شمالي أيضاً وجود العديد من الأمراض التي تسبّب الذبحات القلبية غير التدخين كالكوليسترول وارتفاع ضغط الدمّ والسكري، وهي تنتشر بين الشباب «الذين يجب أن يكونوا في المبدأ من الفئات الأقلّ تعرّضاً لهذه الأمراض». ويعيد شمالي ذلك الى العادات الصحّية السيئة كالإفراط في تناول الدهون والسكريات ما بسبّب البدانة، إضافة الى قلّة ممارسة الرياضة أو حتّى الحركة اليومية كنتيجة لنمط الحياة العصري واستخدام الأجهزة الإلكترونية بكثافة. وهذا ما يؤكده البحث العلمي حول «سوء التغذية والسمنة في لبنان» الذي أجرته الجامعة الأميركية في بيروت مع باحثين من جامعة القديس يوسف وجامعة الروح القدس – كسليك، اذ أظهرت النتائج أنّ 62 في المئة من البالغين يعانون من البدانة، ونسبة 34 في المئة من المراهقين و36 في المئة من الأولاد. أمّا العامل النفسي، فيرى شمالي أنّه غير قابل للإثبات، رغم إمكانية الإصابة بذبحة قلبية جراء الضغط النفسي القوي أو التعرّض لصدمة، «لكن لا يمكن تعميم النتائج بسبب عدم توافّر الإحصاءات الدقيقة».
وإذا كان هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي الى وفاة العديد من الشباب بشكل مفاجئ في لبنان، فالحلّ يكمن أولاً في توفير التغطية الصحّية المجانية لكلّ اللبنانيين عموماً والفئات الشابة خصوصاً لكي يكونوا قادرين على إجراء الفحوصات الطبّية الدورية فيتفادوا الوصول الى لحظة اللاعودة. ويشدّد شمالي على ضرورة أن يلجأ أي شخص الى المستشفى مباشرة عند ملاحظته أياً من عوامل الذبحة القلبية، وإلا يمكن أن يفقد الكثير من حظوظ النجاة.
جريدة الحياة/19-8-2013
بتوقيت بيروت