على
الهواتف بدأت تصل رسائل قصيرة تبارك للزبائن حلول الشهر الفضيل. على شاشات التلفزة
تباشير فرجة ممتعة. تعرف شركات الإعلان أن رمضان يصالح الجمهور مع التلفزة.
قديما، كان أفراد الأسرة يجلسون حول المائدة للأكل بشكل
دائري، يتحدثون وينظر بعضهم في عيون بعض... الآن يجلسون في خط مستقيم ليكون
التلفزيون أمامهم. في رمضان يكون هذا الجلوس أطول للإفطار وفي لحظة واحدة لكل
أفراد الأمة. لذلك تعتبر شركات الإعلان أن وقت الذروة هو فرصتها لعرض السلع دفعة
واحدة وإقناع الزبائن بالشراء. والنتيجة أن المسلسلات والـ«ســيتكــــومــات»
التـــي تُعـــــرض يتــــم تقطيعها إرَبا بفواصل طويلة... يشعر المتفرج بالضجر من
طول الفاصل.
للاحتجاج على هذا الضجر، يتردد على مواقع التواصل الاجتماعي شعار: «هرمنا بين فاصل وآخر».
في واحدة من الصور الساخرة على الفايسبوك، يظهر أن بطل أحد المسلسلات قد هرم بعد الفاصل. وهذا حال المتفرج في الحقيقة.
لم تغير هذه السخرية شيئا، لأن ليالي رمضان تلائم الأسواق وتحرض على الاستهلاك. لذلك تزداد حصة الوصلات الإعلانية في التلفزيون. تروج قنوات الأخبار سلعا رجالية، بينما تركز قنوات الدراما على السلع النسائية. وهذه صناعة مدرة للربح.
الإعلان
فن وتجارة. من حيث هو تجارة، يهدف لتحفيز الطلب على سلعة معينة، بل وخلق حاجة
وهمية تدفع لشرائها. وهو يوفر تمويلا جيدا للقنوات التلفزيونية. أما من حيث هو فن،
فالإعلان التجاري يستخدم الصورة والصوت لجذب المتفرجين، كما يستخدم لغة الجسد
ليرغمهم على الانتباه للوصلة الإعلانية، وخاصة لغة الجسد الأنثوي الذي يؤثث الفضاء
بجانب السلعة المعروضة. في جل الإعلانات، تغيب اللمسة الإيحائية، في حين يهيمن
الجانب الاقناعي المباشر الذي يتجلى في تكرار صيغة «ثلاثة في واحد»، وهي صيغة تعدد
الحجج الموجبة للشراء: ثمن منخفض، عشرة في المئة مجانا، رصيد مضاعف، بعرض تجارب
لفعالية الصابون والشامبو، لتنعيم الشعر أو الجلد، لتعبئة المحمول والثرثرة لأطول
مدة ممكنة. غير أن لهذا الحرص على التكرار والتأكيد خطر، فهو يظهر الزبون أبلها من
فرط حبه للسلعة المعروضة، مغفلا وهو يسرع ليستغل الفرصة.
لتجنب ذلك، ولكي يجد المتفرج نفسه في الإعلان:
يتم إما تكثير الرقص والغناء، وغالبا بتوظيف التراث الشعبي وتحريف كلماته ليتضمن إسم السلعة ومزاياها، أو استئجار نجوم الرياضة والغناء الذين تعبدهم الجماهير، إذ تختار الشركات العابرة للقارات نجوما عالميين وتعرض الوصلة الإعلانية نفسها في دول عدة، بينما تعتمد الشركات الصغيرة على نجوم محليين، ويتم صبغ ذلك بقيم الأسرة السعيدة المتماسكة التي أنجبت طفلين وما زال الحب كبيرا بين الوالدين، لم تصبهما لعنة الضجر من بعضهما البعض. يستمر هذا السلوك الإعلاني رغم الشكاوى في مواقع التواصل الاجتماعي من طول هذه الفواصل. يزعم المعلقون أن التلفزة صارت دكانا لعرض السلع. لكن لشركات الإعلان منطق آخر، فاقتصاد السوق يركب رمضان لزيادة الرواج، حتى على حساب أعصاب المتفرجين الذين يتحملون مادة إعلانية متشـابهــــة تعاني من فقر في الخيال والإبداع، صورها مخرجون مغمورون، وهـذا ما يجعلها مضجرة أكثر.
للتخلص من طاعون الفواصل الإعلانية المملة، لا يصغي المتفرج لمن يقول له: «سنعود بعد الفاصل، ابق معنا»، بل ينتقل من قناة إلى أخرى، فالريموت كونترول جعل مهمة المعلنين صعبة. لكن هذا الانتقال، بل الهروب المستمر من قناة إلى أخرى، يؤدي إلى أن المتفرج لا يتابع أي مسلسل أو «سيتكوم» حتى نهايته، وبالتالي تختلط عليه المسلسلات، كما تختلط عليه ساحات الاحتجاج. لا يعرف هل يعتصم المتظاهرون في ساحة التحرير أم تقسيم أم أمام ملعب كرة برازيلي.
محمد بنعزيز/كاتب مغربي/السفير العربي3-7-2013
بتوقيت بيروت