جائزة الشهيد السيد عباس الموسوي قدس سره لحفظة القرآن الكريم الجامعيين
يكمن سمو شأنه وعلو مكانته في كونه كلام الله، وهو أحد الثقلين، الذي لا يضل من تمسك به أبداً. وهو المعجزة الخالدة التي لم تنقضِ بانقضاء زمانها ومكانها. به أقسم الباري تعالى على نفسه، في الحديث القدسي، بتكريم من يكرمه. وقد ورد في كثير الروايات التأكيد على قراءة آياته وحفظها وتدبّرها. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "اقرؤوا القرآن واستظهروه فإنّ الله لا يعذّب قلباً وعى القرآن".
وانطلاقاً من كونه باب جميع المعارف والعلوم، ولأجل تكريمه، كانت جائزة الشهيد السيد عباس الموسوي لحفظة القرآن الجامعيين ممن كان قلبهم وعاءً لكتاب الله، ومشعلاً يرافق مراحلهم التعليمية.
انطلاق المشروع
والأهداف
"بمبادرةٍ من أمين عام حزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله حفظه الله، انطلقت هذه المسابقة التكريمية سنة 2010، وذلك بعد توفّر معطياتٍ قدّمتها جمعية القرآن الكريم عن عددٍ لديها من الحفظة لكامل أجزاء القرآن الكريم من طلابها ممن وصلوا إلى المستوى الجامعي في دراستهم الأكاديمية، ما شكّل رصيداً كافياً لدى سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله لتحفيز هؤلاء الطّلبة وتكريمهم، وإطلاق مشروع حفظ القرآن الكريم في الوسط الجامعي. فانطلق المشروع في العام نفسه ليصبح جائزةً تكريميةً تقام في كل عام". هذا ما قاله سماحة الشّيخ حسين زين الدين ممثّل جمعيّة المعارف عن الجائزة حول ولادة هذا المشروع، وأضاف محدّداً الأهداف: "وتأتي هذه المبادرة بهدف إحياء الثّقافة القرآنيّة في البيئة الجامعيّة، وحضور القرآن في هذه السّاحة خاصّةً أنّنا نعيش في زمن الحرب الناعمة والمواجهة المفتوحة مع العدّو على المستوى الثقافي، والذي يعمل من خلال أساليبه للاستفادة من الفراغ الموجود على صعيد الاهتمامات الشبابيّة. لذا، تكمن أهمية المشروع في دوره في تعزيز انتماء الطالب إلى هويّته الإسلاميّة من جهة، وفي أنه يحول بينه وبين الفساد من جهةٍ أخرى".
وحول سؤاله عن العلاقة بين الجامعة والقرآن يجيب سماحته: "في مقاربةٍ بين ما تقدّمه الجامعة للطّالب الجامعي وما يتيحه القرآن الكريم له، فإن الجامعة تُعتَبر حقلاً لتنمية العلوم عند الطّالب الذي بلغ مستوى معيّناً من الإدراك والنّضج الفكري في هذه المرحلة. والقرآن بدوره هو منبعٌ لهذه العلوم، ومحلٌّ للإجابة عن كثيرٍ من التساؤلات". وأضاف: " فالجامعة محيطٌ اجتماعي متنوعٌ يحتاج فيه الطالب أن يترجم انتماءه كمسلمٍ فيكون انتماؤه للقرآن وبالتالي، للإسلام. فالجامعة تُعدّ معقلاً لتخريج النخب القيادية للمجتمع والقرآن يدعو إلى هذا المستوى من بناء الفرد. وهنا أود أن أذكر توصيفاً للشهيد مطهري قدس سره حول القرآن الكريم حيث يقول: لو أردنا تصنيف القرآن كبقية الكتب بناءً على موضوعاتها (في اللغة او الأدب أو التاريخ أو العلوم...) فإنه يتناسب مع كافة عناوين الموضوعات لأنه يتناولها، وإذا أردنا تصنيفه بناءً على المستويات الثقافية، فميزته أنه مناسبٌ لجميع المستويات الثقافية مع محافظته على رونقه وعمقه".
القرآن.. العلم..
السيد عباس الموسوي قدس سره
"يتضح من عنوان هذه الجائزة أنها تحمل اسم سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي قدس سره كتأكيدٍ على صلة المقاومة والشهادة بكتاب الله العزيز. وهذه التسمية أطلقها سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله كنحوٍ من أنحاء الوفاء للسيد الشهيد قدس سره الذي كان من أبرز صفاته إضافةً إلى كونه عالماً، أنه قائدٌ ومجاهدٌ، فهو كان عاشقاً للقرآن، يتعامل معه كحقائق وقوانين وليس مجرد كتاب ٍ يتلو آياته، بل أكثر من ذلك فقد ارتكز في قواعد الصراع مع العدو الإسرائيلي على آياته. ولطالما كان تحفيزه للمجاهدين يتمّ عبر الاستشهاد بآيات القرآن، وكان أنيسهم في محاورهم، يقبّلونه قبل الانطلاق لتنفيذ العملية في رسالةٍ واضحةٍ أنّ عملهم الجهادي هو تطبيقٌ لأحكام الله وآياته". هذا هو السبب الأول في تسمية الجائزة بهذا الإسم يعلّل سماحة الشيخ زين الدين ويكمل:" أما السبب الثاني فإنّ حضور هذا الإسم كعالم قائد شهيد في الوسط الجامعي يسهم في جذب الطلاب الجامعيين نحو الرمز الذي يجب أن يُتبع ويقتدى في مقابل وجود الكثير من الرموز المتبعة المصطنعة وغير المفيدة لمجتمعها".
التجربة الأولى
لم تكن المعطيات التي قدمتها جمعية القرآن الكريم سنة 2010م، عن وجود عدد من الجامعيين الحفظة للقرآن الكريم، وليدة العام نفسه، فقد دأبت هذه الجمعية على مشروع إنشاء جيل قرآني حافظٍ للقرآن الكريم وإن بأجزاءٍ متفرقة منذ العام 2004م، حتى بلغ عدد الحفظة لديها 350 حافظاً لأجزاء القرآن من أعمارٍ مختلفة. لكن عدد الحفظة لكامل أجزاء القرآن الكريم ممن هم في المستوى الجامعي بلغ 20 حافظاً. يقول الحاج حسين حمدان ممثلاً لجمعية القرآن الكريم في الجائزة: "تم التوافق على تحديد الجائزة، على أن يكون شرط المسابقة منحصراً في حفظ كامل أجزاء القرآن الكريم. وقد صدر تعميم حول هذه المسابقة في كل الجامعات في لبنان، بلغ صداه العالم العربي والإسلامي ولقيت الفكرة ترحيباً حيث بدأت طلبات الانتساب للمسابقة تتوافد من مختلف البلدان كالأردن وسوريا. ولكن وفق المخطط فإن الأمر اقتصر بدايةً على الطلاب الجامعيين اللبنانيين. وهنا مسألة مهمة يجب الالتفات إليها وهي أن هذه المسابقة ضمت عدداً كبيراً من إخواننا المسلمين السنَة والشّيعة. وهذا إنّ دلّ على شيء فإنما يدل على أن هذا القرآن هو حبل الاعتصام لجميع المسلمين والكلمة المشتركة بينهم على حدٍّ سواء".
ولقد انطلقت المسابقة الأولى سنة 2010م، وترشح نحو 40 مشاركاً ومشاركة من جميع الجامعات اللبنانية في مختلف المناطق كطرابلس وبيروت وغيرهما، وشارك نحو 20 منهم. وقد شكّلت "هيئة الجائزة" لجنة تحكيم علمية مختصة تمتلك كل معايير التحكيم في مجالات التجويد والحفظ والفصاحة واللغة العربية. وأعضاء هذه اللجنة من المشاركين في لجان الحكم في مسابقات حفظ القرآن الكريم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولهذا تمّ اختيارهم إنصافاً للمشاركين حيث عمدت هذه اللجنة إلى وضع المعايير العلميّة للمسابقة على أن يكون الاختبار على نحوين: الأول عبارة عن اختبارٍ شفهي يتضمن ثلاثة أسئلة محددة ومتشابهة من بين آيات القرآن. أما الثاني فاختبار خطيّ يتلمس منه مدى مهارة الحافظ في تشغيل ذهنه واختيار الجواب المناسب. وعلى الطالب أن يحرز 80 من مئة علامة في كل اختبار حتى يعتبر ناجحاً. جرت المسابقة في مجمع الحدث الجامعي، وفاز فيها عشر مشاركين من مختلف المناطق، تمّ تكريمهم في حفلٍ رعاه سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حفظه المولى، ممثلاً بسماحة الشيخ أكرم بركات وبحضور العديد من الشخصيات والهيئات الثقافية والفكرية والتربوية.
كانت الجائزة عبارة عن:
1. قرآن كريم من سماحة الأمين العام لحزب الله حفظه الله.
2. درع الشهيد السيد عباس الموسوي قدس سره .
3. شهادة علمية من جمعية القرآن الكريم.
4. مبلغ 5000$.
تحقق الأهداف
"وما ميز المسابقة في
هذه السنة أن النسبة الكبيرة من الفائزين كانت من الإناث حيث بلغت نسبة فوزهن 16
أختاً مقابل اثنين من الذكور. وقد لفتت هذه المسألة انتباه سماحة السيد حسن نصر
الله حفظه الله الذي رعى بشكل مباشر حفل التكريم لسنة 2012م، وهنّأ في
كلمته الأخوات على فوزهن. ومن هنا أقدم دعوةً للذكور للتنافس الإيجابي
والمستحب على هذا الصعيد للعام القادم".
وحول طرح إشكاليةٍ في الأثر
التربوي الذي تقدّمه هذه الجائزة في بناء العلاقة مع كتاب الله في وقتٍ يمكن أن
تتناسب مع أهواء من يريد الحفظ لأجل الرصيد المحدد لها لا لغاية الحفظ عينه، اعتبر
سماحة الشيخ حسين زين الدين والحاج حسين حمدان أن الدافع المادي للطالب يتلاشى
عنده بمجرد اشتغاله بالقرآن حتى لو كان أصل انتسابه للمسابقة بدايةً بناءً على
الدافع المادي. فللطّالب
الجامعي استحقاقات ماديّة خلال عامه الدراسي، فلا بأس أن تكون هذه الجائزة عوناً
له في الاستمرار العلمي، بناءً على حفظه له، إذاً فعمليّاً يتم تكريم القرآن
واعتبار الحافظ مميّزاً به وليس دونه. ففي حديثٍ عن الرسول الأكرم يقول:
"من أعطاه
الله حفظ كتابه فظنّ أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد غبط أفضل النعمة". وهؤلاء الحفظة يدركون أن اشتغالهم بحفظ القرآن من أهمّ
النّعم التي نعموا بها.
طموحات مستقبلية
وفي خطواتٍ مستقبلية تطمح هيئة الجائزة بعد إنشاء جيل جامعي حافظ للقرآن إلى الانطلاق بمشروع مسابقات في فن القرآن بالمعنى الجمالي والتقني ليشمل صوراً حول القرآن أو الخط الجميل. ومما تطمح إليه الهيئة أيضاً في خطواتٍ مستقبلية إدخال هذه التجربة الناجحة في المراحل التعليمية الثانوية ليكون كتاب الله وأحسن الحديث مرافقاً لهم في كلّ مراحلهم التعليميّة.
تحقيق: ايمان علوية/نقلاً عن مجلة "بقية الله"-العدد259-نيسان2013
بتوقيت بيروت