اخترنا لكم هذا المقال من جريدة السفير/شباب-أنور الموسى: الأربعاء27آذار2013
"لن أقبل أبحاثاً منسوخة بثوانٍ من الإنترنت!".عبارة أثارت الارتباك لدى عشرات الطلاب حين أطلقها مشرف في جامعة مرموقة شرطاً رئيساً لقبول الأبحاث. وأردف متسائلا: "من سحب بحثاً من دون تغيير من الشبكة؟". فوجئ بإجابة صريحة قدمها رامي: “نسخته حرفيا من الموقع، وجدت أنه يفي بالمطلوب”. وعللت زميلته سهى: “إنه عصر السرعة. كنت مريضة. حذفت منه قليلا. نسخته من غير موقع المهم النجاح”.
عبارات قد تبدو عادية، لكن دلالاتها تختصر واقعا أكاديميا يشير إلى “عزوف شريحة كبيرة من الطلاب عن المطالعة، وارتياد المكتبات”، لمصلحة الاستفادة المباشرة من التقنيات التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة... ولو على حساب الأمانة والدقة والموضوعية!
رحلة البحث
غالبية الطلاب لا تنكر استفادتها المباشرة من الإنترنت. ولكل طالب مسوغاته. تقول فاطمة بزيع (اجتماع): “ضيق الوقت يضطرنا إلى البحث عن معلومات عبر الإنترنت، لا سيما أن المناهج الحديثة تكثف الأبحاث والمواد والدروس فتخنقنا. وبالتالي، لا وقت لدينا لارتياد المكتبات في كلياتنا”. يقاطعها زميلها محمد يونس: “أين المكتبات الغنية؟ فقرانا ومدننا، حتى كلياتنا، غير مزودة بمكتبات لائقة، سواء من ناحية مقتنياتها أم كادرها البشري...”.
الأسباب
السابقة تدفع روي جرجس (فرنسي) وزملاءه إلى ردم الهوة عبر اللجوء إلى الإنترنت: “صحيح
أن المعلومات فيه قد تكون غير موثّقة، لكن البحث يمر على الدكتور الذي لا ينتبه
إلى ألاعيب الإنترنت”. عبد سعد يلقي اللوم على الطالب المتراخي، رافضا النقل
الحرفي: “الإنترنت يوفر إمكانيات هائلة للمطالعة والمعرفة، فما العيب في الاستفادة
منه للبحث؟”. توافقه جاكلين سعادة (ثالثة انكليزي) الرأي، فتؤيد الاستعانة بـ”غوغل”
وغيره من المواقع، شريطة أن يتسلح الباحث بثقافة تخوله تمييز الغث من السمين.
تضيف: “لا يجوز للطالب نسخ البحث حرفيا، ونسبته لنفسه. فأين الأمانة العلمية في
ذلك؟ وأين حقوق النشر والتأليف؟ وأين الضمير الأكاديمي؟”.
وفي نظر ولاء الدبس (عربي)، الاستفادة لا تقتصر على
الإنترنت، بل هناك البرامج والكتب الالكترونية: “لكن الخطورة في سرقة كتب وفصول
كاملة، الأمر الذي يحدث مع طلاب كثر أعرفهم من مختلف الكليات والاختصاصات،
فيغيّرون فقط الاسم واسم الجامعة والتاريخ والأستاذ المشرف...”. وتستطرد هازئة: “ذات
مرة، نسيت زميلتي حذف اسم المؤلف، فأضحى بحثها لمؤلفين!”.
وتسرد الطالبة مايا فضل (علم نفس) أسبابا أخرى للإغارة على
جهود الآخرين: “عدم تثقيف الطالب كما
يجب بضرورة ارتياد المكتبة، وإهمال الكتاب، وانقلاب سلّم القيم، وعدم الرغبة في
الاختصاص...”، مشيرة إلى ضرورة إدخال مادة استخدام التكنولوجيا في خدمة العلوم في
المناهج منذ المرحلة الابتدائية. والمؤسف في نظر جابر المحمود أن بعض
المحاضرين يسرقون أبحاثا بحرفيتها من الإنترنت، ويعزونها لأنفسهم، من دون تغيير...
فكيف نلوم الطالب عندئذٍ؟
والواقع أن القضية في نظر أحمد خليل (ماستر تربية) قد تبدو
مغفورة لطلاب الإجازة: “شريطة المقارنة، والاستفادة من غير مرجع، وتوليف معلومات
الكتب مع ما يجنى عبر الإنترنت”.
لقضية سرقة الأبحاث جذورها في المرحلة المتوسطة والثانوية.
سامي سلوم (صاحب محل إنترنت) يؤكد أن طلابا كثرا من مختلف المراحل “يوصونني بالبحث
عن موضوعات، فأسحبها لهم على الورق، وتكون الفائدة مزدوجة لي ولهم، لكني أنصحهم
بقراءتها، خوفا من ذكر الاسم داخل البحث...”.
بدوره، لا يفاجأ المدرس حاتم قادر بالأمر، فحتى الشهادات
الجامعية باتت تشترى من بعض الدكاكين على حد وصفه لبعض الجامعات الخاصة: “أعرف
زميلا نال إجازة جامعية بلا دراسة، فقط كان يسجل اسمه وقت الامتحان، بالدفع
والواسطة كله بيصير بهالبلد”.
آراء المشرفين
وللدكتور كاظم هاشم تجارب ملموسة: “تتضاعف هذه الظاهرة في الإجازة، وهي فضيحة للطالب ومشرفه في الماستر”، مؤكدا أنه يضبط حالات كثيرة سنويا: “أنبه الطلاب إلى أن الاستفادة من أبحاث الإنترنت مسموحة، بل مطلوبة، شريطة عدم النسخ الحرفي، ومراعاة شروط البحث والتقميش والاقتباس...”، مؤكداً أن المعلومات التي قد يتبناها الطالب، ويعدّها مسلمات، تحتاج إلى تدقيق، وتصويب ومقارنة وإعادة نظر. فالاقتباس من الإنترنت ليس سهلا، لأن “الطالب الجاد عليه أن يدقق لغويا وإخراجيا، ويتحقق من المعلومة ومصدرها، لأن الكاتب الذي ينشر موضوعه في الإنترنت، له ميوله وأهواؤه، وقد لا يكون متخصصا؛ وبالتالي لا يجوز لطلابنا أن يكونوا معدومي الشخصية، يقتاتون مما يكتبه الآخرون...”.
الآراء السابقة يتبناها الدكتور إياد الحسيني: “المسؤولية في الكشف عن الأبحاث المسروقة ملقاة على كاهل المشرف نفسه، فعليه التزود بآليات البحث عبر الإنترنت والوسائل الحديثة، وارتياد مكتبات الإنترنت والمواقع، لا سيما في ميدان تخصصه...”. ويروي مواقف له مع الطلاب:
كشفت أحدهم من خلال أسلوب البحث المميز. شككت بالأمر، ثم بحثت عبر الإنترنت، ليتبين أن البحث منشور في موقعين”.
يعارض هذا الرأي الدكتور خالد معاليقي: “منع طلابنا غير مسوغ، لأن العصر تجاوزنا، وفرضت التقنيات الحديثة نفسها على واقعنا. بالتالي، يُسمح للطالب بالبحث لا النسخ عبر الإنترنت ضمن ضوابط. وحبذا لو نطور مناهجنا لمواكبة التطور. فالبحث عبر الإنترنت أكثر صعوبة من المطالعة الورقية، لأن إعادة الصياغة تحتاج إلى تعاضد مهارات كتابية جمّة”.
وهكذا، فإن البحث الإلكتروني فرض نفسه علينا بقوة، لا سيما في ظل الدعوة إلى التعلم الفردي والتعلم من بعد. ولذا، يرى ماجد السيد “أن الكتاب، مع أهميته، لم يعد محتكرا وحيدا للبحث، بل تؤازره الوسائط الحديثة، بكل أشكالها...”.
ومع ذلك، تؤكد ميرفت الحسن أن الكتاب خير جليس، وتؤازره مصادر أخرى كالوسائط الورقية (مجلة وجريدة...)، والمرئية والمسموعة، شريطة أن يتحلى الطالب بالخلفية الثقافية، ونسبة الفضل لأهله.
أمناء المكتبات
الكلام
السابق، يتقاطع مع ما يبوح به رمزي الأشقر: “المشكلة متعددة الوجوه، فمن جهة يفتقد
لبنان لمكتبة مركزية وطنية غنية، ومن جهة أخرى، هجر طلابنا الكتب لمصلحة وسائط
حديثة”، داعيا إلى ربط المكتبات بالإنترنت، ونشر الكتب الجادة وتخفيض أسعارها
وتشجيع التأليف.
من ناحيتها، تشدد مرفت سريس (علم نفس) على أن الشاب
الجامعي كثيرا ما يشعر بالإحباط والقلق، فالعمل بعد التخرج غير مضمون، وآفاق
المستقبل مجهولة، وبالتالي، ينعكس ذلك على تحصيل الطالب الذي قد يبحث عن النجاح
عبر أقصر السبل، فيما ترى مايا علوية (علم اجتماع) أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم،
قد يقلل الدافعية عند الطالب، فضلا عن أن تكلفة البحث عبر الإنترنت منخفضة قياسا
بالبحث في المكتبات الموزعة في غير كلية.
بتوقيت بيروت