"حروب التفوق الإلكتروني"، مقال للباحث حسام مطر، اخترناه لكم
من صحيفة السفير بتاريخ9-3-2013/بتصرف.
أصبحت «الحرب الإلكترونية» مفردة متداولة، هي العنصر الأبرز في الحروب المقبلة لاسيما متى تعلق الأمر بدول متقدمة وقوى عظمى. ما يجري تقديره الآن هو نوعية تلك الحرب، مداها، فعاليتها وأثرها على الحروب التقليدية. هل تشكل بديلاً للحرب أو محفزاً لها؟ هل ستصبح الحاجة الى العنف أقل إلحاحاً؟ ما أثر الفارق النوعي الذي تتيحه كميزة للدول المتقدمة في مواجهة دول وقوى متخلفة تكنولوجياً؟ هذه الأسئلة وسواها أصبحت طور التداول والدراسة والتقويم، ولا إجابات نهائية مؤكدة لاسيما في ظل افتقاد نماذج تاريخية وتطبيقية كافية.
التفوق الإلكتروني أصبح مؤشراً في
تقدير قوة الدولة او المنظمة وقوتها الناعمة والصلبة. السيطرة الإلكترونية توفر
المعلومات الحساسة وقدرة تخريب المنشآت وشل العدو وتقليص القلق من الخسائر البشرية
(عبر طائرات من دون طيار مثلاً، والتي بحسب سيناتور أميركي مكنت الولايات المتحدة
من قتل 4700 شخص خلال الاعوام الماضية)، كما يتيح هذ التفوق قدرة التأثير الثقافي
والإعلامي في المجتمعات المستهدفة، من خلال التلاعب بالرأي العام وتزويد المجموعات
المناوئة للسلطة بأدوات خارج سيطرة الدولة وبث الأفكار والرسائل السياسية والتعبئة
الإجتماعية حول قضايا محددة (وهي سياسات تقع ضمن ما يطلق عليه Digital Diplomacy أو الديبلوماسية الرقمية).
خلال الفترة
السابقة تكشفت جملة هجمات إلكترونية حساسة، الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية
وشركات نفط خليجية وحسابات مصرفية إسرائيلية، وأخيراً الكشف عن الهجمات الواسعة
التي تشنها الصين (الوحدة 61398 )في الجيش الصيني على حسابات خاصة ورسمية أميركية شديدة
الحساسية. في هذا السياق نشر موقع «الفورين بوليسي» مقالاً بعنوان « The Cool War» محاولاً الكشف عن تداعيات هذه الحرب وآثارها ومقارناً بينها
وبين الحرب الباردة. الحرب الجديدة تمتاز بانها أكثر «حماوة» كونها تشهد انخراطاً
مباشراً بين القوى الكبرى، وثانياً تمتاز بكونها نقلت الصراعات الى حيز مختلف
تماماً أكثر من تقنيات الحرب الباردة التي لم تستطع مغادرة مفاهيم «الجيوبولتيك»
والسيطرة على الأرض. الميزة الأبرز قد تكون في أن الحرب الجديدة لا تستوجب إطلاق
حرب حقيقية، نظرياً على الأقل، كما يقول كاتب المقال، دافيد روثكوف.
حتى اللحظة يمكن القول إن الحرب الإلكترونية لم تقد الى حرب «حامية»، ولكنها في المقابل أنتجت مستوىً ثابتاً من التصعيد، وهذا أحد مخاطرها الجدية. فعادة ما يتأخر الكشف عن الهجوم الإلكتروني، فـ«الفيروس» يمكن أن يختبئ وينتشر لوقت طويل، بما يلحق ضرراً كبيراً بالخصم لاسيما في سرية معلوماته الاستراتيجية ربما، الى درجة تفقد الهدف جزءاً من ردعه وقدرته على المباغتة بما يلزمه بالرد لتعويض الأضرار. من ناحية أخرى لا يمكن إغفال ما تتركه هذه الهجمات من آثار نفسية بفعل الشعور بالإذلال من تمكن الخصم من إنتهاك «السيادة الإفتراضية» وإبراز تفوقه العلمي والتقني وهذا الشعور بالإذلال يكون عالياً بين القوى المتقدمة التي تفتخر بالعلم كجزء من هويتها الوطنية كما في حال الصين والولايات المتحدة.
الحروب الإلكترونية ستتصاعد، لا سيما باعتبار الحجم المتزايد بشكل مهول لمخزونات المعلومات الإلكترونية التي تصبح حمايتها أصعب. ورغم ذلك، في عصر الحرب الباردة، يمكن أن تنخفض الحاجة للحروب التقليدية نتيجة توفر بدائل أكثر أماناً وفعالية للقوى المتقدمة، ولكنها تبقى فرضية محفوفة بالمخاطر. لطالما كانت الصراعات البشرية تتمحور حول السيطرة على الأرض، ربما لأن الوسائل المتوفرة تاريخياً لم تتح إمكانية أخرى، أما اليوم فالحاجة تتزايد للسيطرة على العقول، وهذا ما وفرته التكنولوجية الحديثة في عالم الاتصال والتواصل.
عام 1964 كتب الضابط والخبير الفرنسي في مواجهة حروب العصابات دافيد غالولا – يُقال ان الجنرال دافيد باترويوس إستلهم منه إستراتيجيته لمواجهة حركات التمرد في العراق وأفغانستان- أنه على " الجندي أن يتحضر ليصبح أيضاً خبيراً في البروباغاندا, ناشطاً إجتماعياً, مهندساً مدنياً, مدرساً, ممرضاً, وصبي كشافة", ربما لو أن الزمن طال به قليلاً لأضاف " ومدوناً ومبرمجاً وصاحب حساب في تويتر وفايس بوك".
بتوقيت بيروت