كيف يمكن التجرؤ على صناعة دماغ بشري؟ كيف نصدّق أنه من الممكن أن يفبرك العلماء آلة تشبه دماغنا؟ هل سوف يظهر الدماغ الاصطناعي مشاعر وأحاسيس، أو قدرة على الوعي، أو معدّل ذكاء أعلى من معدّل الإنسان العادي؟ هل سيحتاج إلى النوم؟ هل يمكن استخدامه كبديل لدماغ تالف؟ هل يثير الهيبة أو الخوف؟ هل سيصاب الدماغ الاصطناعي باضطرابات عقليّة؟ هل يمكن بلورة دماغ من دون جسد؟ هل يمكن للدماغ الاصطناعي أن يحتفظ بأفكارنا؟
يثير مشروعان علميّان «Synapse» و«Human Brain project» تساؤلات علميّة وأخلاقيّة في شأن صناعة دماغ اصطناعي يحاكي دماغ الثدييات بما فيها الإنسان.
انطلق مشروع «Synapse» في العام 2008، بتمويل من الجيش الأميركي وبتنفيذ من مختبرات جامعية أميركية. أما مشروع «Human Brain Project» فانطلق في العام 2010 بتمويل أوروبي وبتنفيذ نحو 87 معهداً عالمياً للأبحاث.
ويعترف الباحثون في علم الأعصاب بعدم قدرتهم، وحتى اليوم، على فهم وظائف الدماغ: الوعي، الذكاء، الإبداع، الكلام. فكيف يمكن بالتالي صناعة عضو لا يفهم العلماءُ وظائفَهُ؟ غير أن القيّمين على المشروع يقلبون المعادلة، فبدل انتظار فهم الدماغ البشري في سبيل صناعته، يقترح الباحثون صناعة دماغ اصطناعي لفهم وظائف الدماغ مرتكزين على مقولة الحائز على جائزة نوبل للفيزياء ريتشارد فاينمان «ما لا أستطيع صناعته، لا أستطيع فهمه».
ترتكز طريقة التصنيع على استخدام رقائق إلكترونيّة وخلايا عصبية مصنوعة من مادة السيليكون. في المقابل، يواجه مشروع الدماغ الاصطناعي أربعة تحديات علميّة: إيجاد خريطة لثمانين مليار خلية عصبيّة موجودة في الدماغ، فبركة رقائق من مادة السيليكون «سيليسيوم» تماثل وظيفة الخلايا العصبية الطبيعيّة، تنظيم الصلات بين الخلايا وفق خرائط محدّدة، وتغذية الدماغ بمعلومات تسمح له بالتطوّر مثل دماغ طبيعي. ونتائج المشاريع العلمية، وتقنيات التصوير المعتمدة « Diffusion MRI» تسجّل حتى اليوم تطوّرا هائلا في مواجهة تلك التحديات العلميّة.
يقول المشارك في مشروع «Human brain project» ريتشارد والكر إن الدماغ الاصطناعي لن يكون دماغا بشريا بل سيكون نموذجا تقريبيّا يمكن تعديله للحصول على نتائج أفضل. يشكّل الدماغ الاصطناعي أداة لفهم بعض الإضطرابات العقليّة أو الأمراض مثل الاكتئاب والفصام، ووسيلة لفحص فعالية بعض العلاجات المضادة لداء الصرع أو الاكتئاب من دون أن يكون فعالا في شأن علاجات مضادة لأمراض أخرى مثل الألزهايمر المرتبط ببروتينات غير موجودة في النماذج الرقمية.
لا ينتج الدماغ الاصطناعي، وفق المشارك في مشروع « Spaun» كريس إلياسمث، القدرة ذاتها التي تمتلكها الخلايا العصبية الطبيعية بسبب محدودية النظم المستخدمة والقدرات الحسابية. ويبيّن بول تومبسون، من مشروع « Connectome»، إمكانية ظهور نوع تفكير مختلف يولّد موسيقى وأدبا لم نتخيّلهما قط، من دون أن يستبعد الباحث فريدريك ألكسندر فرضية تفوّق قدرات الدماغ الاصطناعي على قدرة الدماغ البشري الذي يظهر محدودات عدّة.
يقترح بعض الباحثين زرع بعض المشاعر الأساسيّة مثل الخوف في الخلايا العصبية المؤلّفة من السيليكون إذ تشكّل المشاعر ركيزة أساسيّة لأخذ القرارات. في المقابل، يثير الاقتراح تساؤلات في شأن إمكانية تحديد مشاعر تلك الآلات. هل سيُظهِرُ الدماغُ الاصطناعيُّ مشاعرَ حقيقيةً أو وهميّةً؟
يختلف الباحثون حول حاجة الدماغ الاصطناعي إلى النوم، ويقترحون برمجته وفق فترات مخصصة لتقليص المعلومات أو لإعادة تنظيم المعلومات المحفوظة في وحدات الذاكرة فيتوّقف نشاط بعض الدوائر الكهربائية لفترة معيّنة عن العمل.
يعتبر زرع دماغ اصطناعي فرضية غير ممكنة، إذ يصعب وصل الدماغ مع باقي أعضاء الجسم. بينما، تهدف بعض المشاريع إلى إنتاج أجزاء من الدماغ « prothesis» لزرعها في دماغ طبيعي تالف.
لا يوجد عائق في أن يُظهِرَ الدماغُ الاصطناعيُّ، وفق المتخصص في علم الأعصاب كريستوف كوش، وعيا إذ تفترض النظريات بأن الوعي غير مرتبط بمادة حيّة. يقول جوليان دو بوا من «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» إن الوعي من الخصائص الفيزيائية مثل الوزن، أو الشحنة الكهربائية.
يشير الخبير في الذكاء الاصطناعي جان غبريال غاناسيا إلى عدم قدرة الباحثين على توقّع أفعال تلك الآلات في بعض الحالات ما يشكّل خطرا بالنسبة إلى المصممّين. ويأمل الباحثون برمجة الدماغ الاصطناعي على إظهار بعض الأمراض العقليّة أو الإدراكية في سبيل دراستها من دون أن يعني ذلك أن الدماغ الاصطناعي عرضة للإصابة باضطرابات الدماغ الطبيعي.
يفتقر دماغ من دون جسد إلى مهارات إدراكية وتعليميّة عدة لذا تحاول البحوث العلميّة ربط الدماغ الاصطناعي بالمحيط من خلال تزويده بمعلومات معيّنة أو على غرار دماغ نموذج «سبون» الذي يمتلك عينا وذراعا للتفاعل مع المحيط.
(عن مجلّة «science et vie»)