الأزمات المتلاحقة التي سببها فيروس كورونا المستجد، اصابت المدارس والجامعات، ومحاولة منها لتجاوز تأثيرات ما اصابها لجأت في غالبيتها إلى التعليم الإلكتروني ـ او ما اصطلح عليه بالتعليم عن بعد ـ لمواصلة العملية التعليمية.
وصار التعليم عن بعد مادة للنقاش داخل الاسرة التعليمية، حول جدواه وصوابيته وهل يمكن ان يحل محل العملية التعليمية الطبيعية، واختلف الرأي بين تصدى لهذا النقاش، ونعرض هنا لرأي نشرته مجلة «وايرد» في تقرير لـ«ريت ألين»، أستاذ الفيزياء بجامعة جامعة جنوب شرق لويزيانا في الولايات المتحدة، شارك فيه نصائحه وأجاب عن تساؤلات مهمَّة، لافتًا إلى أنه «مع إغلاق المدارس الثانوية والجامعات، يكمن الحل في العثور على طرق مبتكرة للحفاظ على تفاعل الطلاب».
في بداية التقرير، يشير ألين إلى السؤال الذي يتردد بين من يدرِّسون الآن: ما الذي ينبغي أن نفعله لجعل انتقال الدروس من الفصل إلى الإنترنت فعالًا قدر الإمكان بالنسبة للطلاب؟
للأمر جوانب عديدة يلزم النظر فيها، وليس أكيدًا وجود إجابات شافية لها جميعًا. لكن كأستاذ فيزياء، فكَّر ألين كثيرًا في طرق التدريس عن بعد في أثناء الأوقات العادية. ويحاول تقديم بعض الإرشادات المتعلقة بهذه الأسئلة. ورغم أن نظرته إلى هذه القضية مرتبطة بتخصص العلوم، فإن ثمَّة الكثير مما يمكن تطبيقه على أي تخصص.
كيف يمكن أن يصبح التعليم الإلكتروني مفيدًا؟
هذا أول ما تقلق بشأنه، ماذا ستفعل تحديدًا؟ هو أمر صعب للغاية، فلم يكن هناك متَّسع من الوقت للاستعداد لهذا التحول. لكن، فيما يلي بعض الخيارات المتنوعة التي يقترحها الكاتب:
أبلغ الطلاب بالأجزاء التي ينبغي لهم أن يقرأوها، وأعطهم بعض الواجبات المنزلية. هذا هو الخيار الأول، ويمكننا جميعًا أن نتفق على أنه ليس مثاليًّا.
آمل أن يكون درسك أكثر من مجرد شرائح عرض تقديمي، ولكن إن كانت هذه طريقة تدريسك، فالحلُّ بسيط.
ما تزال هذه في جوهرها مماثلة للفكرتين السابقتين، ولكن في شكل مقطع فيديو. وأنا متأكد أنه يمكنك العثور على مقطع فيديو عن أي موضوع فيزيائي.
أنا أفعل هذا منذ أمد بعيد (وهذا مثال أحبه بعض الشيء). بهذه الطريقة، أتأكد من أن مقطع الفيديو يطابق ما سأقوله في الفصل؛ لأنني الشخص ذاته الذي يشرح في الحالتين. وربما حتى تجد متعة في الاستعانة بهذا الفيديو، وتريد أن تحتفظ به لتستخدمه في المستقبل.
يمكنك استخدام «Google Meet» و«Zoom» – وربما يمكنك حتى استخدام «Slack». وهذا لا يشبه حضور الاجتماع شخصيًّا، ولكن يمكنك على الأقل الإبقاء على استمرار الاتصالات المتبادلة، وتجنب متلازمة «بعيد عن العين = بعيد عن العقل».
ربما يستطيع الطلاب استغلال هذا الوقت لإجراء بعض القياسات في المنزل، وتجهيز معمل بسيط. أو تحليل مقاطع الفيديو. يوضح الكاتب أن الطلاب يمكنهم إجراء حسابات رقمية بلغة بايثون (لغة برمجية تتميز ببساطة كتابتها وسهولة قراءتها وتعلمها). وثمة العديد من الخيارات في هذا الأمر، خاصة إن كنت تحتاج إلى مادة علمية كهذه لبضعة أسابيع فقط.
يمد الكاتب إليك يد العون، ويقدم الكثير من أسئلة الواجب المنزلي غير المجابة عن موضوعات الفيزياء.
هل سيكون التعليم الإلكتروني بجودة الدرس وجهًا لوجه؟
يقول الكاتب: «إجابتي الأولى هي: لا، ولكن ربما فقط لم أجد الحل بعد».
ويشير لإمكانية عقد اجتماعات مصغرة عبر الإنترنت. مثلما يفعل مع زملائه. لكنه ما زال يفضل الاجتماع وجهًا لوجه، ولكن الجميع متناثرون؛ ولذا يتعذر فعل ذلك.
لكنه يقترح إن كنت فقط «تقدم» معلومات وأفكارًا للطلاب، أن تضعها في مقطع فيديو، ولن تضطر إلى تكرار محاضراتك كل موسم دراسي؛ يمكنك فقط تسجيلها مرة واحدة وتنتهي من هذا الأمر. والأفضل من ذلك أننا سنحتاج إلى مُدرِّس واحد فقط لجميع الطلاب، شخص يمكنه تسجيل شريط فيديو واحد يكفي لإيصال المعرفة إليهم جميعًا.
وربما يكون هذا هو الوقت المناسب لإعادة النظر في كيفية تعليم الطلاب وجهًا لوجه داخل الفصول أيضًا. هذه ليست معلومة جديدة، فنحن نعلم منذ فترة طويلة أن المحاضرات التقليدية غير فعَّالة. بعض الطلاب يستفيدون جيدًا من المحاضرة، ولكن فكر في كل هؤلاء الطلاب الآخرين.
بدلًا من ذلك، تؤتي بيئة التعلُّم المرتكزة على الطالب أفضل ثمارها. وفي فصل كهذا، لا يقتصر دور الطلاب على مشاهدة شخص يحل مسألة ما، بل يتفاعلون وينفذون مهامًا مثل: العمل في مجموعات، وجمع بيانات حقيقية، وتحليل أحداث حقيقية.
يوضح الكاتب أنه ليس من السهل فعل ذلك عبر الإنترنت، ولكن إن أحسنت اختيار المشروع، قد يكون هذا ممكنًا.
كيف تُجري اختبارات عبر الإنترنت؟
يتعرض الكاتب لمشكلة إجراء الاختبارات، فرغم وجود بعض أنظمة إدارة المحتوى التي تعمل بنظام مخصص للاختبارات، يغلق المتصفح حتى لا يستطيع الطلاب استخدام مواقع أخرى، لكن إذا أراد طالب أن يغش، يمكنه فقط استخدام هاتفه في الخفاء، دون أن يدري به أحد.
ويقترح حلًّا لذلك بإعطاء اختبار أفضل، مثل أن تطرح أسئلة لا يمكن حلها بالبحث عبر الإنترنت، أو بدلًا من السؤال عن المدى الذي تبلغه الكرة عند قذفها من منصة إطلاق، يمكن أن تطلب من الطلاب طرح أسئلتهم الخاصة (وهو ما يُسمَّى مشكلة بلا هدف)، أو أن تعطيهم حلًّا به خطأ، وتطلب منهم العثور على الخطأ وإصلاحه.
ويقول الكاتب: «يمكنك أيضًا أن تفعل الشيء المفضل لدي، وهو أن تجعل الطلاب يُعِدُّون مقطع فيديو يتضمن حلولًا لبعض المسائل ثم يرسلون هذا الفيديو. هذه الطريقة تؤتي ثمارها بكفاءة. وبشكل أساسي، أنت تضعهم في دور معلم، ونحن جميعًا نعلم أن أفضل طريقة لتعلُّم شيء هي محاولة تعليمه للآخرين».
ويقر الكاتب بأن ابتكار أسئلتك الخاصة أصعب من الاختبارات التقليدية، وتقييم هذا النوع من الاختبارات أكثر صعوبة، لكنَّها أيضًا تحمل قيمة أكبر. وفي الواقع، هذا مجال آخر ربما تهدف فيه إلى حلول مبتكرة قد تريد أن تدمجها في حصصك الدراسية، عندما تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي.
إذا نجح هذا، هل ستُبقي المدارس التعليم إلكترونيًّا؟
هذا هو السؤال المقلق بشدة. فإذا استطعنا أن ننجح في هذا، هل ينبغي أن نلتقي وجهًا لوجه مجددًا؟
يجيب ألين: «أنا أخشى من هذا الأمر. أنا حقًّا أحب أن أرى الطلاب شخصيًّا. وأحب المجتمع التعليمي الذي نبنيه سويًّا. أحب أن أراهم يكافحون مع فكرة ما ويتقنونها في النهاية. ولكن إن استطعنا فعل هذه الأشياء عبر الإنترنت، أعتقد أننا يجب أن نفعل ذلك. ألن تتيح هذه الطريقة فرصة التعلُّم لمجموعة أوسع من الطلاب؟».
ويضيف: «أعتقد أن السؤال الحقيقي لدينا نحن المعلمين هو: هل سيجري استبدالي؟ هل سأكون عاطلًا عن العمل؟ كما قلت قبل ذلك: إن كنت فقط تخبر الناس بأشياء، ربما يجب فقط أن تُسجِّل مقطع فيديو. وإن كنت تريد تعلُّمًا حقيقيًّا وأصيلًا، سنظل في حاجة إلى معلِّمين».
أفضل بيئة تعليمية؟
يدعو الكاتب لتخيُّل الوضع التعليمي المثالي، كيف يبدو لك؟
بالنسبة له، فهو مجموعة من الناس يتفاعلون ويحلِّون مسائل مثيرة للاهتمام. وربما لن تستطيع تمييز المدرس إذا نظرت إلى مثل هذا الفصل من الخارج. فقط مجموعة من الناس يتعاونون ويكتشفون بعض الأشياء.
يقول الكاتب إنك بمجرد أن تكوِّن فكرة عن أفضل بيئة تعليمية في نظرك، يمكنك اكتشاف ما يجب أن يحدث لهذه الطريقة حتى تنتقل إلى الإنترنت، فلا يمكنك إعداد منهج دراسي عبر الإنترنت دون أن تعرف حقًّا ما تريده من هذا المنهج أولًا.
وإذا كان هدفك هو التقييم فقط، فهذا أمر بسيط، يمكن تقييم الجميع، وربما تريد من كافة الطلاب أن يحفظوا بعض الأفكار المحددة ويكررونها، وربما بعض أنواع البطاقات التعليمية الرقمية تكون مفيدة لتحقيق هذا الهدف.
يختم ألين تقريره بالقول: «لكن إذا كان المنهج الدراسي مصممًا من أجل التعلم الهادف، فلا يمكننا فقط الاكتفاء بما كنَّا نفعله منذ وقت طويل. تذكر أن المحاضرات بدأت في جامعات القرون الوسطى، حين كان شخص واحد يقرأ كتابًا بصوت مرتفع حتى يتمكن آخرون من نسخه. نعم، ما زلنا في الأساس نفعل الشيء ذاته، ولكن لا يتوجب علينا ذلك. لذا، إن كنَّا سننقل كل شيء إلى الإنترنت، فلنفعل ذلك على الأقل بطريقة صحيحة».
المصدر: ساسة بوست
بتوقيت بيروت