نشر موقع «موندويس» الذي يعرف نفسه على أنّه موقع مستقل، ويعمل على تثقيف القراء حول تطورات العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية، وما يتعلق بها في السياسة الخارجية الأمريكية، تقريرًا يستعرض دراسة لـ100 ألف عنوان في أهم خمس صحف أمريكية، واعتمدت الدراسة على شريحتين من المعلومات: الأولى شريحة العناوين التي تدل على الطرف الفلسطيني، والثانية تدل على الطرف الإسرائيلي.
وكانت خلاصة نتائج الدراسة التحليلية للعناوين، كما يلي:
1. منذ عام النكسة 1967، انخفض استخدام كلمة «احتلال» بنسبة 85% لعناوين الشريحة الثانية، و65% من الشريحة الأولى، كما انخفض استخدام «اللاجئين الفلسطينيين» بنسبة 93%.
2. ارتفعت الإشارة إلى المصادر الإسرائيلية على أنّها فلسطينية بنسبة 250%.
3. تضاعف عدد العناوين في الشريحة الثانية أربعة أضعاف الشريحة الأولى.
4. تظهر الكلمات التي لها دلالات العنف مثل «الإرهاب»، ثلاث مرات أكثر من مصطلح «الاحتلال» في الشريحة الأولى.
5. نادرًا ما تظهر العناوين التي تشير إلى المستوطنات الإسرائيلية في الشريحتين.
6. منذ عام 1967، ظهرت «شرق القدس» دلالة مميزة على المدينة المحتلة من إسرائيل عام 1967، 132 مرة فقط.
7. صنفت الدراسة صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» على أنّها الأكثر تصديرًا للصورة السلبية عن الفلسطينيين، يليها «وول ستريت جورنال»، ثم «شيكاغو تريبيون»، و«واشنطن بوست» وأخيرًا «نيويورك تايمز».
8. انخفضت تغطية الصراع انخفاضًا كبيرًا في النصف الثاني من الخمسين عامًا الماضية.
ويذكر التقرير أنّه بعد 11 سنة من حصار غزة، تعتبر تغطية الحصار قليلة بالنسبة للمواضيع الأخرى، كما أنّه كلمة «حماس» تعتبر من العشر كلمات الأوائل المستخدمة في العناوين من الشريحة الأولى.
التقرير المشار إليه يعتمد منحى التحليل الكمي للعناوين، من خلال استخدام أدوات علوم البيانات، لاستخراج السرديّات التي يحاول الإعلام الأمريكي تصديرها للرأي العام.
الخطاب الإعلامي الأمريكي يمر عبر 5 «فلاتر» أساسية!
وفقًا لنظرية البروباجندا في صناعة الخطاب الإعلامي، التي ذكرها المفكر الأمريكي، نعوم تشومسكي، في كتابه «Manufacturing Consent»، وتحليل الآليات التي تعمل بها ماكينات الإعلام الأمريكية؛ فإن الخطاب الإعلامي يمر عبر خمسة «فلاتر» أساسية، هي التي تحدد مضمونه:
1. الملكيّة: من يملك ماذا؟ وكيف يحقق ذلك مزيدًا من الأرباح؟
2. الدعاية: تكلف ماكينة الإعلام أكثر مما تجنيه مما يدفعه المستهلك من اشتراكات. فمن يملأ الفجوة؟ شركات الدعاية، وشركات الدعاية تدفع لكسب الجماهير.
3. التنظيم: كيف تُدار وسائل الإعلام، وما علاقة ذلك بالحكومات، أو المؤسسات؟ ويؤكد تشومسكي أنّ العقلية الإدارية التي تعمل في وسائل الإعلام هي: إذا تحديت السلطة، ستخرج!
4. وضعية الدفاع: عندما لا تنال التغطية إعجاب مالكيّ شركات الإعلام، تعمل ماكينة الدفاع الإعلامية لإزالة الثقة عن بعض المصادر، وتحويل النقاش لزوايا أخرى.
5. العدو المشترك: عادة ما تُعرّف هذه الوسائل نفسها بوجود عدوها المشترك، كالشيوعيّة على سبيل المثال، والإرهاب، والمهاجرين، وغيرهم.
وبالتالي فإن كل الأخبار التي تنشر وفقًا لهذه «الفلاتر» وأهواء مالكيها تؤثر بدرجة بالغة في استيعاب الناس لما يحدث حولهم وحول العالم، وبالتالي تؤثر في موقفهم تجاه تلك القضايا، ونهج تفكيرهم فيها، وردود الأفعال تجاهها، فالإعلام هو أكبر ماكينة لصنع الرأي العام حاليًا.
«الإعلام الموضوعي».. الذي يتحكم في معظمه رجلٌ واحد
إن موضوعية تناول مؤسسات الإعلام الكبرى للإعلام أمر مشكوك فيه بشكل كبير، ويمكن التدليل على ذلك بمؤسسة «نيوز كوربوريشن».
يُصنف روبرت مردوخ في الإعلام الغربيّ على أنّه أحد أقطاب الإعلام، فسيرته العملية في مجال الإعلام ومؤسساته كبيرة بين أستراليا، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية. اذ انطلقت مسيرة مردوخ الإعلامية مع والده في أستراليا، وبعد وفاة والده انتقل إلى بريطانيا ومن ثم إلى أمريكا، وفي عام 1973 اشترى «نيويورك بوست»، وبعدها عاد إلى بريطانيا ليبدأ بمشروع «الصنداي تايمز». عُرف عن مردوخ أنّه لا يدعم حزبًا واحدًا فقط، وإنما يتشكل دعمه السياسي بحسب مصلحة أعماله، ففي الثمانينات قدّم مردوخ دعمه لحزب المحافظين البريطانيين في الانتخابات البرلمانية، ليتحول دعمه في التسعينيات لحزب العُمال داعمًا توني بلير.
يملك مردوخ شركة الإعلام الجماهيرية «نيوز كوربوريشن»، إذ تمتلك أكثر من 175 صحيفة عالمية، ما يتضمن «نيويورك بوست»، وصحيفة «وول ستريت جورنال»، واللتين تعتبران من أوسع الصحف انتشارًا في أمريكا؛ كما يملك سلسلة فوكس نيوز، والتي يرأس نسختها العربية، منصور بن زايد آل نهيان، من مقرها الرئيسي في أبوظبي.
وصفت مجلة «الإيكونوميست» مردوخ، بأنّه مُخترع الصحافة الشعبية الحديثة، إذ وسع مجالها للصحافة الرياضية، وتغطية فضائح المشاهير، واعتمد في صياغة عناوين المقالات على الطريقة الجذابة.
ويُظهر مردوخ دعمه العلني والصريح لإسرائيل، ففي خطابه أُثناء فعالية الاتحاد المسيحي الإسرائيلي قال: «إسرائيل هي الحليف الأكبر للديمقراطية، في منطقة مليئة بالتطرف. أصبحت إسرائيل معيارًا للأمل والعدل (دولة وشعبًا)، وأعداؤها هم أعداؤنا، الذين يمجدون الموت، والذين يريدون فرض عقيدتهم الدموية عن طريق العنف». وقبل ما يقارب العام، استضاف مردوخ، محمد بن سلمان في بيته، أثناء رحلته إلى أمريكا، والتي تضمنت زيارات عدة.
أسس مردوخ قناة «فوكس نيوز» الأمريكية عام 1996، وعيّن عضو الحزب الجمهوري روجر آيلز، وأصبحت القناة الأكثر حضورًا بنسبة 81% من المشتركين في القناة، يقول أحد المراسلين السابقين في القناة، والذي فضّل عدم إظهار اسمه، في وثائقي عملت عليه «بريف نيو فيلم»: «أعتقد أنّه إذا لم يتماش الصحافيّ مع العقلية الهرمية في نيويورك، وإذا حاول إظهار رفضه بعض السلوكيات، سيصبح في ذكرى التاريخ».
اعتمدت قناة «فوكس نيوز» في عملها على الصحافة الاختزالية، وتقديم الأفكار الجاهزة للمشاهد، من دون إظهار آراء مختلفة وإحداث التساؤل عند المشاهد، ويذكر ديفيد بروك المستشار السياسي الأمريكي: «موردوخ لا يؤمن بالموضوعية، ويعتبر عمله ازدراءً للصحافة، ففوكس نيوز تريد جميع الأخبار أنّ تكون آراءً مقدمة من قبل الضيوف، لأنّه لا يمكن إثبات أن هذه الآراء خطأ. وأعتقد أنّ هذا خطير لأنّ الناس أصبحوا لا يملكون حقائق يمكنهم قبولها والوصول إلى اتفاق»، كما يُخبر لاري جونسون والذي عمل في «فوكس نيوز» سابقًا بأنّهم استقبلوا مرسومًا يأمر الصحافيين بوصف التفجيرات في إسرائيل على أنّها «تفجيرات قاتلة»، والتوقف عن استخدام «تفجيرات انتحارية». وأن قناة «فوكس نيوز» تتعمد استضافة أشخاص ضعيفين في مجالاتهم ولا يمكنهم تقديم حججًا قوية عن بعض القضايا، مما يسمح للمضيف توجيه المقابلة كما يشاء.
وعلى جانب آخر، صنّفت صحيفة «ألجيمينر» مردوخ على أنّه من الشخصيات الإيجابية العشرة التي تؤثر في مستقبل اليهود، مع العلم أن الصحيفة أحد المشروعات الإعلامية لمؤسسات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا.
تبدو منظمة المشروع الإسرائيلي شبكة إعلام ومعلومات رئيسية تمُد بقية الشركات الضخمة بالمعلومات، بالكيفية التي تراها هي. وأُسست منظمة المشروع الإسرائيلي «تيب» عام 2002، وتُعرّف المنظمة نفسها على أنّها منظمة تعليمية غير حزبية، تهدف لتكون مصدرًا للإعلام والشأن العام عن إسرائيل والشرق الأوسط، وأنّ تصبح أيضًا حليفًا استراتيجيًّا للإعلام الأمريكي؛ عن طريق توفير المعلومات والمصادر للصحافيين، وما يحتاجونه لتقديم تغطية موضوعية.
في عام 2014 سُربت وثيقة للمنظمة عنوانها «المعجم اللغوي العالمي»، وهو ملف غير قابل للنشر أو التوزيع، ويحتوي هذا الملف دليلًا على آليات التواصل للعاملين في مجال الإعلام، ويتضمن تفاصيل الكلمات المناسبة وغير المناسبة للاستخدام في الإعلام، بالإضافة إلى كيفية صياغة العبارات، وما هي المشاعر التي تريد المنظمة تصديرها للشعب الأمريكي من خلال خطابهم، مثل خطاب السلام، والأمل، والمستقبل، والتعاون مع الشعوب، وأنّ إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإنّها الحليف الأقوى للولايات المتحدة الأمريكية.
يذكر جيم كلينسي، المراسل الأول لقناة «سي إن إن» في الشرق الأوسط، والذي استقال من عمله بعد مسيرة 34 عامًا بسبب انتقاده صحيفة «تشارلي إيبدو» وقوله بأنّ آثار الهجمة الإرهابية كانت نتاج تأييد الصحيفة لإسرائيل: «منظمة تيب تتواصل مع الصحافيين وتقترح لهم الخطوط التحريرية في ما يخص إسرائيل والشرق الأوسط، وتقترح الضيوف؛ وهذا ليس عملًا صحافيًّا وإنما بروباغندا»، ويضيف كلينسي: «إذا لم يعجب أي تقرير صحافي منظمة تيب أو الحكومة، سيقومون بالضغط على المؤسسات الإعلامية».
وتجدر الإشارة إلى أن الوثائقي المُسرب عن «الجزيرة»، والذي يوثق منظمات وآليات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا، قد ظهر فيه إريك جالاهار صديق العمل السابق لجوش بلوك الرئيس التنفيذي لمنظمة «تيب»، والذي قاله عنه: «كان بلوك الرجل الأول في آيباك، وكان يظهر ما يشاء (إظهاره) في الواجهة الرئيسية لصحيفة واشنطن بوست».
يمكن القول إنه بالعودة إلى نتيجة الدراسة التي نشرها موقع «مونديوس»، يمكننا استنتاج أن الإعلام يُعيد صياغة هوية الفلسطينيين والإسرائيليين وصراعهم كما يحلو له، أو بالأحرى كما يحلو لمالكيه وصانعيّ القرار فيه، وهم غالبهم من المؤيدين لإسرائيل. وتشير نتيجة الدراسة أيضًا إلى أن كل تلك العناوين والطرق التي تطرح بها القضايا المتعلقة بإسرائيل وفلسطين كما نراها الآن؛ ليست مصادفةً أبدًا، كما أنها لا تعبر كذلك عن حقيقة الوضع كما يقرها التاريخ أو الفلسطينيون.
فكما قال شيمون بيريز، الإعلام وطريقته في تناول الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل هو أداة قوة قديمة لطالما استخدمتها إسرائيل، حتى وصلت إلى نفوذها القوي الذي نشهده الآن. وإذا فكرنا كيف يكون وعي جيل الألفية الثانية بالصراع العربي الإسرائيلي في ظل ماكينة الإعلام الضخمة هذه، ومصطلحاتها المُزيِفة لطبيعة الصراع؟ يمكننا افتراض أن أكثر ما يؤمن به هذا الجيل على أنه الحقيقة؛ هو في واقع الأمر ما تخبرهم به وسائل الإعلام الموجهة.
المصدر: ساسة بوست