لم يعد خافياً أن أحد أهم منابع القلق الإسرائيلي من إيران يكمن في تقدمها العلمي السريع على المستويات كافة. فقد جاء التعبير عن ذلك في أكثر من محطة سابقة على لسان أكثر من مسؤول استخباري وعسكري، من أبرزهم رئيس الاستخبارات العسكرية، «أمان»، اللواء هرتسي هليفي، الذي أوضح في محاضرة مغلقة قبل نحو ثلاث سنوات (تسرَّبَ تسجيلها بالصوت إلى صحيفة «هآرتس») أن إسرائيل تخوض حرباً تكنولوجية مع إيران، وأن الأولى «تتمتع ببعض التفوق حالياً، لكن إيران تلحق بنا بسرعة. لقد تضاعف عدد الجامعات وعدد الطلاب الجامعيين في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 حتى اليوم بنحو عشرين ضعفاً، بينما تضاعفت هذه المعاهد والجامعات في إسرائيل ثلاثة أضعاف ونصف ضعف فقط»، مضيفاً أن «عدد الطلاب الإيرانيين الذين يلتحقون بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وصل إلى حدود السماء».
في هذا السياق، رأى نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء يائير غولان، في كلمة في مؤتمر أمني لـ«معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى» (7/9/2017)، أن «طهران تملك بنية تحتية أكاديمية، وصناعة جيدة، وعلماء جيدين وشباناً يتمتعون بمواهب كثيرة؛ إنهم يشبهوننا جداً، ولذلك هم أشد خطورة.... لن نتمكن من مواجهتهم وحدنا». وفي هذه الأجواء أيضاً، استفز تفاخر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بـ«عقدٍ رائع» خلال كلمة أمام الكنيست (15/10/2018) أحد أهم المعلقين السياسيين في إسرائيل عكيفا ألدار، عندما تحدث عن «عقدٍ من النمو والتعاظم والاستقرار والأمن والازدهار والبناء»، لكنه «تجاهل حقيقة تراجع عدد الطلاب في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل، وهرب الأدمغة خارجها»، وأن «إيران انتزعت من إسرائيل شهادة الريادة في الشرق الأوسط على مستوى الإنتاج العلمي».
ألدار رأى أن هذا التجاهل «لم يكن مصادفة، ربما»، لأنه في حال «ذكر الإنجازات الإسرائيلية التي تثير الحسد في التعليم والعلوم، كان سيجبره ذكرها على التطرّق إلى مرتبة إسرائيل في هذه المجالات قياساً إلى «جاراتها» القريبة والبعيدة»، وخلص إلى التساؤل: «هل خشي نتنياهو الحديث عن نسب القوى بين إسرائيل وإيران في هذه المجالات الحاسمة من ناحية استراتيجية؟». لكن ألدار أوضح في مقالة على موقع «المونيتور» المعطيات التي استند إليها في تأكيده أن إيران انتزعت من إسرائيل شهادة الريادة العلمية في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أنها خسرت لمصلحة إيران المرتبة الأولى في عدد الأبحاث في المجالات البيوكيميائية والجينية وبيولوجيا الجزيئات. وفي الهندسة الكيميائية، انحدرت إسرائيل من المرتبة الأولى إلى الخامسة، وكذلك في الاقتصاد وإدارة الأعمال. كذلك أقصت إيران إسرائيل عن رأس القائمة، فوفق بيانات شركة المعلومات الأكاديمية «سكوبس»، بين السنوات 1996 - 2016، تراجعت إسرائيل من المرتبة الـ18 عالمياً في ناتج الأبحاث إلى المرتبة الـ33، بعيداً تحت إيران التي احتلت الـ16، وتركيا التي صعدت من الـ27 إلى الـ17.
واقتبس ألدار من الاقتصادي البروفيسور مانويل تراختنبيرغ، الذي كان رئيس لجنة التخطيط في مجلس التعليم العالي وعضو كنيست عن «المعسكر الصهيوني»، قوله إن نوعية البحث في إسرائيل أعلى بصورة ملحوظة قياساً إلى المنشورات البحثية لكل «جاراتها» في الشرق الأوسط. مع هذا، أشار تراختنبيرغ إلى وجود خشية من أن تتمكن إيران من سدّ هذه الفجوة لجهة نوعية البحث. وحذّر من أن الاستثمارات الضخمة لإيران في أبحاث الفيزياء والهندسة والكيمياء وعلوم الطيران من المتوقع أن تتحول إلى «تهديد حقيقي».
أمّا عن مستقبل إسرائيل في هذه المجالات العلمية، فكتب الاقتصادي البروفيسور دان بن دافيد، من جامعة تل أبيب، وهو يرأس مؤسسة «شورِش» للدراسات الاقتصادية - الاجتماعية، في «هآرتس» عشية افتتاح العام الدراسي، أن نحو نصف الطلبة في إسرائيل - أبناء الوسط الحريدي والوسط العربي - يحصلون على تعليمٍ بمستوى دول نامية. وطبقاً لقوله، عندما يكبر هؤلاء لن يستطيعوا تحقيق اقتصاد إلا بالمستوى الموجود في العالم الثالث، وهو اقتصاد لا يمكنه المحافظة على جيشٍ من العالم الأول، «وهذا شرط ضروري لوجود إسرائيل في هذه المنطقة الأعنف على وجه البسيطة». وفي ما يتعلق بتعليم المرأة، لفت البروفيسور بن ديفيد إلى أنهم في إيران يشجعون دخول النساء في المجالات العلمية، وفي إسرائيل يقترحون على تلميذات المتوسط الاكتفاء بدروس تعزيز المرأة، مشيراً إلى أن فتيات من مدرسة في كفارسابا لم يُسمح لهن بالمشاركة في برنامج مخصص للتلامذة المتميزين في العلوم (تشرين الأول/ أكتوبر 2018).
المصدر: الاخبار