الاقتصاد المقاوم في مواجهة العقوبات الأميركية
د.أيمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
طهران
تتمتع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ببناء مؤسسي متماسك ذو ثقافة وطنية، وتماسك عسكري وأمني واقتصادي استراتيجي، وبيئة شعبية ذات انتماء وطني تفضّل المصلحة العامة على مصلحتها الشخصية، وحاضنة لمبادئ النظام. وتمتلك إيران ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مع استبعاد تركيا خارج تصنيف الشرق الأوسط وفق منظور البنك الدولي). حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي في عام 2016 حوالي 412.2 مليار دولار، وتراوح بين 427 و440 مليار دولار بنهاية العام 2017 باختلاف التقديرات. ومن ميزات الاقتصاد الإيراني التنوع في مجالات الإنتاج. تشكل صناعات المواد الغذائية والمشروبات حوالي 16 % من الناتج المحلي الاجمالي، وصناعة الالات والمعدات الصناعية حوالي 17.10% من الناتج الاجمالي. تؤمن الزراعة ما نسبته 12% من الناتج المحلي، و23 % من الصادرات غير النفطية، و82 % من المؤن الغذائية للاستهلاك في الداخل، و90 % من المواد الغذائية الأساسية للصناعات. وتحتل إيران الدرجة ما بين الرابعة والعاشرة في العالم في إنتاج الزنك والكوبالت، والدرجة الأعلى في العالم في مصادر الألمنيوم والمنغنيز والنحاس، والدرجة الرابعة في العالم من ناحية تنوع منتجات المحاصيل الزراعية. كما أنها تحظى بالمرتبة الاولى في زراعة الفستق والزعفران. وتُعدّ إيران من الدّول الغنية بالنّفط والغاز: فهي الرابع في العالم في انتاج النفط الذي يشكل 10% من انتاج العالم، والثاني في العالم في مصادر الغاز الذي يشكل 15% من احتياطي العالم. وتنتج إيران 4 ملايين برميل يوميا أكثر من نصفها يصدّر إلى الخارج فيما تذهب الكمية الباقية للاستهلاك المحلي. ويشكل النفط سلعة التصدير الأولى في إيران، ويمثّل ما بين 80 إلى 90 % من الصادرات الإيرانية. وإن عائدات صادرات النفط الايرانية المقدّرة بنحو 50 مليار دولار اميركي هي أوكسجين الشعب الايراني. واعتباراً من عام 2010، تمثّل عائدات النفط 80٪ من عائدات إيران بالعملات الأجنبية و 60٪ من الميزانية العامة للبلاد. وتعتبر السّيارات ثاني أضخم قطاع صناعيّ في إيران، حيث تُعد إيران ثاني أضخم مُنتج للسيارات في الشّرق الأوسط، وأحد أشهر شركات السّيارات الإيرانية هي إيران خودرو. وفي الصّناعات العسكريّة تسعى إيران للوصول إلى الاكتفاء الذاتي. ويقدّر حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي بما يزيد على 132 مليار و600 مليون دولار، وهو ما يجعلها في المرتبة التاسعة عشرة من بين 175 دولة.
ماهية الاقتصاد المقاوم
ظهر مصطلح الاقتصاد المقاوم للمرة الأولى في العام 2005 خلال الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة. وتم تداوله من قبل مرشد الثورة الإسلامية الإمام علي الخامنئي في العام 2012. إلى أن تم طرحه في 11 آذار من العام 2014 كنظرية اقتصادية متكاملة متفردة عن باقي نظريات وفلسفات الاقتصاد الغربي. وقد قدّمت إيران هذا النموذج بعد تدهور اقتصادها بسبب العقوبات الغربية. يقوم الاقتصاد المقاوم على عشرة مرتكزات وهي :الأولى هي خلق الحيوية والنشاط في اقتصاد البلاد وتحسين مؤشراته الكبرى والثانية القدرة على مقاومة العوامل المهددة والثالثة الاعتماد على القدرات المحلية والرابعة هي المنحى أو العقيدة الجهادية والخامسة مركزية العنصر البشري أو الحاضنة الشعبية، والسادسة تأمين المواد الأساسية والاستراتيجية والسابعة تقليص تبعية الاقتصاد للنفط والثامنة إصلاح نمط الاستهلاك، التاسعة محاربة الفساد، والعاشرة وهو الخيط الناظم للسياسة المقاومة وهي مسألة المحورية العلمية.
فالاقتصاد المقاوم يقوم على المعرفة والثقافة والتقدم العلمي لبناء اقتصاد متين والوصول إلى آخر التقنيات التكنولوجية والعلمية في العالم لفك الارتباط بالعالم الخارجي وبالتالي التخفيف من تأثير العقوبات. ويسعى إلى بناء قاعدة انتاجية، ثمّ الاستغناء عن الريع، والاعتماد على الطاقات الذاتية والبشرية ودفع وتحريك اقتصاد البلاد من خلال زيادة النمو الاقتصادي والانتاج الوطني وايجاد فرص عمل وخفض مستوى التضخم وتأمين الرفاهية للمجتمع. وبسبب العقوبات، فإن الاقتصاد المقاوم يوجّه الثقافة الشعبية في الاستهلاك إلى عدم الاسراف والهدر وتجنّب المصاريف الكمالية وإصلاح نموذج الاستهلاك وذلك للتقليل من الاعتماد على الواردات الأجنبية. ومن أهداف هذا الاقتصاد إحياء ودفع عجلة الصناعات الداخلية والمكافحة الجدّية والواقعية للفساد والتهريب والمحسوبيات، ترشيد استهلاك الطاقة والاستفادة القصوى منها وإيلاء الاهتمام الخاص بالصناعات المتوسطة والصغيرة.
وتلعب الثقافة الوطنية وبسيكولوجية الشعب الإيراني دوراً محورياً في الاقتصاد المقاوم عبر بثّ روح الجهاد والقناعة والاقتصاد في النفقات، وتحريك الوجدان الوطني للشعب الإيراني الذي أثبت أنه محب للعمل مخلص في أدائه ويمتلك مهارات وكفايات إنتاجية عالية، ومقاوم لشتى أنواع الغزو والحروب. والاقتصاد في النفقات بتجنب شراء الكماليات والسلع الغالية الثمن إن لم يتم توفيرها في الإنتاج المحلي.
ويتضمن الاقتصاد المقاوم إصلاح بنية النظام المصرفي عبر التحكم في تقلبات سوق النقد من خلال خطة لزيادة مؤثرة للبنك المركزي بهدف التفاعل مع تطورات السوق وتجنّب إيجاد فرص المضاربات، وكذلك استكمال نظام تبادل العملات بصورة موجهة من قبل المصرف المركزي من خلال محاربة السماسرة ومضاربي العملات، ومحاولة فك الارتباط بالدولار الأميركي عبر عقد اتفاقيات ثنائية لتسوية المدفوعات الدولية عبر العملات المحلية، ودعم آليات تغطية مخاطر تقلب العملات، واستقرار مستوى الجودة في التعاملات المصرفية، ودعم العلاقات المصرفية الدولية لتنويع مصادر العملات وزيادة الاستفادة من البطاقات المصرفية الدولية وشهادات الاعتماد المستندية.
إن نظرية الاقتصاد المقاوم لها مقوّمات داخلية نابعة من فلسفة ومبادئ النظام الإيراني، ومحركها هو طبيعة الشعب الإيراني وقدراته الذاتية وإمكانياته الكامنة. فهل سينجح في كبح ومكافحة العقوبات الأميركية والغربية لامتلاكه عوامل نجاح ذاتية؟؟ أم أن ميكانيزمات الاقتصاد الغربي ما زالت هي الأقوى والمسيطرة عالمياً؟؟
المصدر: موقع النهار