علي يحيى الاخبار ــ أعاد ظهور أمين عام «الحركة الإسلامية» في نيجيريا، إبراهيم زكزكي، الزخم إلى هذه القضية التي لفّها الكثير من الغموض منذ اعتقال الرجل قبل عامين. ومع تجدد الاحتجاجات المطالبة بالإفراج عنه داخل نيجيريا وخارجها، تتجه شخصيات أفريقية إلى إحالة الملف إلى المحاكم الدولية، في محاولة لتصعيد الضغوط على «جناح الصقور» الذي يرفض إلى الآن الاستجابة لمطالب القضاء بإطلاق سراح الشيخ.
«لأول مرة سمحت لي قوات الأمن بلقاء طبيبي الخاص، وهو الذي عالجني، بينما اعتدت أن يتم علاجي سابقاً من قبل أطباء معينين من السلطات الأمنية». تلك كانت كلمات قليلة نطق بها أمين عام «الحركة الإسلامية» في نيجيريا، الشيخ إبراهيم زكزكي، قبل أيام. كلمات كسرت جداراً من الصمت ما فتئ يرتفع حول حقيقة مصير الرجل، التي ضاعت في خضم الغموض الذي خلقته السلطة السياسية في العاصمة أبوجا، بتحريض من بعض «العسكاريتاريا» وبعض حكومات المحافظات الفيدرالية، حتى سرت إشاعات عن وفاة زكزكي في معتقله.
للمرة الأولى منذ «مجزرة السبت الأسود» التي شهدتها مدينة زاريا في ولاية كادونا النيجيرية في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2015 (راجع عدد الأخبار 2766)، أطلّ الشيخ يوم السبت الماضي في تسجيل مصور، وهو متكئ على عصاه، وحول عنقه «رقبة طبية»، هي نتيجة الإصابات التي تعرض لها خلال المجزرة، والتي أفقدته النظر في عينه اليسرى أيضاً.
سمحت السلطات النيجيرية لـ«قسم مختار من الصحافة» بطرح أسئلة محددة ومختصرة على زكزكي خلال مرافقة الأمن له لتلقّي العلاج في أحد مستشفيات العاصمة، وكذلك بنشر أجوبة منتقاة. خطوة عدّتها «الحركة الإسلامية» ناقصة، كونها لم تتح معرفة وضع زوجته الصحي داخل السجن.
تضارب الأحكام
ترى الحركة أن محاولة السلطات تنفيس الاحتقان «أقل بكثير من التوقعات بحريته الكاملة وغير المشروطة، والتي أمرت بها المحكمة العليا الفيدرالية في أبوجا»، بعدما رفض القاضي غابرييل كوفولا، في وقت سابق، الاعتقال «المخالف للقانون»، مصدراً قراره بتسليم زكزكي وزوجته خلال 45 يوماً للشرطة لتوفير مكان آمن له، ومحذراً من أنه «في حال وفاته، فإن هذا يمكن أن يتسبب بتوتر في البلاد ومقتل العديد من الأبرياء».
كذلك أصدر كوفولا حكماً طالب فيه الأجهزة بدفع 50 مليون نايرا (150 ألف دولار) كتعويض لأسرة زكزكي. وقد دعمت وزارة الاستخبارات حكم القاضي بدعوتها إلى إطلاق سراح زكزكي. لكن من جهتيهما، رفض الجيش والحكومة المركزية القرار الذي جرى الالتفاف عليه عبر اتفاقية ثنائية بين النائب العام وسلطات ولاية كادونا، التي تجاهر بدورها بالعداء الصريح لـ«الحركة الإسلامية» (حظرت مجرد الانتماء إليها تحت طائلة الحكم بالسجن لمدة 7 سنوات).
تنازع الإرادات وتضارب الأحكام يفسرهما الناطق باسم الحركة إبراهيم موسى، في تصريح إلى «الأخبار»، مشيراً إلى أنه «حتى داخل حكومة أبوجا، نعلم بوجود وزراء مقتنعين ببراءة الشيخ زكزكي والحركة التي لا تملك السلاح، ولم يسجل ضدها أيّ هجوم مسلح منذ 39 عاماً، من تهمة المحاولة المزعومة لاغتيال توكور بوراتاي. لكن ما يعرقل الإفراج هو جناح الصقور القوي جداً داخل الحكومة والإدارة الحالية، وهؤلاء مهتمون بإبقائه بعيداً عن الرأي العام».
سيناريو عودة الاحتجاجات
«ندعو الحكومة الاتحادية لإطلاق سراح قائدنا كي يلقى الرعاية اللازمة بعد تدهور حالته الصحية». بيان واحد صدر عن «الحركة الإسلامية» في السابع من الشهر الجاري كان كفيلاً بإعادة تزخيم الاحتجاجات على اعتقال الشيخ. عمّت التظاهرات السلمية 32 مدينة كبرى في نيجيريا، بما فيها العاصمة أبوجا. لكن السلطات تصدّت للمتظاهرين بالقوة، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم في ولاية كادونا، وإصابة آخرين، بينهم الشيخ قاسم عمر سوكوتو أحد وكلاء زكزكي، في العاصمة، فضلاً عن اعتقال 8 آخرين، بينهم عمار محمد، أحد مراسلي الحركة.
ممارسات يرى مصدر مسؤول في الحركة أنها «تستهدف كسر إرادتنا وتحويل الاحتجاجات نحو العنف»، مؤكداً «وجود تقارير كلفت بموجبها السلطات عدداً من مواليها بإثارة الشغب عبر حرق الإطارات والممتلكات وبث الإشاعات أيضاً».
تدويل القضية
لم تقتصر الاحتجاجات الحالية على الساحة النيجيرية، بل امتدت لتشمل النيجر وتشاد والكاميرون حيث تتمتع «الحركة الإسلامية» بحضور قوي. كذلك، شهدت أنقرة خروج مئات المتظاهرين الذين داسوا الأعلام الأميركية والبريطانية والإسرائيلية ودعوا إلى الإفراج الفوري عن الشيخ. وفي باكستان وكشمير وأندونيسيا خرجت أيضاً تظاهرات مماثلة طالبت بإطلاق سراح زكزكي.
جاء ذلك في وقت أعلن فيه الشيخ حمد كمال الدين أبو بكر (من غانا) عن مشروع لتدويل قضية الشيخ زكزكي، كاشفاً عن تشكيل شبكة من المحامين من جميع الدول الأفريقية لرفع القضية إلى المحاكم الدولية. وفي هذا الإطار، أفادت صحيفة «بريميوم تايم» النيجيرية بتقديم «اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان» ــ مقرها لندن ــ ملفاً لمحاكمة الرئيس النيجيري محمد بخاري، ورئيس أركان الجيش الجنرال توكور بوراتاي، أمام محكمة الجنايات الدولية.
شيخ «الحركة السمراء»
تعرض الشيخ إبراهيم زكزكي للعديد من محاولات الاغتيال، بعض منها في أعوام 1999، و2007، و2015. فَقَد عينه، وأصيبت زوجته (التي اعتقلت معه)، وقُتل 6 من أبنائه (خلال مجزرتي «السبت الأسود»، ويوم القدس العالمي). كذلك قُتلت أخته وابن أخيه، وجُرفت أضرحة والدته وأولاده، وسُوّي منزله بالأرض.
يقول الناطق باسم «الحركة الإسلامية»، في حديثه إلى «الأخبار»، إن الحركة «قدمت 1240 ضحية على طريق القدس منذ عام 1982، سقطوا خلال هجمات عديدة شُنّت ضدهم من أطراف عديدة: من القوات النيجيرية تارة، ومن تيارات سلفية محسوبة على السعودية تارة أخرى، وأيضاً من التنظيم الوليد (بوكو حرام) الذي تبنّى تفجيراً سنة 2014 قُتل فيه 32 من أنصار الحركة على الطريق الرابط بين كانو وزايرا».
يصف إبراهيم موسى الحركة بأنها «الجسم المقاوم الوحيد في أفريقيا»، معرباً عن «(أننا) نفتخر بانزعاج السفير الإسرائيلي في نيجيريا من نشاطاتنا، خصوصاً تلك المتعلقة بيوم القدس». ويشير إلى «أننا نعتبر أنفسنا أقرب لمحور المقاومة»، مؤكداً عدم امتلاك حركته للسلاح باعتبارها حركة غير عسكرية.