الموضوع: شرح مواقف الإسلام والسياسات المستقبلية الإيرانية
التاريخ: 18 دي 1357 هـ. ش./ 9 صفر 1399 هـ. ق.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
المحاور: مراسل صحيفة تايمز الإنجليزية
سؤال- أود معرفة طفولتكم وعملكم فيها ونبذة عنها والسبيل الذي سلكتموه وهذه العقيدة. وما هي المثل والقيم المهمة لكم؟ ولأني مسيحي لا أعرف الكثير عن ثقافتكم. سيكون أول أسئلتي هي ما هي ايديولوجيتكم؟ أين وكيف تلقيتم هذه الإيديولوجيا؟ وكيف ستطبقونها؟ وتحت عنوان سؤال إضافي أرجو أن توضحوا لي طبيعة عملكم بإيجاز؟
الجواب: حياتي الخاصة كحياة جميع الناس وهي مكونة من مجموعة الحوادث التي تحصل في العالم، ولا أرى حاجه إلى شرحها وتوضيحها، وأفكاري و أفكار جميع المسلمين هي ما جاء في القرآن الكريم وأوضحها الحق رسول الإسلام (صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلمْ) وأئمة الحق بعده، وأهمها التوحيد الذي هو أصل جميع تلك الأفكار القيمة جداً.
وبناء على هذا الأصل نعتقد بأن خالق ومبدع العالم وجميع الوجود والإنسان هو الله المقدس- سبحانه وتعالى- الذي يعلم بكل الحقائق والقادر على كل شيء ومالك كل شيء. وهذا الأصل يعلمنا أن الإنسان يجب أن يسلم لله- جل وعلا- الحق ويجب أن لا يطيع إنساناً، إلا إذا كانت طاعته لله، فليس للإنسان الحق أن يجبر الآخرين على التسليم والخضوع له.
ونحن نتعلم من هذا الأصل التوحيدي حرية البشر، فلا يحق لأحد أن يحرم انساناً أو مجتمعاً أو شعباً الحرية، أو أن يضع له قانوناً أو أن ينظم ويحدد علاقاته وتصرفاته استناداً إلى فهمه ومعرفته الخاصة التي تكون ناقصة وضعيفة أو بناء على مثله ورغباته.
وبناء على هذا الأصل نعتقد بأن واضع القوانين للناس هو الله- سبحانه وتعالى- وحده، فهو الذي أقر قوانين الوجود والخليقة. وسعادة وكمال الإنسان والمجتمعات مرهونة باطاعة الأوامر والنواهي الإلهية التي بلّغها الأنبياء الناس، وسبب انحطاط البشر هو سلبهم الحرية وإخضاعهم لناس آخرين.
فيجب على الإنسان أن يثور على هذه القيود وسلاسل الأسر والذين يدعون الى الخنوع والذل، ويحرر نفسه ومجتمعه حتى يخشع الجميع لله ويصبحوا عباداً له. ومن هنا يبدأ كفاحنا الإجتماعي للقوى الاستبدادية والاستعمارية الظالمة مستمدين إلهامنا من ذاك الاصل العقيدي التوحيدي الذي يكون فيه جميع الناس سواسية عند الله. خالق الجميع وهم خلقه وعباده. وهذا هو أصل المساواة والتساوي بين البشر ومقياس تفاضلهم هو التقوى، وهي الطهارة والبعد عن الانحراف والخطأ.
وعلى هذا الأساس تجب مكافحة كل شيء يخل بمبدأ التساوي في المجتمع يحكّم فيه دعاوى جوفاء لا مضمون لها.
هذا أول القضية وتوضيح جانب يسير من هذا الأصل من أصولنا العقيدية، ومن أجل توضيح واثبات كل بحث من البحوث الإسلامية كتب العلماء والمفكرون في تاريخ الإسلام كتباً ورسائل مفصلة.
سؤال- أريد أن أمتلك القدرة على أن إدراك هذا التناقض المشهور بين قيادتك الدينية والسياسية كيف أدت سياسة الشاه إلى نفيكم؟ وماذا فعلت حكومات الشاه حتى دفعتكم إلى المعارضة؟ إني أراك تقف كالطود وسط هذه التيارات والأحداث المهلكة والجارفة، إنكم قاعدة في وسط الأحداث العابرة. ومن هنا فإنني لا أعتقد بأنه من الصحيح أن أصفكم بأنكم شخصية ثورية، ما قوة تأثيركم في الأحداث التي مرت وكيف تنظرون الى هيمنتكم على هذه الأحداث؟
جواب: اذا استطعت أن تفهم وتدرك مفهوم الدين في ثقافتنا الإسلامية ترى بوضوح أنه لا تناقض بين القيادة الدينية والسياسية، بل إن النضال السياسي هو جزء من الوظائف والواجبات الدينية والمذهبية، كما أن القيادة وتوجية النضال السياسي هو جزء من مهام ومسؤوليات القائد الديني.
ويكفيك أن تنظر إلى حياة رسول الإسلام الأكرم (صلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلمْ) وحياة الإمام علي- عليه السلام- والذين كانوا قادة دينيين وقادة سياسيين.
وهذه القضية هي من القضايا الواضحة جداً في في ثقافة الشيعة، وكل مسلم شيعي يعتبر وظيفة القائدة سياسية ودينية حتى يتدخل مباشرة في المصير السياسي والاجتماعي للمجتمع، ويقوم بالواجب الإرشادي والتوجيهي.
هناك اختلاف كبير بين مفهوم الدين والقيادة الدينية في الثقافة الإسلامية ومفهومهما في ثقافتكم، فالدين فيها هو علاقة معنوية خاصة بين الإنسان والله.
ومن هذا المنطلق ابتلي الإسلام منذ ظهوره بإساءة الانظمة الحاكمة في المجتمع، وخضع لنظام خاص اجتماعي واقتصادي وثقافي، حيث أنه تم وضع قوانين خاصة تشمل جميع شؤون الحياة الفردية والاجتماعية لا يقبل بسواها من اجل سعادة المجتمع. وإن دين الإسلام في الوقت الذي يطلب فيه من الإنسان أن يعبد الله وكيف يعبد الله يقول له أيضاً كيف يعيش وكيف ينظم علاقاته مع البشر، وكيف يجب أن يقيم المجتمع الإسلامي العلاقات مع المجتمعات الأخرى. فليس هناك حركة أو عمل لفرد أو مجتمع إلا وكان دين الإسلام قد أقر له حكماً. فمن الطبيعي أن يكون مفهوم القائد الديني والتدين تحت زعامة العلماء الدينيين في شؤون المجتمع المختلفة، وذلك لأن الإسلام اخذ على عاتقه إرشاد وهداية المجتمع في جميع المناحي والمجالات.
وأما لماذا ثار اليوم علماء الدين على نظام الشاه وحكوماته، فهذا أصبح جلياً لكم.
يقول الإمام علي (عَليهِ السَلام): (لو لا ما أخذ الله على العلماء ان لا يقارّوا على كظة ظالم او سغب مظلوم ...)1. وهذا الشاه وأعوانه على الرغم من الفقر المدقع وطاقات شعبنا المنهارة، فقد استأثروا لأنفسهم بمليارات الدولارات من ثروات البلاد.
وكذلك: (إذا ظهرت البدع في الدين، فعلى العلماء عندها أن يظهروا علمهم وأن لا يدعوا الحيل والخدع وأكاذيب أصحاب البدع تؤثر في الدين والشعب وتحرفهم. وهذا الشاه هو الذي حرف الدين الإلهي بمختلف الأكاذيب والحيل، وفرض هو وأعوانه مطالبه الشيطانية على الشعب الإيراني المظلوم على أنها قوانين منسجمة مع الإسلام، كما أنه زور الحقائق والأحداث.
وعلى العلماء الدينيين والمذهبيين أن يظهروا للشعب الصورة الحقيقية له. مثلًا لاحظوا أن الشاه قد دمر زراعتنا، وجعل الدولة تابعة للخارج في المواد الغذائية، وما زال حتى الآن يفتخر بإصلاحاته الزراعية، أليس هذا تمويها وتزويراً؟
أو مثلًا يستخرج النفط الإيراني بالمقدار الذي يستطيع، ويبني للأجانب بأموال ذلك النفط قواعد عسكرية.
أو بحجة تصنيع البلاد (صناعة تجميعية) بالإستثمارات الأجنبية دون النظر للأحوال الإقتصادية للبلد، فحول إيران إلى سوق استهلاكية للبضائع الكمالية هادراً ثروة البلاد، وهو يدعي تحضيرها أيضاً.
وإن مئات الخدع والخيانات الأخرى تجعل القيام بالثورة واجباً على كل مسلم والعلماء الدينيين والمذهبيين الذين يجب أن ينقذوا أنفسهم وشعبهم من هذا الظلم.
سؤال- وفيما يخص الوضع الحاضر يجب أن أعترف بأنه من الممكن أن يتم تغيير الوضع تغييراً أسرع مما يمكن أن أتصوره، لقد دعاكم رئيس الوزراء الجديد2 للعودة إلى إيران، في أي حال ستعودون إلى إيران؟
جواب: إن رئيس الوزراء وكل حكومة تصل إلى السلطة في عهد الشاه هي غير شرعية وهي غير معتبرة لدى الشعب الإيراني، وعودتي إلى إيران متوقفة على استطاعتي القيام بواجباتي فيها القيام الأفضل في خدمة الإسلام والثورة للشعب الإيراني، ودعوتهم إياي للعودة وعدمها لا يؤثران في قراري أبداً.
سؤال- أنتم طلبتم من عمال النفط أن يوقفوا إنتاج النفط، فهل حظي طلبكم باستجابة مرضية وشافية؟
جواب: نعم، فطبق التقارير لا يتم استخراج حتى قطرة نفط واحدة، وبعد ذلك أرسلنا هيئة لتأمين الإستهلاك الداخلي، وقد حققنا في هذه القضية، وتمت دعوة مجموعة من العمال لتأمين هذا المقدار، فاستأنفوا عملهم.
سؤال- ألستم قلقين من مشاركة بعض الناس في هذه الثورة بدوافع سياسية استخفاء وراء ما نهضتم من أجله وهم يستثمرون مكانتكم في بلوغ أهدافهم الخاصة؟
جواب: اليوم كل من يبحث في محتوى الثورة الإسلامية ولو قليلًا يرى أنها إسلامية مائة في المائة، وكل من يريد المشاركة في هذه الحرية يجب أن يتكيف معها وإلا يلفظه الشعب. وهناك من يناضلون الشاه أيضاً وهم غير مسلمين، لكن عددهم قليل جداً.
سؤال- هل من شروط تقبلون الشاه في ظلها أو نواباً عنه على رأس السلطة؟
جواب: مع وجود الشاه وخلفائه لا حل للأزمة الإيرانية وليس للشاه سوى التنحي.
سؤال- ما نوع الحكومة التي ترغبون في رؤيتها في إيران؟ هل تطالبون بمثل هذه الحكومة التي تسلمت السلطة في إيران اليوم أو تريدون أن تشاركوا في مثلها؟
جواب: نحن أعلنا الجمهورية الإسلامية وقد صوت الشعب لها بالمسيرات المتكررة، وهي حكومة تعتمد على رأي الشعب، ومبنية على قواعد و معايير إسلامية.
سؤال- بالنهاية هل تفكرون بالمستقبل وماذا سيحصل؟ وهل ستكون الحرب الداخلية حلًا أق- ل ضرراً؟ وهل في الواقع احتمال للسلام؟ وعندما تعود الحياة الى حالتها الطبيعية في إيران كيف تتصورون حياة الإنسان المتوسط؟ ما هي آمالكم غاياتكم التي تريدون تحقيقها؟ وهل ستحققون مثل هذه الأشياء خارج إيران؟
جواب: بمشيئة الله- تعالى- أدرك الشعب الإيراني طريقه وهو يتابع تلك المسيرة. ونحن نعتقد بأنه بعد انتصار الشعب وإقامة القوانين الإسلامية سينشأ مجتمع مثالي وقدوةً لشعوب العالم لنجاتها وسعادتها. لن تكون هناك حرب داخلية. وعاجلًا أم آجلًا سيلتحق الجيش بالشعب باستثناء عدة جنود فإن الجميع سيؤمنون بمسيرة الشعب وأنا خبير بأسلوب تفكير الكثيرين منهم. لقد حذرني السياسيون الإيرانيون مراراً من الجيش، ولكنهم يخطئون، فقد خلقوا محيطاً كاذباً لهم.
سؤال- إذا استغل اليساريون غضب الرأي العام، واستولوا على الحكم، هل تظنون أن بإمكانكم التاثير فيهم ليراعوا القيم التي تؤمنون بها؟ ألا تتمنى أن تكون اصغر سنا من الآن نظراً لما يجب أن تنجزه من الأعمال؟
جواب: لا يمكن أن يتحقق هذا في إيران. في بلد مسلم يعتقد شعبه بالقرآن، ويضحي في سبيل الله لا يمكن لحكومة تحادّ الله والإسلام أن تصل إلى السلطة. فالشاه مع كل ريائه وتظاهره بالإسلام انكشفت صورته الحقيقية وطرده الشعب. والشعب الإيراني لا يحتاج إلى مدارس إلحادية معادية لله، وهو يطالب بالعدالة والحرية والاستقلال ويعتقد بأنه لا يمكن الوصول إليها إلا في ظل الإسلام وقوانين الإسلام.
واذا كان هناك من انخرطوا في صفوف اليسار لقلة الخبرة والتجربة، فإن اليسار بمعناه الحقيقي لا يوجد بين المثقفين وأولي المعرفة في المجتمع الإيراني. وفي إيران الإسلام هو وحده الذي يحكم.
سؤال- كيف ترون مهمتكم في الأحوال الجارية؟
جواب: مهمتنا هي الإرشاد والتوجيه. وهذا ما كان دائماً. نحن نطرح القضايا التي نراها مفيدة للشعب الإيراني، ونرفض الأشياء المضرة، ونسعى لارتقاء الأهداف الإسلامية.
سؤال- هل أنتم مستعدون لإعطاء الأمر بالجهاد المسلح- أذا أغلقت بقية السبل؟
جواب: إذا أغلقت جميع السبل ندرس القرار، وما أعرفه عن الجيش أنه لن يصل إلى هذه المرحلة.
سؤال- أنت نفسك تحملت الكثير من العذاب على يد نظام الشاه، نفيتم، سجنتم، قتل ولدكم 3 في أحوال غامضة. مع كل هذا ألا تشعرون بعداوة للشاه؟
جواب: أبداً، أنا لا أشعر بعداوة شخصية للشاه، وما أنا بمهم من أجل النضال ولا ولدي، ولست أشعر بأي انزعاج شخصي من الشاه، فأنا أناهضه للخيانات التي ارتكبها خلال هذه الخمسين عاماً والجرائم التي مارسها على شعبي.
سؤال- أنتم تتحدثون بشعبي والحقيقة هي أنكم أصبحتم قائداً لهذه الثورة العظيمة، ألستم قلقين من استغلال الساسة لمكانتكم والعمل من خلفكم لقطف الثمار إذا ينعت بلا نصب؟
جواب: نحن سنسعى جاهدين لحل قضايانا بأنفسنا، ونستفيد من كل ما نملك والشعب يقف إلى جانبنا أيضاً. وأتمنى من أولئك الذين دخلوا المعترك النضالي اليوم أن يؤمنوا بالنضال، وأن لا يكونوا انتهازيين. وبالتأكيد في كل نضال ونضال إيران الواسع جداً يقوم الانتهازيون في المستقبل بأعمال لا يمكنهم القيام بها اليوم ولكن شعبنا بتوكله على الله سيجعلهم بعد النصر يطأطئون رؤسهم عاجلًا أم آجلًا، إن شاء الله.
* صحيفة الإمام، ج5، ص: 261-265
1- نهج البلاغة، الخطبة 3، المشهورة بالشقشقية.
2- شابور بختيار.
3- الشهيد السيد مصطفى الخميني.