د. مسعود أسد اللّهي
إنّ
المنهج الأفضل للتعرّف إلى الظواهر المختلفة، هو دراستها عبر المنهج المقارن، حيث
يسهل التعرّف إلى المشتركات والاختلافات بين الظواهر المتنوّعة والمختلفة. لذا،
فإنّ أفضل طريق لدراسة مهامّ الوليّ الفقيه وصلاحيّاته الإجرائيّة، في نظام الجمهوريّة
الإسلاميّة الإيرانيّة السياسيّ، هو مقارنة القضايا المختلفة المتعلّقة بطريقة
اختيار الوليّ الفقيه، وشرط هذا الاختيار، وواجبات الوليّ الفقيه وصلاحيّاته
ومسؤوليّاته، مع رؤساء كلّ من: فرنسا والولايات المتحدة الأميركيّة.
وتوضيحاً للهدف المذكور، أعددنا عدّة جداول لإجراء المقارنة، نذكر في هذا المقال جدولين فقط:
1 - الجدول الأوّل، متعلّق بطريقة وشروط اختيار المناصب العليا [الأولى] في إيران، وفرنسا والولايات المتحدة الأميركيّة.
2 - الجدول الثاني، متعلّق بكيفيّة وشروط عزل أو استقالة المسؤولين الكبار في البلدان المذكورة.
وفي كلّ منهما، تمّت المقارنة التطبيقيّة بين القضايا العديدة المتشابهة العناصر.
*كيفيّة اختيار أعلى منصب
في الجدول رقم (1)، تمّ اعتماد ستّة مواضيع للمقارنة، في الخانة الأولى، نرى أنّ هنالك شروطاً محدّدة في كل من إيران وفرنسا وأميركا لانتخاب رئيس السلطة التنفيذيّة؛ أي رئيس الجمهوريّة. وفي إيران، مضافاً إلى ذلك، لحِظت شروط خاصة لانتخاب الوليّ الفقيه.
وتشير الخانة الثانية إلى أسلوب انتخاب المسؤولين الكبار في هذه البلدان. ويتبيّن ممّا أدرج في هذه الخانة، أنّ رئيسَي الجمهوريّة الإيرانيّ والفرنسيّ يُنتخبان مباشرة من الشعب، لكنّ انتخاب الرئيس الأميركيّ كانتخاب الوليّ الفقيه في إيران يمرّ في مرحلتين؛ مع فارق أنّ هيئة ناخبي الرئيس الأميركيّ، تنتخب مرّة كلّ أربع سنوات بهدف انتخاب رئيس الجمهوريّة، وتنتهي مهمّتها بعد تعيين الرئيس، لكن «مجلس خبراء القيادة» في إيران مؤسّسة ثابتة، يُنتخب أعضاؤها لمدة ثماني سنوات، ومهمّتها تعيين القائد، والرقابة على عمله كذلك.
الخانة الثالثة: إنّ أعلى منصب رسميّ في أميركا وفرنسا هو رئيس الجمهوريّة. أمّا في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة فالوليّ الفقيه، أعلى منصب رسميّ ومن بعده رئيس الجمهوريّة.
الخانة الرابعة: يتحمّل الوليّ الفقيه ورئيس الجمهوريّة في إيران، وكذلك رئيس الجمهوريّة في الولايات المتحدة، مقابل مهامهم وصلاحيّاتهم، مسؤوليّة وطنيّة. أمّا في فرنسا، فالأصل إعفاء رئيس الجمهوريّة من المسؤوليّة، إلّا في حال ارتكاب جرم الخيانة العظمى.
الخانة الخامسة: مدّة ولاية الرئيس في إيران وأميركا أربع سنوات، وفي فرنسا خمس سنوات، أمّا ولاية «الوليّ الفقيه» فغير محدّدة، لكنّه معرّض للعزل، فاستمراره وبقاؤه في منصبه منوطان بتوافر شروط القيادة، لديه، واحتفاظه بها. وحين يفقد الوليّ هذه الشروط أو أحدها، يأخذ مجلس الخبراء قرار عزله.
الخانة السادسة: انتخاب رئيس الجمهوريّة في أميركا، ممكن، فقط لدورتين متتاليتين. أمّا رئيس الجمهوريّة الإيرانيّة، فيمكنه أن يرشّح نفسه مجدّداً بعد دورتين متتاليتين بفارق دورة. وفي فرنسا، ليس هنالك من قيود على انتخاب رئيس الجمهوريّة، ويمكن لرئيس الجمهوريّة بحيازته للشروط اللازمة، أن يعيد ترشيح نفسه في أيّ دورة، وأن يُنتخب رئيساً للجمهوريّة إذا نال أكثريّة الأصوات.
الجدول رقم (1): كيفيّة وشروط اختيار أصحاب المناصب العليا في إيران وفرنسا وأميركا
اسم البلد والمنصب |
الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة |
رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة |
رئيس الولايات المتحدة |
||
العناوين |
الولي الفقيه |
رئيس الجمهوريّة |
|||
1 |
شروط الاختيار |
1- الصلاحيّة اللازمة للإفتاء في أبواب الفقه. |
1-إيراني الأصل. |
يعرّف به المجلس الدستوري، 500 شخص على الأقل من المواطنين. |
1- من التابعية الأميركيّة. |
2 |
كيفية الاختيار |
مرحلتان، ينتخبه الخبراء المنتخبون من الشعب. |
ينتخب من الشعب مباشرة. |
مباشرة من الشعب. |
على مرحلتين، بواسطة هيئة المنتخبين. |
3 |
الموقع والمكانة |
أعلى مقام رسمي. |
بعد الوليّ الفقيه، أعلى مقام رسمي. |
أعلى مقام رسمي. |
أعلى مقام رسمي. |
4 |
المسؤولية |
مسؤول. |
مسؤول. |
الأصل عدم المسؤوليّة إلا في حال ارتكابه الخيانة العظمى. |
مسؤول. |
5 |
مدّة الولاية |
غير محدودة، ولكن يمكن عزله. |
4 سنوات. |
5 سنوات. |
4 سنوات. |
6 |
إعادة الانتخاب |
ـــــــــــــــــــــ |
دورتان متتاليتان. |
غير محدّد. |
دورتان متتاليتان. |
*كيفيّة العزل والاستقالة
وشروطهما
يبيّن الجدول رقم (2) أنّ رؤساء الجمهوريّة في كلّ من إيران وفرنسا والولايات المتحدة، وكذلك الوليّ الفقيه في إيران، يمكن عزلهم في ظروف معيّنة وبشروط محدّدة. وتختلف شروط العزل من بلد إلى آخر؛ ففي الولايات المتحدة يعزل رئيس الجمهوريّة من منصبه إذا اقترع ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ على إدانته. وفي فرنسا إذا ارتكب رئيس الجمهورية جُرم الخيانة العظمى، يستطيع المجلس الدستوريّ، بناء لطلب الحكومة أن يَعزله بالأكثريّة المطلقة من الأصوات.
الجدول رقم(2): كيفيّة وشروط اختيار أصحاب المناصب العليا في إيران وفرنسا وأميركا
اسم البلد والمنصب |
الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة |
رئيس الجمهوريّة الفرنسيّة |
رئيس الولايات المتحدة |
||
العناوين |
الولي الفقيه |
رئيس الجمهوريّة |
|||
1 |
هل يعزل صاحب أعلى مقام رسمي؟ |
نعم |
نعم |
نعم |
نعم |
2 |
شروط العزل |
1- عجز القائد عن القيام بوظائفه القانونيّة. |
1- صدور حكم عن ديوان القضاء الأعلى بتقصيره عن القيام
بواجباته، ومصادقة الوليّ الفقيه عليه. |
طلب الحكومة إلى المجلس الدستوري، ورأي الأكثريّة المطلقة من أعضاء المجلس. |
الحكم على رئيس الجمهوريّة برأي ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. |
3 |
المؤسسة ذات الصلاحية لعزل أعلى منصب رسميّ |
مجلس الخبراء |
الوليّ الفقيه |
المجلس الدستوري |
مجلس الشيوخ |
4 |
حق الاستقالة |
موجود |
موجود |
موجود |
موجود |
5 |
قضية الخلافة |
مجلس مؤلّف من رئيس الجمهوريّة ورئيس السلطة القضائيّة وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور. |
المعاون الأوّل لرئيس الجمهورية. |
رئيس مجلس الشيوخ. |
نائب الرئيس. |
*أسباب العَزل
في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، يخضع القائد، أثناء قيامه بمهامه، لرقابة مجلس خبراء القيادة. وبإمكان هذا المجلس أن يعزل القائد لأحد الأسباب التالية:
1 - عجز القائد عن القيام بواجباته القانونيّة.
2 - فقدانه أحد شروط القيادة.
3 - فقدانه أحد شروط القيادة منذ البداية.
أمّا
رئيس الجمهوريّة الإيرانيّة فيُعزل بطريقتين:
1 - في حال اقترع ثلثا النواب في مجلس الشورى الإسلاميّ بعدم كفاءة الرئيس، وصادق القائد على الحكم المذكور.
2 - في حال أصدر ديوان القضاء الأعلى حكماً بتقصير الرئيس في أداء مهامه القانونيّة، وصادق القائد على الحكم المذكور.
في حال عزل رئيس جمهوريّة الولايات المتحدة أو استقالته، يتولّى نائب الرئيس مهام رئاسة الجمهوريّة إلى حين انتهاء مدّة الدورة الرئاسيّة. وفي فرنسا، يتولّى رئيس مجلس الشيوخ مهام رئيس الجمهوريّة إلى حين تعيين الرئيس الجديد.
في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، في حال عزل الوليّ الفقيه أو تقديم استقالته، يقوم بمهام القيادة مجلس مؤلَّف من رئيس السلطة القضائيّة ورئيس الجمهوريّة وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور، إلى حين تعيين مجلس الخبراء قائداً جديداً. وفي حالة عزل رئيس الجمهورية أو استقالته، يتولّى معاونه الأوّل المهام إلى حين تحديد رئيس جديد.
*أرادوا
تشويه صورتها!!
منذ أن أُنشئت الجمهوريّة الإسلاميّة بعد انتصار الثورة التي قادها الإمام الخميني {، تعرّض نظام الحكم فيها للانتقاد والتجريح من جهات متعددة. وقد كان من البديهيّ إذا أخذنا في الاعتبار المواقف التي اتّخذتها الثورة الإسلاميّة في مواجهة النظام العالميّ المتحيّز، أن يرى قادة هذا النظام العالميّ أنّ انتشار فكر الدولة الدينيّة، تهديد جدّيّ لمصالحهم في العالم. فعرّفوا الدولة الدينيّة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة -بالاستناد إلى شعارات مقبولة في العالم الغربيّ- على أنها حكومة غير ديمقراطيّة، لتشويه صورتها في العالم.
لقد ردّت المباحث التي طرحناها مزاعم المعارضين لنظام الحكم السياسيّ في إيران بوضوح وبصورة جديّة، بمقارنتها بينه وبين أهمّ النظم السياسيّة في العالم؛ أي الولايات المتحدة وفرنسا، التي يُعتبر كلّ منها أنموذجاً تحتذيه دول أخرى عديدة، وهذه الأنظمة تدّعي أنّها ديمقراطيّة.
*الحُكم للقانون
ويستنتج من مجمل المقارنات والتطبيقات التي أجريت في هذه الدراسة، أنّ النظام السياسيّ في إيران من حيث إنّه شعبيّ، وملتزم بالمعايير القانونيّة، هو على الأقل موازٍ للأنظمة السياسيّة في البلدان المذكورة، لأنّ الذين يرغبون في الوصول إلى الحكم في إيران، مقارنةً بالبلدان موضوع الدراسة، فُرضت عليهم شروطٌ أقسى وأكثر تعقيداً. وفي الجمهوريّة الإسلاميّة كما في تلك الدول، الحكم للقانون، والقادة يخضعون للقانون، وهم متساوون أمامه مع سائر أفراد الشعب. وهكذا تفقد التهمة الموجهة إلى النظام الإسلاميّ بأنّ القائد فيه فوق القانون موضوعيّتها، فتوزيع السلطة والصلاحيّات بين الوليّ الفقيه ورئيس الجمهورية، يخفّض كفّة تمركز السلطة وحَصرها في يد القائد، عن نظائرها في البلدَين موضوع المقارنة.
بتوقيت بيروت