عملت المعلمة الأميركية لي آن ميريديث معلمة للصف الثاني في مدرسة شيكاغو الابتدائية العامة لمدة 15 عاما. وهي مؤلفة كتاب بعنوان: «ملائكة الفصول الدراسية»، عن قصة الحياة داخل الفصول الدراسية وكيف أن تلامذتها الذين يبلغون من العمر 7 و8 سنوات كانوا يدعمونها عقب وفاة زوجها المفاجئ. وألفت ميريديث مقالا يدور حول المعلمين وما يصنعونه في كل يوم، نشر على موقع (غرفة المعلمين).
وتقول ميريديث في مقالها إن الجميع يعرفون المعلمين. فلقد كنا جميعا عند الطرف المتلقي من التعليم. ونظن أننا نعرف كل شيء عن ذلك المجال. وفي الحقيقة، لا يعلم أغلب الناس نصف ما يجعل المعلم معلما. بل إن المعلمين يريدون منك معرفة المزيد عنهم. وإليكم بعض الأشياء التي قد يصيبك الذهول من معرفتها.
1- المعلمون متعلمون:
نحن متعلمون تعليما جيدا ومتخصصون في مجال عملنا. ووفقا للمركز الوطني لإحصائيات التعليم، هناك 52 في المائة من معلمي المدارس العامة ممن يحملون درجة الماجستير أو أعلى. والكثير من المعلمين ممن أعرفهم يحملون أكثر من شهادة ماجستير واحدة في تخصصات مثل القراءة أو التعليم الخاص. إننا لا نتوقف عن التعليم بمجرد أن نصبح معلمين. ويتعين علينا إعادة التقدم للحصول على شهادات تثبت أننا نواصل العملية التعليمية والنمو المهني في مجال عملنا. يعمل معلمو المدارس الابتدائية في المعتاد على تدريس كافة المواد الدراسية، ويجب علينا أن نتمتع بمقدرة قوية على الإدراك فيما يتعلق بالموضوعات الأساسية. نحن على دراية عميقة وواسعة بالكثير من المعارف في مختلف المجالات.
2- بارعون في التواصل:
إننا بارعون جدا في التواصل، وسريعون جدا في اتخاذ القرارات، ونأتي بحلول إبداعية لمعظم المشكلات. والتدريس لدينا ليس مجرد إلقاء المحاضرات. بل إنه غالبا ما يكون أشبه بقائد أوركسترا لمجموعة من الموسيقيين المبتدئين. علينا أن نكلف إحدى المجموعات بالعمل على إحدى المهام في حين نجلس في هدوء نتابع أعمال مجموعة أخرى من التلاميذ لا تتجاوز أربعة أو خمسة منهم. علينا امتلاك المقدرة على إيجاد بيئة العمل التي يشارك فيها بضع عشرات من الأشخاص في المجال المفتوح. وينبغي أن يتم ذلك بمنتهى العناية والرعاية التي تدعم كل طفل على حدة. وليس ذلك سهلا بحال. فعلى المعلمين الاختيار بين أنف سوزي المجروحة، ومشاعر روبرت المتألمة، وأزمة تريفور الكارثية حول مسألة من الرياضيات، في حين المحافظة على أداء بقية تلامذة الفصل على ما يرام. وإذا ظننت أن ذلك النوع من السيناريوهات لا يحدث أبدا، عليك التفكير مرة أخرى. تحدث أنواع مختلفة من تلك الأمور في الصفوف الابتدائية يوميا. (وهناك ملاحظتان حول ذلك: أولا، الدماء لها الأولوية على كل شيء. ثانيا، كلما ازداد الموقف تأزما، كان الأمر أشبه بالتدريب على إطفاء الحريق).
3- الرؤية الواقعية:
إننا نمتلك رؤى واقعية للأشياء. نحن نعرف ما الذي يمكن للتلاميذ فعله ولكننا نحفزهم وندفعهم ونحثهم زيادة حتى يتمكنوا من الإنجاز. إننا نحتفي بالنجاحات ونطالب بالمزيد منها. نحن نعرف أين ينتهي المطاف تحديدا بتلامذتنا ونحاول زيادة مقدار ذلك المسار. إننا نريد من التلاميذ أن يتغلبوا على العقبات التي تواجههم ونحاول غرس الأدوات التي تساعدهم على ذلك. وفي كثير من الأحيان، نأمل أن شيئا ما قلناه في أحد أيام الثلاثاء الممطرة، أو أحد أيام مايو (أيار) الحارة، أن يكون له التأثير الكافي لتغيير مسار حياتهم إلى الأرجح. إن فرحتنا لا تقارن بشيء حينما نرى أحد التلاميذ الذين تجاوزوا حد الانضمام لإحدى العصابات في الشوارع، وهو الآن شاب يافع يعمل في أحد محلات البقالة ويخبرنا بأنه قد التحق بالكلية. (..) وإنني سمعت ذات مرة أن الطلب الأكثر شيوعا للمحققين الخاصين لم يكن بشأن التجسس على الأزواج ولكن بهدف تتبع أفضل المعلمين. لا أدري إن كان ذلك صحيحا أم لا ولكن الفكرة تروقني على أي حال.
4- نتجاهل حياتنا الشخصية:
لدينا حياتنا الشخصية التي نتجاهلها تماما أثناء عملنا بالنهار. ونحن ببساطة ليس لدينا وقتا نضيعه عندما يكون الفصل الدراسي يوجد به بضع وعشرون تلميذا وتلميذة. وفي المدارس الابتدائية، يكون لدينا مثانة من الصلب حيث لا يمكننا أبدا مغادرة الفصل ذهابا إلى دورة المياه كل ساعة أو ساعتين. (إنني أشعر بالذل الشديد في كل مرة ينصحني الطبيب المعالج بشرب المزيد من الماء!). وإننا نذهب للعمل حتى وإن كنا في حالة غير جيدة لأن ذلك أيسر علينا من التغيب يوما كاملا. إلا إذا كنت تشعر بعجز تام عن العمل فإنك تدرك ولا بد معنى وجود بديل عنك في فصلك الدراسي. ونحن نعوض زيارات عام كامل للأطباء خلال عطلة الصيف. كما نجري كافة مكالماتنا الهاتفية المهمة خلال تلك الفترة أيضا. نكون مع الأطفال خلال ساعات العمل الرسمية ولا يمكننا إجراء مكالماتنا الهاتفية داخل الفصول الدراسية قط. وإذا كنت تظن أننا يمكننا فعل ذلك خلال الدقيقة التي يغادر فيها الأطفال خلال اليوم فعليك متابعة القراءة.
5- أكثر من «مجرد» تعليم:
إن ما نقوم به يتجاوز «مجرد التعليم». إن كم الأعمال المكتبية لدينا هائل للغاية. والأمر يتخطى بكثير مجرد تصحيح الأوراق ومنح الدرجات. فعلينا توثيق أغلب الأحداث التي قد تكون ذات أهمية خاصة لكافة التلاميذ. وعلينا توثيق المحادثات مع الآباء وأولياء الأمور. كما علينا تسجيل أي تغييرات نلاحظها على التصرفات الاعتيادية للتلاميذ الذين يعانون من بعض المشاكل. ويمكن أن يشتمل ذلك على أمور بسيطة مثل عدد المرات التي أتابع فيها الطفل أو إذا ما نقلت مكتبه الدراسي من مكانه. وعلينا الاحتفاظ بسجلات لدرجات الاختبارات، ومقارنتها بالدرجات السابقة. ولكم أن تعلموا أن حركة توثيق كل ذرة من ذرات البيانات تستمر وتتواصل في عالم الاختبارات الحالي. وبالإضافة إلى الأعمال المكتبية، نحتاج أيضا إلى الاجتماع بالمعلمين من أجل التخطيط. حسنا، ولا ننسى لوحات الإعلانات المدرسية التي يتعين تغييرها على الدوام.
6- إحساس العزلة:
كثيرا ما يساورنا إحساس العزلة داخل فصولنا الدراسية. إننا نُمضي جُل ساعات اليوم نقوم بمهام الكبار داخل الفصول الدراسية. وحتى عندما يكون هناك أحد المساعدين أو المعلمين الطلاب، فلا يسعنا إلا بذل المزيد من التركيز أثناء العمل. ليست هناك محادثات جانبية هادئة أثناء اليوم. (..).
7- مشاعر أخرى:
نشعر بحماس وعاطفة غامرة تجاه الأطفال. والكثير منا ينظر إلى وظيفته كأنها رسالة وليست مجرد مهنة. ونفكر في مشاكل التلاميذ طوال الليل والنهار، وأكثر مما نفكر في مشاكلنا الشخصية ذاتها. كما نحاول الخروج بحلول للتعامل مع صعوبات الأطفال المهارية أثناء التوجه للسوق لقضاء احتياجاتنا. ونستنبط أفكارا مثالية للدروس أثناء التمشية مع حيواناتنا الأليفة. لقد كنت بعيدة عن الفصول الدراسية لمدة ثلاث سنوات ولا زلت أمارس تلك الرياضة الفكرية مرات كثيرة خلال اليوم. ويقع نظري على أحد الكتب فأتوق لقراءته على التلاميذ في الفصل. وأتعرف على حقيقة جديدة حول الحيتان وأشتاق لإضافتها لتلك المادة الدراسية التي أعددتها قبل سنوات مضت. إن ذلك المجهود لا يتوقف. إنه شغف يحوط بحياتي كلها.
8- بناة المستقبل:
نحن نعتبر أنفسنا بناة المستقبل. ووظيفتنا هي صناعة مواطني المستقبل لأجل بلادنا. أجل، إننا نعمل بجد. والكثير من الناس يفعلون ذلك. وعلى العكس من أغلب المهن الأخرى، فإن ما نصنعه اليوم يظهر أثره في المستقبل. وندرك أن الاختبارات لا توجد أناسا مؤهلين تماما لسوق العمل، ولكنها المعرفة والمهارات اللازمة للتعلم، إلى جانب المقدرة على العمل الجاد والتواصل المباشر مع الآخرين. نحن على استعداد دائم للعمل الجاد. إننا مزارعو شجر البلوط؛ الذين يؤمنون أن الشجر العظيم الوارف سوف ينمو من غرس أيدينا «يوما ما».
خدمة
"واشنطن بوست"
بتوقيت بيروت