في الوقت الذي ترتبط فيه صورة المدرسة بصورة الزيّ المدرسي، أو ما يعرف في بعض المجتمعات العربية بإسم "المريول"، لجهة القوانين الصارمة المتعلّقة به، نرى أن بعض المدارس ذات المنهاج الغربي لا تقيم أي اعتبار للزي المدرسي ولا تحسب له أي حساب
هذا الموضوع شغل حيّزا كبيراً من تفكيري: لماذا عليّ أنا (كما الكثيرين مثلي) أن أشتري أول العام لأطفالي عدة بِدَل مدرسية، وفقاً للقواعد والحاجات، فيما أرى طفل صديقتي الذي يذهب الى مدرسة ذات منهاج أمريكي، يذهب على هواه ومزاجه؟
أحيانا كثيرة يذهب بملابس رياضية خفيفة وأحيانا يتأنّق ويتهندم.. لكن الطريف في كل الموضوع أنه ذات يوم أفاق من النوم متأخرا فذهب إلى المدرسة بما يشبه البيجاما! كان الأمر عاديا جدا بالنسبة له ولزملائه ولكل مدرسته، فلا أحد ينظر في ملابس الآخر.. وليس ثمة وزن أو قيمة أو اعتبار لما يلبسه الفرد "الطالب"، سواء جاء إلى المدرسة بملابس رسمية فاخرة أو ملابس رياضية خفيفة.
بقيت فترة طويلة أفكر في الموضوع وأسأل عن بعض متعلّقاته، قال لي البعض -بلهجة لم أعرف إن كانت جديّة أو ساخرة- نحن العرب نربّي أجيالنا على النظام منذ الصف الأول ابتدائي..مريول يعني مريول ونقطة على السطر وممنوع دخول المدرسة دون"COSTUME"..
التعود على النظام
الغاية إذن هي التعوّد على النظام واحترامه
وعند التفكير في الأمر يسأل المرء (وربما جميعنا نسأل هذا) كم من تلميذ مُنع دخول
الصف بسبب عدم ارتدائه مريلته؟ وكم من الذكريات المريرة عالقة في وجداننا عن
المريول والـCOSTUME
أو UNIFORME ؟ مع التذكير أن المراهقين يحلو
لهم دوماّ التمرّد على زي المدرسة، سواء كان قميصا أو مريولا أو حتى مجرد شارة.
فنراهم
يخلعونه في الطريق باعتباره دليل إثبات الطفولة والإذعان، ودليل الخضوع لنظامٍ ما،
ويرتدونه مرغمين داخل المدرسة، وقد يكون الزي المدرسي سببا لبعض المشاكل المتكررة
يوميا..
أذكر في
مرحلة المراهقة أن بعض الفتية والفتيات كانوا يعمدون إلى قص الأكمام بشكل نهائي
بحيث يستحيل على الإدارة أو الناظر فِعل أي شيء، فكيف تأمر طالباً أن يعدل أكمام
قميصه أو مريلته إن كان قد قام باقتطاعها أصلا!!؟
أنا شخصيا
وكأستاذة في المرحلة الثانوية، كنت أقف عاجزة بلا أي حراك وكنت أشعر بكثير من
الإنفعالات المتناقضة، حين يدخل الناظر العام الى الصف بجولة تفقّدية مفاجئة
(كبسة)، ويبدأ تجميع الطلبة المخالفين بالزيّ، ثم يدفع بهم إلى الخارج! فيحرمهم من
متابعة المقرر أولاً، ويتعرضون لمساءلات معيّنة ثانياً ومواقف غير لائقة ثالثاً،
مع أنهم يكونون على أبواب الجامعات! وأعمار بعضهم تقارب الثمانية عشرة عاما..
والسبب هو الزيّ المدرسي! (لكنه في المرحلة الثانوية ليس "مريولا" على
أية حال بل مجرد زي موحّد).
الفائدة والجدوى
هذا كله يدعوني من جديد، لإعادة طرح السؤال بصوت أعلى هذه المرة هل فعلا هناك فائدة "تربوية " أو "تثقيفية" للزيّ المدرسي؟ وهل يصقل الزي المدرسي شخصية التلميذ منذ صف الحضانة وحتى صفّه الثانوي الأخير؟ أم يحجز حريته ويكبّله؟ وما الغاية منه أصلا؟
يقول بعض مدراء المدارس والنظّار: "يكفي
أن تلقي نظرة وترى مئات الطلبة بزيّ واحد، نفس اللون ونفس اللباس، ونفس
"الستايل الموحّد".. هذا أمر يبعث على الرضى لأنه مريح للنظر!..
وهذه
الحجّة قد لا تعجب آخرين.. فبالنهاية هؤلاء تلاميذ مدرسة وليسوا صف عسكر !.
على أبواب العام الدراسي في هذا الموسم وفي كل موسم، أطرح الأسئلة من جديد، وفي خيالي صورة الطلبة في المدارس ذات المنهاج الأميريكي..أعرف مسبقا أن الناس سينقسمون قسمين، نصف مع الزي الموحد ونصف ضده، لكن لنفكّر في الحيثيات والمسوّغات والأسباب قبل تعميم القرارات وتبنّيها..
وأختم الموضوع بأحلام تلاميذ صغار يحلمون منذ أول العام بآخره، والسبب بكل بساطة أن المدرسة في الأيام الأخيرة تسمح لهم بإرتداء الملابس التي يريدونها!.. فلماذا نخنق أحلام وأجساد تلاميذنا الصغار والكبار بقوانينا وأزياءنا الموحّدة؟!
فاطمة بزي/ العربي الجديد
بتوقيت بيروت