تخيّلوا هذا السيناريو: يصعد ولدُكم إلى الباص المدرسي متوجهاً مع زملائه إلى #المدرسة. فتضعون ثقتكم مع مطلع السنة الدراسية الجديدة بالسائق وبإدارة المدرسة التي تستخدم باصاتها المدرسية الخاصة. يحصل أسوأ كابوس قد تواجهونه. يقع ولدُكم في أرض الباص مصاباً إصابةً بالغة بالرأس، أو يُخرج جسمَه من إحدى النوافذ فيرتطم بأغصان شجرة عملاقة، ما يؤذيه في الوجه والصّدر، أو يتدهور الباص جرّاء السرعة الزائدة.
السيناريو مُرعب ولا يمكن تخيّله. لكنه حصل ويحصل مع تلامذة المدارس اللبنانية، فيما الأهل ساكتون!
لا يثق الأهل بالباص المدرسي ثقة كاملة
لا مبالغة بالقول إن سلامة التلاميذ في خطر داخل الغالبية الساحقة من الباصات المدرسية. فمعظمها من "البوسطات" القديمة التي لا تحوي أحزمة أمان، وتُقِلّ عدداً زائداً من التلاميذ، ما يُلاحَظ عبر وقوف عددٍ منهم بين المقاعد. أما السرعة الزائدة، فهي مصدر القلق الأول عند الأهل، ومن منّا لا يتذكّر الحادث المأساوي الذي حصل عام 2008 عندما تدهور باصٌ مدرسي في منطقة عين سعادة، "المون لا سال" – مار روكز، فقُتلَ التلميذ جان نادر وسقط عددٌ من الجرحى.
في استفتاءٍ سريع لـ"النهار"، لم يعبّر الأهل إلا عن ثقةٍ جزئية بسائقي الباصات المدرسية، ويُلاحَظ أن #السرعةهي أكثر ما يُقلقهم. لكن اضطرار غالبيتهم للتوجه إلى وظائفهم باكراً هو القاسم المشترك لاستعانتهم بهذا الحلّ. تُخبر السيدة م. لطّوف أن وظيفتها السابقة "كانت في منطقة قريبة من مدرسة أولادي، وكنتُ أقلّهم معي، لكن منذ بدأتُ في عملي الجديد في السنة الماضية، أُرسلُهم بـ"أوتوكار" إلى المدرسة"، لكنها لا تتردد في التأكيد أن بإمكان الأهل تأمين سلامة أولادهم قدر الإمكان، حتى لو لم يكونوا معهم خلال فترة النقل: "أسعى لأن أرافقَ ولديّ التوأم خلال صعودهما إلى الباص، وأطلب من التلامذة الركّاب الأكبر سنّاً منهم أن يمسكوا أيديهما عند خروجهما منه"، مضيفةً أنها تنبّه طفلَيها "لضرورة الحفاظ على الهدوء في "الأوتوكار" كي لا يتلهّى السائق، ولعدم الترجّل في حال لا يزال الباص في منتصف الطريق".
من ناحيته، يلفت الوالد ياسر ماجد إلى أنه يثق بخيار البوسطة المدرسية التي تقلّ ولدَيه، ويقول: "إذا حصل#حادث_سير - لا سمح الله – فهو قد يحصل أيضاً في حال أقلّ الأهل أولادهم في سياراتهم، أي إن البوسطة ليست معياراً لقلة في سلامة النقل". وعند سؤاله عمّا يتمنّاه من سائقي الباصات المدرسية لتأمين سلامة أكثر في#النقل، أجاب: "أفضّل ألا يتجاوزوا المركبات الأخرى، وأن يقودوا ببطء قرب المدارس حيث يكثر عددُ المشاة، وأن يتوقفوا في الجهة المحاذية للمدرسة".
عبدو شمعون، صاحبُ "الأوتوكار" الذي يقلّ ولدَي السيدة لطوف، عبّر عن تفهّمه لقلق #الأهل، حتى لو بيّن لهم عن استعداده للقيادة بشكلٍ سليم ومن دون سرعة: "نحن نقوم بواجبنا على أكمل وجه ونسعى لأن يشعر التلامذة بالراحة والأمان، لكن إذا حصل أيّ مكروه لهم خارج نطاق الباص، فهذه ليست مسؤوليتنا"، وأشار إلى أن "هذا لا يعني أنني أدع التلامذة يقطعون الطريق لوحدهم، خصوصاً الصغار منهم، ولكن لا يجوز تحميل السائق كل المسؤولية في حال حصل مكروهٌ ما"، داعياً الأهل وشرطة #البلديات معاً لأن يعلّموا الأولاد مبادىء#السلامة_المرورية وشروطها.
لا رقابة ولا شهادات سَوق ولا أحزمة أمان...
أوضح رئيس الجمعية اللبنانية للوقاية من الحوادث المدرسية (Lebanese Association for School Safety Awareness – LASSA) جو دكّاش لـ"النهار" أن "سلامة النقل المدرسي تنقسم إلى ثلاثة أمور، وهي: السير على الأقدام، والباص المدرسي، وسيارة الأهل"، وأشار إلى أن "مفهوم الباص المدرسي بدوره ينقسم إلى ثلاثة أنواع، وهي: الباص الذي تملكه المدرسة، وباص المتعهد الذي يقدّم خدماته للمدرسة، والباص الخاص الذي يقوده أحد أقرباء مجموعة من التلامذة أو أحد الجيران مثلاً".
لكن من الواضح أن الصورة قاتمة بالإجمال إذا ما قارنّا الواقع بما ينصّ عليه القانون رقم 551 الصادر عام 1997، وهو ما أكده دكاش قائلاً إن هذا القانون "ينصّ على تواجد مُراقِب داخل الباص المدرسي، وعلى توفير تأمين إلزامي لكل الأشخاص فيه، وعلى توفير مقعد لكلّ تلميذ"، ما لا يطبّقه عددٌ كبيرٌ من المدارس في الباصات التي تقلّ تلامذتها، "بل تلجأ إلى الاستعانة بطالبٍ من السنة الثانوية الثالثة مثلاً، كمُراقِب في الباص المدرسي، فيما هو ليس خبيراً بالسلامة المرورية".
وشدد دكاش على أن "المُراقِب يجب أن يكون موظّفاً مُلِمّاً بالحد الأدنى بالسلامة المرورية، ومتدرّباً في الإسعافات الأولية، حتى يتمكن من التصرف في حال حصل حادث سَير، وهو سيمنع تطوّر التلوث السّمعي في الباص، ما يسهّل عملية القيادة عند السائق"، وردّ عن سؤالٍ بالقول إن "أجرَ المراقِب لن يكون مُكلفاً على المدارس أو على المتعهّد، فهو لن يعمل لفترة تتخطّى الساعتَين صباحاً والساعتَين في فترة بعد الظهر، لكن المهم ألا يكون تلميذاً، ويمكنه أن يكون زوجة السائق مثلاً بعد تدريبها لتولّي المسؤولية".
وذكر دكّاش أن ما يغيب كذلك عن موضوع السلامة المرورية في الباصات المدرسية هو الرقابة "عبر المعاينة الميكانيكية التي يجب أن تحصل مرّتَين في السنة، وليس مرّة واحدة فقط، إذ على المدارس أن تُخضِع باصاتها للرقابة عبر دفتر شروط، وهو ما يجب أن تتحمل مسؤوليته #قوى_الأمن_الداخلي وشرطة البلدية، عبر طلب شهادة المعاينة من سائقي الباصات المدرسية".
ماذا عن أحزمة الأمان الغائبة كلياً من البوسطات المدرسية القديمة؟ أجاب دكّاش أن الرقابة الرسمية هي أيضاً غائبة في هذا الشأن، "مع العلم أن قانون السّير الجديد يفرض مقعداً لكل طالب، بمعنى أن يكون كل طالب جالساً ومستَعملاً لحزام الأمان"، لكنه أشار إلى أن هناك فُسحة من الأمل "بما أن الدولة تتشدّد في تطبيق استعمال أحزمة الأمان في الباصات التي تنقل الأطفال إلى #الحضانات".
وأضاف دكّاش أن "على سائقي الباصات المدرسية أن يخضعوا لدورات للحصول على شهادة سَوق متخصصة، وهو ما لا يُطَبَّق حالياً، ما دفعَنا للمضيّ في "دورة تحسين السائق المدرسي" بالتعاون مع "اليازا"".
أما عن اضطلاع شرطة البلدية بدورٍ للسلامة المرورية، فأكد أن عليها "أن تكون موجودة بما أن المدارس تقع في نطاق البلديات، فتؤمّن سلامة المرور قرب المدرسة ومحيطها أيضاً لمنع #زحمة_السير، وتأمين الأرصفة والإنارة اللازمة".
... والأهل صامتون!
وتوجّه دكّاش إلى الأهل بالقول إن "عليهم أن يطالبوا إدارات المدارس بأن تتحمل مسؤولياتها عبر نشرها التوعية بين التلاميذ عن مفهوم السلامة المرورية، فمن المخزي أن تظلّ #لجان_الأهل صُوَرية بهذا الشكل"، مشيراً إلى أن "للأسف هناك غياب بالشفافية في التعاطي بين الجهتَين، فتستخف المدرسة في غالبية الأحيان بالأهل".
وبدوره، لم يخفِ مؤسّس ورئيس جمعية "اليازا" زياد عقل في حديثه لـ"النهار" أن هناك "خوفاً" منَ الأهل من رفع شكوى ضد المدرسة، "فالإدارة "تضبّ" الموضوع عبر تسوية"، مشيراً إلى أن "على الأهل عدم الرضوخ وأن يطالبوا بإجازات السَّوق للسائقين وبحالات ميكانيكية جيدة للباصات".
ففضائحية المعاملة مع أولياء الأمر تجعل من المشكلات التي يواجهها أولادهم في موضوع النقل المدرسي أمراً مُحَرَّماً الحديثُ فيه، ما يؤدي إلى صمتهم جرّاء الضغط من إدارة المدرسة.
"هناك نوعٌ من الكيدية"، يضيف دكّاش، "بدل أن يرفع الأهل دعوى لتحصيل حقوقهم وحقوق ولدهم الذي تعرّض لحادث، "تُلفلف" المدارس الأمر لحماية سُمعتها". هذا عدا عن "المافيات" التي تضمّ الباصات، حتى أصبحت عبارة "مش عاجبكن؟ ما بقا تبعتوا ولادكن معنا!" متداولة.
ويعيد دكّاش دعوتَه الأهل لأن يفعّلوا لجانهم في المدارس "من دون أن يركّزوا فقط على الحسومات التي يحصلون عليها من المدارس جرّاء عضويتهم فيها"، لافتاً إلى أن "النقل المدرسي موضوع أساسي تماماً مثل القُسوط"، ومؤكداً أن LASSA ستستمر "في نشاطاتها مع الاختصاصيين في هذا المجال لنشر التوعية عند الطلاب، وتقدّم استشارة أولية مجانية لإدارات المدارس في مجال تحسين سائقي الباصات المدرسية".
كلود طانيوس/جريدة النهار
بتوقيت بيروت