تمسك
ألين هاتفها الخلوي بيد، وتنقر شاشته باليد الأخرى. تنتقل من موقع إلى آخر، ومن
تطبيق إلى آخر. شاشة هاتفها بوابتها إلى العالم، من خلالها تتابع الأخبار، وعبرها
تتواصل مع أصدقائها. وحين يكون الهاتف بيدها، لا تكترث ابنة السابعة والعشرين إلى
كلّ ما يجري حولها. ثلاثة محاضرين في مؤتمر صحافي خصص للحديث عن علاقة الشــباب
بوسائل الإعلام، لم يدفعوها إلى ترك عالمها. تنظر إليهم لبرهة ثم تعود إلى هاتفها.
تمسكه وكأنّ الدنيا بين يديها. بكبسة زر يمكنها أن تبلغ واشنــطن، وبأخرى تعــود
إلى أوروبا فالشرق الأوسط ثم عودة إلى لبنان. حين تصعب عليــها قضية تلجأ إلى
«العمّ غوغل».
حال ألين كحال آلاف الشبان
والشابات الذين يمضون ساعات من وقتهم في استخدام الانترنت عبر الهاتف. تحتل مواقع
التواصل الاجتماعي، وتحديداً «فايسبوك» و «تويتر»
الأولوية بالنســبة إليهــم. ذلك ما حثّ «منظمة الأمم المتحــدة للتربــية والعلم
والثقافة ـ يونيسكو» بالتعاون مع شركة «ستاتستكس ليبانون» إلى
إجراء استبيان خاص حول «مدى معرفة ونظرة الشباب لوسائل الإعلام في لبنان»، أعلنت
نتائجه في مؤتمر صحافي عقد أمس، وشارك فيه مسؤول برنامج «يونيسكو»
في لبنان جورج عواد، ومدير عام شركة «ستاتستكس ليــبانون» ربيــع الهبر، وأمين سر
نادي الصحافة يوسف الحويك. وقد فنّد المحاضرون خلال المؤتمر نتائج الدراسة التي
وصفوها «بالكارثية» و«الخطيرة».
شمل الاستبيان الذي موّله
«الاتحاد الأوروبي» عيّنة من ألف ومئتي شاب وشابّة، تتراوح أعمارهم بين 14 و29
سنة. نفّذ الاستطلاع في كانون الثاني/ يناير
الماضي، باعتماد تقنية المقابلة المباشرة، وتوزّعت المقابلات بين مختلف المناطق
اللبنانية إضافة إلى اعتماد سياسة الفرز الطائفي.
تؤكّد أرقام الدراسة المؤكَّد، وهو أنّنا نشهد شبه انقراض للصحافة المكتوبة، إذ أظهرت النتائج أن 87٫1 في المئة من المستطلعين لا يقرأون الصحف المحلية، فيما بيّنت أن 98 في المئة من المستطلعين ما زالوا يشاهدون التلفزيون، و61٫8 في المئة لا يستمعون إلى الراديو. في المقابل، يتابع 95٫6 في المئة من المستطلعين الأخبار عبر الانترنت، و94٫8 يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أن النسبة الأكبر منهم يستخدمون هواتفهم للوصول إلى الشبكة. أما الكتاب فهو خارج المعادلة بعدما تحوّل الخلوي إلى خير جليس للشباب.
كان ذلك في الشكل، أما في المضمون، فاختلفت اهتمامات الشباب المستطلعين حول نوعية البرامج التي يتابعونها، وذلك استناداً إلى اختلاف العمر بينهم. فأظهر الاستبيان أن 83٫7 في المــئة ممــن هم بين 14 و18 عاماً يتابعون التلفزيون لمشاهدة الأفلام الأجنبية، فيما يتابعه 78٫3 في المــئة ممن هم بين 19 و22، و72٫8 بين 23 و29. وكان اللافت أن النسبة الأعلى من المتابعين للبرامج الدينية كانت لدى الفئة العمرية بين 14 و18 سنة (52٫5 في المئــة). وإذ اعتبر واضعو الدراسة أن نسبة متابعة البرامج الدينية متدنية إلا أن ذلك لا يمنع من طرح السؤال حول سبب ارتفاع نسبة المتابعين الصغار لبرامج كهذه، خصوصاً إذا ما تم ربط ذلك بالأوضاع التي تمر بها المنطقة ولبنان، وما يرافقها من سياسة فرز ديني وطائفي.
بغض النظر عن تفاصيل الاستبيان، ورغم تشكيك بعض الحاضرين بواقعيته بكونه تعامل مع شريحة محــددة من المجــتمع، هي فئة الشباب، إلا أنّه يمكن الــقول إنه رسم الصــورة المستقــبلية لما ســتكون عليه وسائل الإعــلام. ذلك أنه كلــما ازدادت قناعة الجيل الصاعد بقدرته على جعل العالم رهينة بين أنامله، زاد الخطر بالنسبة للكتاب والصحيفة المطبوعة، وهما وسيلتان تحوّلتا حالياً إلى أيقونتين في شاشة.
إضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الاستبيان، وإن كان دقّ ناقوس الخطر، لجهة احتمال الانقراض الكلي لبعض الوسائل الإعلامية، إلا أنهّ لم يجب على الكثير من أسئلة الحاضرين حول ماهية «الكارثة» التي جرت الإشارة إليها. فتحوّل الشباب عن متابعة الأخبار والبرامج عبر وسائل إعلامية معيّنة، إلى وسائل أخرى، ليس أكثر من تحوّل حتمي ولد من رحم ثورة القرن التكنولوجية. وقد يعتبر بعض آخر، أن استخدام الوسائط الرقميّة يوفّر الكثير من المال بالنسبة للقرّاء الذين بات بمقدورهم تصفّح آلاف المواقع الإلكترونية مجّاناً.
جريدة السفير/آدهم جابر
29 -05-2015
بتوقيت بيروت