الحادي عشر من كانون الاول، الاحد الماضي، كانت عائلة الشهيد القائد عماد مغنية على موعد مع اجتماع عائلي موسع، في الغبيري بالقرب من روضة الشهيدين، في منزل والد زوجة الشهيد مغنية والتي باتت اماً لشهيد. اجتمع الابناء والاحفاد احتفاء في اجواء ولادة الرسول الاكرم (ص). طُلب من الاحفاد تحضير كلمة صغيرة في هذه المناسبة للحديث عن مخطط كل منهم للعام المقبل. كل ادلى بدلوه.
عندما وصل الدور للشهيد جهاد، اكتفى بالقول: «خططي اخبركم بها الاسبوع المقبل. اعترض الاحفاد والاهل على ما اعتبروه اخلالاً من جهاد بشروط الجمعة العائلية. البعض اتهمه بأنه لم يحضر جيداً. ووسط الضحك والمزاح بقي الحفيد الشاب على اصراره، بأنه سيكشف عن مخططاته بعد اسبوع. وبالفعل اجتمعت العائلة مع جمهور من المعزين بعد اسبوع في المكان نفسه وخطة جهاد كانت الشهادة. هذه الرواية تسمعها من جدته ام عدنان وخالته وعدد من اقاربه، يتكلمون عنها بحسرة والدمع يقطع بكثرة انسيابية الكلام.
سرعان ما يستعيد اهل العزاء البوصلة.
«نبكي افتقاداً لحفيدنا الشاب، ولكننا فرحون بما اختار من طريق». في الصالون الذي
يعج بالمعزين، يلفت هدوء والدة الشهيد. ابتسامة لا تفارق محياها وصبر نادر يجعلها
تصر على القيام من مجلسها للسلام وقوفاً على كل مع اتى معزياً..
تقول احدى المقربات منها لـ «الاخبار» انها «اكثرت في الاونة الاخيرة من الدعاء لجهاد بما يحب وبما كان يطلب منها، اي ان يرزقه الله شهادة مميزة ترفع من قدره وتشرف والده القائد، ولذلك عندما تم اطلاعها على خبر استشهاد نجلها، قالت: لن احزن. انا فرحة لانه نال ما تمنى".
لكن امنية جهاد التي صرح عنها قبل اعوام، يوم تشييع والده، لم تمنعه من ممارسة حياته كشاب يافع (مواليد 1989). تابع دراسته في الجامعة اللبنانية الاميركية في مادة الادارة، وكان يفصله عن التخرج مادة وحيدة. تصفه احدى المقربات من العائلة، بأنه الاكثر شبهاً بوالده الشهيد، لاسيما هدوؤه وذكاؤه. "كان منصتاً جيداً، جدياً في حياته العامة بخلاف مزاجه المرح مع اسرته الصغيرة، فهو الاخ الاصغر العازب لعائلة تتألف من مصطفى وفاطمة، وكلاهما متزوجان".
«يا حبيبي يا تاتا» تنادي جدته، وتكمل: «عم تِحلو كتير وعم تربى هالدقن الحلوة يا حبيبي. بكير رحت». لكنك تسمع مباشرة بعد هذا الكلام: «الحمد لله. هذا البيت قدره الشهادة والشهادة هبة منحها الله للخاصة من الاولياء».
لمــى حسين
جـريدة الأخبـار
الشهيد جهاد عماد مغنية
بعد استشهاد والده قبل سبع سنوات،
تعرف الفتى النحيل جهاد عماد مغنية الى بلدته طيردبا، التي كانت حكمت الإجراءات
الأمنية لوالده الشهيد عماد عدم التردد عليها علناً لأكثر من عقدين من الزمن.
في إطلالته
الاولى، وكان عمره يومها ستة عشر عاماً، اعتلى الفتى الذي ارتدى قبعة وبدلة
سوداوين المنبر خطيباً متحدثاً باسم العائلة، متوعداً بالثأر لدم والده والسير على
نهجه، بعدما كان تقبل التعازي الى جانب جده الحاج فايز وأفراد العائلة.
انخرط الفتى الوسيم، الذي لم تظهر عليه خشونة العسكر، في السنوات الاولى التي اعقبت استشهاد والده، في المناسبات والانشطة التي كانت تقام في البلدة، خصوصاً دورات كرة القدم التي تحمل اسم والده. ولكن وتيرة زياراته عادت وتراجعت بعد دخوله الجامعة الأميركية في بيروت وحصوله على شهادة في ادارة الاعمال، حيث كان في فترة دراسته ممثلاً لطلاب «حزب الله» في الجامعة. أما آخر زيارة، فكانت لمعايدة جديه في عيد الأضحى المنصرم.
حَلم الفتى، الذي صار قائداً ميدانياً
في «المقاومة الاسلامية» بعد تخرّجه من الجامعة، بالسكن في منزله المستقبلي الذي
يشيّد ضمن بناء يجمعه إلى جانب أشقائه في بلدته طيردبا، لكن أمله قد تبدّد.
استشهد جهاد
قبل أوانه، وهو جهاد الثاني الذي اطلق والده عليه الاسم تيمناً بشقيقه جهاد الذي
استشهد في العام 1984 في بيروت، وكان في عمر يقلّ عن عمر جهاد الثاني.
انضمّ جهاد، شقيق مصطفى الابن الاكبر للشهيد عماد وفاطمة وأخ فؤاد وحسن وحسين وإسراء وزهراء، الى عنقود شهداء عائلة فايز مغنية بعد والده عماد الذي استشهد بعملية تفجير إسرائيلية في سوريا في شباط 2008 وعميه فؤاد الذي استشهد في متفجرة إسرائيلية ايضاً في الرويس العام 1992 وجهاد الذي استشهد في القصف على الضاحية العام 1984.
مضى جهاد الى السبيل الذي اختاره بالفطرة والعقيدة، تاركاً وراءه حزناً من جهة وفخراً من جهة أخرى.
حسيـن سعـد
جــريدة السفيـر
بتوقيت بيروت