إنهم عيون إسرائيل وآذانها. لا يعملون على الحدود ولكنهم يخترقون الحدود من دون رؤيتهم. مهمتهم التنصت والرصد والوصول الى الإسرار. هم مدربون على اختراق اي كمبيوتر واي كلمة سرّ في العالم. من داخل غرفهم، التي تملأ جدرانها شاشات عملاقة، يسترقون السمع على كل مواطن لبناني وعربي الذين باتت حياتهم اليومية بمثابة صفحة مفتوحة لهؤلاء، يعلمون بأدق تفاصيلها.
هم عناصر الوحدة «8200»، الأكبر والاهم في الجيش الإسرائيلي، والتي تقوم بالتجسس الالكتروني، وتتألف من آلاف الجنود والمجندات. يراقبون الدول يخترقون شبكات الاتصال والانترنت في الدول والقرى والمدن. في حقيقة الأمر هم ذراع التنصّت الإسرائيلي الهائل.
تحولت هذه الـ«8200» من وحدة متواضعة متخصصة في التنصت على الهواتف، الى وكالة هائلة لجمع المعلومات الالكترونية من كل الأنواع.
لهذه الوحدة قاعدة تجسس سرية تتبع لها في منطقة النقب الغربي، وتعتبر الأكبر في العالم. كما أنها ترتبط بنقاط تجسس سرية في مناطق عدة.
بنيت المحطة في عام 1996، بتعاون أميركي ـ بريطاني ـ كندي ـ أسترالي ـ نيوزيلندي، لاعتراض المكالمات والتجسس عليها في جميع أنحاء العالم. تقوم هذه المحطة بنقل المكالمات إلى المقر الرئيسي لاستخبارات «الوحدة 8200» في مدينة هرتسليا، شمال تل الربيع المحتلة. وهناك تتم ترجمتها ونقلها إلى وكالات أخرى، بما فيها الجيش ووكالة المخابرات المركزية والموساد، ومقر الاتصالات الحكومية «GCHQ» البريطانية، والأمن القومي الأميركي وكالة «NSA» ووكالة «MI6» البريطانية.
يوضح الرئيس السابق لجهاز «أمان» الجنرال المتقاعد اوري ساغيه، مهام الوحدة بالقول: "تعتمد على أربع صور من العمل في المجال الاستخباري وهي: الرصد، والتنصّت، والتصوير، والتشويش".
تعمل «وحدة 8200» بشكل وثيق مع وحدة «سييرت متكال»، الوحدة الخاصة الأكثر نخبوية في الجيش الإسرائيلي والتي تتبع مباشرة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وبالإضافة إلى تخصّصها في تنفيذ عمليات الاغتيال التي تتم في العالم العربي.
ينبثق
عن «الوحدة 8200» وحدة أخرى تسمى «حتساف»، التي تعمل بدورها على جمع المعلومات من
المصادر العلنية، وتعتبر جزءا مما يطلق عليه (القاعدة الإستخباراتية)، كما تنبثق
عنها وحدة أخرى عملت العام2007 في لبنان، ويطلق عليها «عميحاي»، وهدفها كان جمع
المعلومات واستخلاص ما يبث في وسائل الإعلام اللبنانية.
وينسب
لـ«الوحدة 8200» عدد من النجاحات أبرزها:
1. التقاط محادثات هاتفية بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والملك الاردني حسين في العام 1967.
2. فك شفرة إيرانية معقدة والتنصت على الإتصالات مع باكستان في ما يتعلق ببرنامجها النووي.
3. قيامها بالتعاون مع الاستخبارات الأميركية بتطوير الفيروسات الأميركية التي هاجمت الحواسيب في إيران.
وبالرغم من سجلها الحافل، إلا ان هذه الوحدة تعرضت لإخفاق رهيب في حرب تشرين الأول 1973، بعدما فشلت في إعطاء إنذار عن نشوب هذه الحرب. أما الإخفاق الأبرز للوحدة، فقد جاء بعد نجاح «حزب الله» في تفجير هاتف محمول مفخخ في قلب المختبر السري للغاية داخل مقر قيادتها.
وفي
كتابه «دولة إسرائيل ستفعل كل شيء» اعتبر رونين برجمان أن هذه العملية التي أطلقت
عليها شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في ما بعد اسم «ملف الكرتون»، «تعد مثالا مسبقا
على الفشل الذريع الذى مُني به الجيش الإسرائيلي أمام حزب الله في لبنان".
وفي رواية
برجمان، «شن رجال حزب الله» في ليلة العشرين من شباط العام 1999 هجوما على مقر
قيادة الكتيبة 20 التابعة لجيش لبنان الجنوبي في بلدة جزين."وتم تفجير
المبنيين بواسطة زرع مواد ناسفة بقربهما. وخلال عمليات التمشيط التي قام بها قائد
الكتيبة صباح اليوم التالي، عثر بالقرب من المبنى الذى انهار على هاتف محمول
لبناني، ومخزني رصاص خاليين لبندقية كلاشينكوف، وكذلك فتيل تفجير أصفر اللون طوله
30 سم".
ويضيف برجمان: «تضمن تقرير التحقيق الداخلي الذي وضعه ضابط الاستخبارات من وحدة الارتباط مع لبنان العقيد آفى لازروف، توصية مذيلة بعبارة: الهاتف اللبناني سوف ينقل أولا إلى الوحده 8200». وتابع: "هكذا دخل الهاتف اللبناني إلى قدس الأقداس".
أضاف بجرمان: «نُقل الهاتف إلى ضابط الاستخبارات في جان شيكاميم، وحدة جيش لبنان الجنوبي الموازية للوحدة 8200، والذي قام بدوره بنقله إلى رئيس قسم الأهداف في الوحدة 8200، ثم نقله هذا الأخير إلى قاعدة الوحدة في شمال إسرائيل، لينقل بعدها من هناك إلى رئيس الشعبة المتخصصة بمتابعة حزب الله، والذي أخذه بدوره إلى قيادة الوحده 8200 في وسط إسرائيل. ولكن الجميع نسي تعليمات الأمن الرئيسية، والتي تقول إنه ينبغي فحص الجهاز بدقه تحسبا من أن يكون مفخخا".
علق
الخبراء في الوحدة آمالا كبيرة على هذا الهاتف واعتقدوا أنهم سيخرجون منه بأرقام
هواتف وبيانات أخرى تمكنهم من تعزيز الرقابة على «حزب الله». وفي هذه الأثناء،
كانت بطارية الهاتف المحمول اللبناني قد فرغت وتعيّن شحنها، وفي النهاية وصل
الهاتف إلى أيدى ضابطين يدعيان عوديد وعينبار في مختبر داخل منشأة بالغة الأهمية
والسرية في مقر قيادة الوحدة 8200، داخل نفس المختبر السري اخترعت مجموعة من
الجنود برنامج «firewall».
ويشير برجمان،
الى ان «عوديد وعينبار اتصلا برئيس الشعبة، وسألاه ما إذا كان قد تم فحص احتمال
تفخيخ الجهاز، فرد عليهما بأنه لا يعرف، ولكنه يعتقد أنه تم فحصه، وإلا لما وصل
الجهاز من لبنان إلى المختبر. هنا توجه عينبار إلى الملازم حانان، وقال إن الهاتف
أتى من قرية جزين، وطلب منه المساعدة. توجه كلاهما إلى المختبر، وهناك قاما بتوصيل
شاحن بطارية مناسب بالهاتف. جلس عينبار بجوار الطاولة، وأمسك الهاتف بيده اليسرى،
فيما كانت لوحة مفاتيح الهاتف ناحية كف يده الممدودة إلى أسفل، أما البطارية فقد
كانت موجهة إلى أعلى لتمكين حانان من شحنه بالكهرباء. وفي نحو الساعة (18:30)،
أوصل حانان البطارية بمصدر الشحن، فانفجر الهاتف".
وختم: " هز هذا الانفجار أحد أكثر المؤسسات حساسية وسرية في دولة إسرائيل، وترك أصداء في أنحاء القاعدة الكبرى التي يخدم فيها آلاف الجنود، ومازال يُذكر حتى اليوم في الوحدة 8200 كصدمة".
علي دربج-صحيفة السفير اللبنانية
بتوقيت بيروت