قبل اثني عشر عاماً، وقبل خمسة أشهر من إحدى أبرز محطات الانتصار التي تمثلت باندحار العدو عن معظم الأراضي اللبنانية المحتلة عام 2000، أضافت المقاومة الإسلامية صفحة جديدة من صفحات العز إلى كتاب الأمّة في المواجهة ضد الاحتلال، وجاءت حروفها بحبر من دم المجاهد عمار حسين حمود الذي نفّذ عملية استشهادية بتاريخ 30/12/1999 استهدفت قافلة عسكرية إسرائيلية عند مثلث القليعة – الدمشقية – مرجعيون، مما أدى إلى تدميرها وسقوط من فيها بين قتيل وجريح. وجاءت العملية الاستشهادية في توقيت حمل دلالات سياسية وعسكرية كثيرة، خصوصاً مع الإعلان عن استئناف عملية التسوية في 3/12/2000، وفي بداية ليلة القدر في 22 من شهر رمضان المبارك في ذكرى استشهاد الإمام علي (ع) وعشية يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الخميني (قدس سره)، فتم تسمية العملية بـ”عملية ليلة القدر الاستشهادية”.
تفاصيل العملية
في تمام الساعة 5.17 دقيقة مساءً وبنداء “يا أمير المؤمنين”، انطلق الاستشهادي حمود صائماً وبهدوء وسكينة بسيارة مفخّخة من نوع “رانج روفر” نحو طريق رئيسية في قرية القليعة، واستطاع تجاوز الإجراءات الأمنية الإسرائيلية في عمق المنطقة المحتلة، وعندما أصبح بموازاة القافلة فجّر الاستشهادي سيارته ليدوّي انفجار ضخم أدّى إلى مقتل سبعة جنود إسرائيليين على الفور كانوا داخل شاحنة دُمّرت تدميراً كاملاً ووقوع بقية أفراد القافلة جرحى. وذكرت مصادر عسكرية أن العبوة الناسفة بلغ وزنها 250 كلغ من المواد الشديدة الإنفجار وكانت كفيلة بأن تدمّر منطقة قطرها بين 30 و40 متراً، ولفتت إلى أن سرعة التفجير في هذه الحالة تبلغ بين 6000 إلى 7000 متراً في الثانية الواحدة، ودرجة الحرارة تبلغ بين 3000 إلى 4000 درجة.
العدو..هستيريا وتحقيقات
وأكدت مصادر داخل المنطقة المحتلة أن صراخ الجنود اختلط مع أصوات الرصاص التي أطلقها من بقي على قيد الحياة في حالة هستيرية نتيجة الرعب الذي أصابهم، وحضرت على الفور قوات إسرائيلية كبيرة وضربت طوقاً أمنياً حول مكان العملية، في ظل قيام المروحيات وسيارات الإسعاف بنقل القتلى والجرحى. ونقل العدو الشاحنة المدمّرة بعيداً عن الأنظار، وفرض تكتماً إعلامياً على نتائج العملية مدعياً وقوع جريح واحد وجرحى مدنيين، في أظهرت مشاهد عرضها التلفزيون الإسرائيلي وتلفزيون “الشرق الأوسط” التابع لميليشيا العملاء اللحديين نقل أكثر من سبعة جنود على الحمالات وفي أوضاع مختلفة. وشنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات طالت العديد من السكان في جوار مكان العملية وأمر رئيس الأركان شاؤول موفاز بتشكيل لجان تحقيق ترأسها قائد المنطقة الشمالية غابي اشكنازي، وتركزت التحقيقات على معرفة كيفية وصول الاستشهادي إلى مكان تنفيذ العملية، وكيفية إدخال السيارة إلى المنطقة المحتلة، أو من أين أتت.
السيد نصر الله يزفّ خبر العملية
وأصدرت المقاومة الإسلامية ثلاثة بيانات شرحت فيها تفاصيل العملية الاستشهادية ونتائجها تباعاً، وقالت إنها استهدفت قافلة صهيونية مؤلفة من شاحنة عسكرية وكمنكار عدد 2 وآلية هامر، وأدّت إلى قتل وجرح ما لا يقل عن 15 عسكرياً صهيونياً بينهم ضابط برتبة كبيرة، وأوضحت أن الشاحنة العسكرية التي استهدفها الاستشهادي حمود من نوع مرسيدس كانت تحوي في داخلها سبعة عسكريين صهاينة قتلوا بأجمعهم ودمّرت تدميراً كاملاً فيما وقع بقية أفراد القافلة جرحى. وقد أعلن الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن إسم بطل العملية في مراسم احتفال يوم القدس العالمي، وكان والد الشهيد حاضراً في الاحتفال. وقال سماحته إن والد الاستشهادي جاءه وأعلن عن تقديم أولاده الخمسة الباقين، وإن انتهى الدور من الأولاد فهو سيقدّم نفسه والوالدة أيضاً”، لافتاً إلى أن الشهيد عمار اشترط ألا يُمنع أحد من أخوته من متابعة طريق الجهاد والمقاومة”.
دلالات ورسائل
رسمت عملية الاستشهادي عمار حمود علامات استفهام كبيرة، وشكّلت صدمة قاسية للمستويات السياسية والعسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني، لا سيما أنها كانت العملية الاستشهادية الأولى بعد عدوان “عناقيد الغضب” في نيسان 1996، وبعدما ظنّ الاحتلال أن المقاومة الإسلامية لم تعد قادرة على تشخيص واختيار أهدافها والوصول إليها نتيجة الإجراءات المشدّدة التي اتبعها العدو، فضلاً عن تغيير تكتيكاتها العسكرية المتعلّقة بتنقّل آلياتها وجنودها، حيث قلّل من اعتماد القوافل السيّارة واستبدلها بنقل الجنود والعتاد بواسطة المروحيات العسكرية بهدف تجنّب الوقوع في كمائن المقاومة الصاروخية والاستهداف بالعبوات الناسفة، فضلاً عن استخدام القيادات العسكرية الصهيونية السيارات المدنيّة المصفحة. ومن أهم الدلالات الأخرى للعملية أن المجاهدين لا زالوا يمتلكون زمام المبادرة، وأن القرار الميداني لا يتغيّر مهما تبدلت الظروف السياسية، لأن الهدف هو ضرب الاحتلال في الزمان والمكان المناسبين، وهذه الرسالة وجّهتها المقاومة الإسلامية إلى رئيس حكومة العدو إيهود باراك آنذاك الذي تحدّث عن نيته بسحب جنوده من لبنان خلال صيف العام 2000.
نبذة عن الاستشهادي عمار حمود
ولد الشهيد عمار حسين حمود في منطقة بئر العبد ببيروت في 20/12/1979، ويعود أصله إلى بلدة دبين الجنوبية، وقد سُمي بهذا الاسم تيمناً بالصحابي الجليل عمّار بن ياسر.
تميّز الشهيد في طفولته بكثرة نشاطه وحيويته، لدرجة أنه كان لا يهدأ ولا يتعب، وقد نشأ في كنف أسرة ملتزمة التزاماً فطرياً. تلقّى علومه الأولى في مدرسة سان جوزيف – الرويس، ومنها انتقل إلى ثانوية حارة حريك الرسمية لينهي دراسته الثانوية، ويلتحق بعمله الجهادي.
اعتاد الشهيد على ارتياد المسجد مع والده مذ كان في السابعة من العمر، ومع بلوغه سن التكليف الشرعي بدأ بأداء الواجبات الدينية، فكان مواظباً على صلاة الليل وقراءة القرآن، وبعض الزيارات والأدعية، بالأخص أدعية التوسل، كميل، الندبة، وزيارة عاشوراء، كما وكان كثير الصوم.
جمع الشهيد في شخصيته بين الحزم واللِّين، وبين الجدِّ والمزاح، وقد أهلّته شخصيته القيادية إلى امتلاك خبرة على مستوى الإدارة والتنفيذ، برزت من خلال تجربته كقائداً كشفياً في كشافة الإمام المهدي “عج” لعدّة سنوات، وكمندوباً للتعبئة التربوية في ثانوية حارة حريك، إضافة إلى التحاقه بالحوزة العلمية.
عاش الشهيد عمار حالة الجهاد، منطلقاً من المسجد الذي رعاه، ومن العمل الكشفي الذي أخذ بيده إلى أن اشتدّ عوده، ومن المنزل الذي خرّج أخاه محمد الذي استشهد خلال مشاركته في إحدى العمليات بتاريخ 10/10/1998
بتوقيت بيروت