لم يكن سوى صوت آلة المراقبة تنبئُ أن القلب لا يزالُ ينبض، والصمتُ أضفى على الغرفة برودة تنقرُ العظام.. حينما دخل إليه، وجده مغمض العينين، تمتدُ إليه حبالٌ من أمصال تغذي ما تبقى فيه من روح. ارتجف قلبه له، وغزت عينيه دمعةٌ ضاعت في أخدودٍ أحاط بها.
في تلك اللحظة، ضاعت تعابيرُ الوجه والروح في آن.. بل وصارت روحه تشبهُ كثيراً "جواد"، تحتاجُ إلى حبال من الأمصال لتربطه بالدنيا..
جلس بالقرب منه، وكان جواد في غيبوبة أخذته عن الدنيا. راح ينظرُ إلى ملامحه بحثاً عن تلك الابتسامة الملائكية.. عن رنين الضحكة التي توقظ القلب.. عن الصوت والهمس.. عن الكلام الجميل والمزاح اللطيف.. عن الشرط الذي اشتراطاهُ من يسبقُ منهما إلى الشهادة.. غصَّ ابراهيم بالذكريات حتى كادت أن تفيضَ روحه لكثرة ما ضاقت الدنيا عليه..
" ربحتَ الشرط يا جواد "..
قال سكوته وهو يمد يده إلى يد جواد ويضغط عليها..
كانت الساعة الواحدة ليلاً، يومها دخل رفاق جواد إلى المستشفى غير آبهين بمواعيد
الزيارة، فبرقُ الشوق حينما يضربُ بأفق الأفئدة لا بدَّ لغيث اللقاء أن ينهمر!
جلسوا قليلاً، ثم أرادوا الرحيل، غير
أن إبراهيم رفع بيده لهم: ارحلوا أنتم، أنا سأبقى بالقرب من جواد..
تركوه في برودة تلك الغرفة جالساً بالقرب منه يناجيه ويحاكيه بأشياء لم يعرفها
أحد.. وربما كان الاعتذار أحدها عن التأخر في القدوم إليه، فابراهيم، كان كعادته
يصلي في مسجد القائم (عج)، حينما التقى برفيقه، فطلب إليه أن يدعو له لأنه سيتوجه
إلى المحور.. ولكن ما سمعه من صديقه سقط كالصاعقة فوق قلبه: لا تذهب الآن.. جواد
في المستشفى وحالته خطرة.. إنه في غيبوبة.. اذهب لزيارته..
لم يكن ابراهيم على علمٍ بذلك.. وربما بقاؤه في تلك الليلة بالقرب من جواد محاولة للتخفيف من شعور بالتقصير تجاه رفيق دربه..
كانتْ يدُ ابراهيم تحضنُ يد جواد.. ولا شيء في تلك الغرفة سوى أنفاس رجلٍ تغالبه الدمعات، وصوت آلة سرعان ما سكتت..
انتفض ابراهيم من مكانه صارخاً: جواد... جواد...
هُرع الطبيب وطاقم من الممرضين.. كان ابراهيم من خلف زجاج الباب ينظر اليهم.. ولكنه أدرك أن ما يفصله عن جواد بات الآن أكثر من باب...
حمل ابراهيم نعش رفيقه، وحضر له المثوى الأخير.. ورمى قلبه مع الورود المتناثرة فوق التراب.. ونثر روحه دموعاً ساخنة..
ربحت الشرط يا جواد.. ولكن...!
تسارعت الأحداث، وعاد ابراهيمُ جريحاً.. حينما دخل المستشفى عصرت الحسرة قلبه، وتمنى لو أنه يغادر سريره ليتوجه إلى غرفة العناية الفائقة فيلقي نظرة على السرير الذي غادره جواد، ربما ذلك يخفف من ألم الفراق وشغف اللقاء..
كان الرفاق يتحلّقون حول ابراهيم، صاحب الضحكة التي لا تغربُ، وإن كان خلفها ألف وجع ووجع، ويخبرونه أنه سيبقى هنا، وأن الجريح لا عودة له إلى المحاور.. فيضحك.. ولا يجيبهم إلا بضحكة.. هكذا كان حتى آخر لحظة.. أجمل ما يمكن أن تسمعه على سؤالك له، ضحكةً لا تبارح قلبك..
لم ينتظر ابراهيم أن تبرأ جراحه، فما في قلبه من جراح لا تبرأ إلى بشيء واحد..
كان يوم الأحد.. رنّ هاتف أحد أصدقائه الذي أُتخِم هاتفه برسائل من ابراهيم تحمل كلمة واحدة : دعاءك.. دعاءك.. دعاءك..
حينما ردّ عليه، كانت نبرة صوت إبراهيم فيها رنين غريب.. قال له ابراهيم: لقد رأيتكُ في الرؤيا، كنتَ وفلان، وجاء جواد الزين همس لي بشيء وضحك..
لم يعرف أحد بما همس جواد لإبراهيم ... وفي اليوم التالي، استشهد ابراهيم......
قصة الشهيدين :
- محمد جواد ناصيف الزين (عروج) مواليد بافليه 01/11/1990، استشهد أثناء دفاعه عن المقدسات بتاريخ 21/04/2013 .
- ابراهيم سامي مسلماني (عابس)، مواليد الجبين 16/2/1989، استشهد اثناء دفاعه عن المقدسات بتاريخ 8/7/2013.
نسرين ادريس قازان
12/07/2013
احياء ولكن لا تشعرونومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا2013-11-15 16:42:23 |
|
لبيك ياحزب الله..لبيك يانصر اللهاللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ياكريم تحية إلى الشهداء الأبرار رضوان الله عليهم هنيئاً لهم تحية لسيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله(حفظه الله) تحية لرجال الله المرابطين الثابتين على طريق الدفاع عن الحرية والكرامة والوطن الغالي نصركم الله بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين أسألكم الدعاء2013-07-26 00:15:19 |
|
اعجابهنيئا لهم قد صدقوا ما عاهدوا الله عليه حفظ الله شباب المقاومة الاسلامية في لبنان وحفظ الله الوعد الصادق السيد حسن نصر الله وكل قادة المقاومة وانار الله لنا ولكم الطريق حتى قيام دولة الحق في كل انحاء المعمورة ان شاء الله بحق محمد وال محمد (ص)2013-07-18 03:19:52 |
|
همسات الروحاكثر من رائع2013-07-17 19:24:13 |
بتوقيت بيروت