عرض قائد الجبهة الداخلية في جيش الاحتلال الإسرائيلي اللواء إيال أيزنبرغ في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" وضع الجبهة عند وقوع المواجهة المقبلة مع حزب الله، حيث يتوقع أن يُطلق فيها أكثر من ألف صاروخ يومياً في أقل تقدير على الجبهة، فيما تتحدّث التقديرات الاسرائيلية عن أن حرب لبنان الثالثة ستفوق بنتائجها حرب لبنان الثانية بعشرة أضعاف.
وفيما يلي نصّ المقابلة المطوّلة التي نشرتها الصحيفة:
منذ وقوع حرب لبنان الثانية عام 2006 حصلت الجبهة الداخلية الاسرائيلية على مكانة مختلقة في نظر الجهاز الأمني، وقد حسمت الصواريخ الـ 4200 التي سقطت داخل فلسطين المحتلة في أيام القتال الـ 34 الامر نهائيا، وأصبح واضحا منذ ذلك الحين كما يعلم هذا جيدا أطراف الصراع جميعا أن أي معركة مهما كبرت أو صغرت ستكون مصحوبة بإطلاق كبير لصواريخ وقذائف على الجبهة الداخلية في الدولة.
إن منزلة قائد الجبهة الداخلية والمسؤول الرئيسي عن علاج حماية الجبهة الداخلية تغيرت، وما زال الخطر المهني الكبير يهدد هذا المنصب (اضطر قائد الجبهة الداخلية في حرب لبنان اسحق غرشون الى الاستقالة على أثرها)، إلا أنه لم تعد تتعرّض مركزيته للشكّ. ففي الجبهة الداخلية لا توزع أوسمة شجاعة. وفي حين يرسم قادة آخرون في خيالهم مداورات حاسمة في عمق أرض العدو، يجب على قائد الجبهة الداخلية ان يُغرق نفسه في أدق التفصيلات مثل إمداد الاطفال بالحليب وترتيب الأسرة في المستشفيات الميدانية في حال الحرب. ولهذا يُذكرنا حديث مع قائد الجبهة الحالي إيال آيزنبرغ قليلا باسم مسرحية حانوخ ليفين "أنتِ وأنا والحرب القادمة.
ليس لدى آيزنبرغ كما أسلافه أوهام تتعلق بطبيعة المواجهة. هو لا يريد ان يشغل نفسه بالتخويف كما قال في المقابلة مع صحيفة "هآرتس" حتى لو لم يكن الوضع سهلا في الحرب التالية.. لقد تخلى أعداؤنا عن توجه الحسم الذي كان يهديهم في حروب الماضي وتبنوا في السنوات الاخيرة توجه الاستنزاف. وأنت ترى مسارا مذهلا للتسلح بقذائف صاروخية وصواريخ كل الهدف منها اصابة الجبهة الداخلية في دولة "اسرائيل"، وهذا تغير دراماتي.
رغم أن حرب لبنان الثانية التي قاتل فيها آيزنبرغ قائدا لفرقة انتهت بنتائج مختلطة، ما زال حزب الله يرى أن إطلاق القذائف الصاروخية على الجبهة الداخلية الاسرائيلية نجاح نسبي. هذه أخف نفقة بالنسبة اليه، فهذه وسائل قتالية بسيطة تُحدث أثرا كبيرا نسبيا بكلفة ضئيلة. حزب الله قبل 2006 كان قادرا على إطلاق 500 رأس صاروخي على "غوش دان"، ولم يحدث ذلك لأن سلاح الجو الاسرائيلي دمر صواريخ فجر الايرانية في أولى ليالي الحرب خلال عملية "الوزن النوعي"، وقُصفت صواريخ بعيدة المدى وهي الزلزال في الايام التي تلت ذلك، وهو قادر اليوم على ان يطلق على مركز البلاد من القذائف الصاروخية عشرة أضعاف ذلك – وستكون رؤوس الصواريخ أثقل وأدق ايضا.
معنى هذه المعطيات "الجافة" أنه اذا نشبت حرب مع حزب الله فإن "غوش دان" ستقع تحت رشقات صاروخية كثيفة. ويملك حزب الله نحو خمسة آلاف رأس صاروخي تبلغ أوزانها بين 300 كغم الى 880 كغم. وأُقدر أن تكون الايام الاولى صعبة جدا، وأنا أستعد لسيناريو يُطلق فيه على الجبهة الداخلية أكثر من ألف صاروخ وقذيفة صاروخية في كل يوم قتال.
ويقول آيزنبرغ إن "اسرائيل" لا تبحث عن مواجهة عسكرية كهذه ولن تكون هذه الحرب مجدية على الطرف الثاني أيضا. فـ"اسرائيل" تعرف كيف تُحدث ضررا كبيرا بأعدائها بدرجات مئوية مضاعفة عما يستطيعون إحداثه لنا، بواسطة سلاح أكثر تدميرا ودقة يملكه سلاح الجو الاسرائيلي، وسيضطر العدو الى أن يختار هل يريد ان يرى انقاضا حينما يخرج من الملاجئ الحصينة بعد انتهاء الحرب.. المشكلة هي ان الطرفين في النهاية سيخرجان متضررين من هذه الحادثة وإن كنا نستطيع إعادة بناء أنفسنا بسرعة أكبر.
نكث عهد
قبل نحو سنة ونصف، في ذروة الجدل العام بشأن ضرورة الهجوم على ايران، زل لسان وزير "الدفاع" آنذاك إيهود باراك في مقابلة مع إذاعة "صوت الجيش الاسرائيلي" عندما قال "لن يكون في أي سيناريو حتى 500 مصاب في الجبهة الداخلية نتاج حرب صواريخ. وثبت ذلك الكلام في الذاكرة العامة بصفة تنبؤ بعدد القتلى، لكن باراك كان يقصد في واقع الامر القتلى والجرحى واعتمد على تقديرات باحثين في العمليات العسكرية في جهاز الامن.
ويعترف آيزنبرغ
قائلا "إننا نقوم بإعادة فحص الحسابات"، ويضيف "لقد أخذ التهديد
يتغير أمام أعيننا.. في المعركة التالية قد يقع عدد من القتلى المدنيين في الجبهة
الداخلية أكبر من عدد القتلى في صفوف الجنود في الجبهة الأمامية".
ويتابع قائد الجبهة الداخلية إن "هذا سيكون على نحو ما نكثا لعهد الدولة مع المواطن الذي علم دائما انه في الجبهة الخلفية وسيجد نفسه فجأة في جبهة أمامية ثانية. لن نستطيع الثبات في الحرب بالوسائل العسكرية فقط. ولهذا يجب علينا ان نعالج كثيرا الصمود وقدرة المواطنين على الثبات زمنا طويلا، وأفضّل ألا أشغل نفسي بالتخويف بل بالتدريب والتمرين اللذين يُحدثان علما عند المواطنين ويبثّان الأمن ويبنيان قدرة على مواجهة التحدي.. في جنوب البلاد تعلّموا مواجهة تهديد القذائف الصاروخية من غزة ولا أقول إنهم تعلّموا العيش فليس من السوي معايشة الصواريخ، لكنهم يعلمون كيف يواجهون لحظات الازمة. واذا نشبت حرب يمكن بمساعدة سلوك صحيح للمواطنين إنهاؤها مع أقل عدد من القتلى الذين يتحدثون عنه في السيناريوهات. إن طاعة التوجيهات التي صدرت في الماضي في معارك سابقة أنقذت حياة كثيرين.
منذ الخريف الماضي، قل الانشغال الاعلامي بإمكانات الهجوم على ايران، لكن زاد الخوف من ان يفضي تدهور الحرب الأهلية في سوريا في نهاية الامر الى تصعيد بين "اسرائيل" وحزب الله. وقد أفضى قصف قافلة كانت تنقل صواريخ مضادة للطائرات متقدمة من سوريا الى حزب الله (لم تعترف "اسرائيل" رسميا بالمسؤولية عنه) الى زيادة الانشغال بذلك. يقول آيزنبرغ إن تقدير الجيش الاسرائيلي الاستخباري لا يرى حربا يبادر اليها جيش عربي، لا يراها احتمالا معقولا، لكن كمية البخار المشتعل في المنطقة زادت جدا. قد يوجد تكتيك معقّد يفضي الى معركة شاملة. نحن قلقون جدا لكن هذا جزء من عملنا. ومن اجل هذا ايضا يدفع مواطنو "اسرائيل" ضرائب كثيرة. يجب ان يستمر المواطن في الحياة. اذا بدأت حرب وحينما تبدأ، سيضطر كل مواطن الى ان يدرك انه تحول الى جندي في هذه المعركة – بسلوكه الشخصي وبصورة كلامه وباظهار المنعة والتصميم وقتا طويلا.
برغم المتابعة
الجارية التي تقوم بها الاجهزة الاستخبارية في الغرب والمنطقة، ومنها أذرع
"اسرائيل" الامنية، لمصير مخزون السلاح الكيميائي لنظام(الرئيس السوري
بشار) الاسد في سوريا، فإن آيزنبرغ لا يرى حربا كيميائية مدبرة علينا. هل يمكن ان
يصل سلاح كيميائي ما الى أيد غير صحيحة ويُستعمل؟ هذا مؤكد. وهل يوجد احتمال ما
لهجوم ارهابي غير تقليدي في المستقبل؟ نعم بلا شك. لن يهزم هذا دولة
"اسرائيل" فنحن نعلم كيف نعالج هذا النوع من الاحداث ونحن مستعدون لذلك.
برغم ازدياد خطر استعمال السلاح الكيميائي، امتنعت الحكومة عن قرار صرف نفقة اخرى لشراء أقنعة واقية (زُود أقل من 60 % من الجمهور اليوم بأقنعة ملائمة). وبرغم ان قيادة الجبهة الداخلية أوصت بذلك في الماضي، يعلم آيزنبرغ ان احتمالات تحقيق توصيته ضعيفة. "اذا سألتني أين أضع أول شيكل اضافي لي"، أجيب "انني أختار الانذار".
وقد صيغت في قيادة الجبهة الداخلية خطة تضمن انذارا أكثر تركيزا بإطلاق الصواريخ الى مستوى صافرة تُسمع في نطاق بضعة كيلومترات مربعة فقط وتسمح بمتابعة حياة طبيعية نسبيا في مناطق اخرى عند اطلاق الصواريخ. والعائق كالعادة مالي فكلفة الخطة التي تقوم في أكثرها على تحسين برنامج في نظام الحواسيب الموجود تبلغ 388 مليون شيكل، وآيزنبرغ على يقين أن هذا العمل قد يأتي بفائدة اقتصادية وقد يرد كلفته في سنين قليلة. "فكّر فقط في الجدوى على الاقتصاد اذا استطعت منع وقوع المصانع في شلل".
كانت عملية عمود السحاب آخر جولة قتال أُطلقت فيها قذائف صاروخية على الجبهة الداخلية، فقد أطلق نحو 1500 قذيفة صاروخية من غزة في ثمانية ايام؛ وقُتل ستة اسرائيليين منهم جنديان واربعة مدنيين نتاج اطلاق الصواريخ. وتلقت المدن الكبيرة في الجنوب – بئر السبع وعسقلان وأسدود وسدروت – جزءا كبيرا من اطلاق الصواريخ.
واعترضت بطاريات القبة الحديدية بنجاح نحو 85 % من القذائف الصاروخية التي كانت تشكل خطرا. ويُحذر آيزنبرغ من استخلاص استنتاجات بشأن طبيعة مواجهة أوسع. "كانت تلك عملية صغيرة في مواجهة عدو ذي قدرة هجومية محدودة، برغم أن معدل القذائف الصاروخية اليومي الذي أطلق من غزة كان أكثر بكثير من المعدل في الرصاص المصبوب أو من معدل اطلاق الصواريخ من لبنان في 2006".
ويقول قائد الجبهة الداخلية إن "السلطات المحلية أدت عملها بصورة جيدة.. أظهر رؤساء السلطات مسؤولية وصلابة. وأصبح للمستوى السياسي مجال مداورة واسع. ولم يُستعمل أي ضغط على رئيس الوزراء لإنهاء المعركة في وقت أسرع. وحينما أنظر الى بلدية بئر السبع مثلا فانها تستحق الثناء عليها. فبعد 20 دقيقة من سقوط صاروخ وصل الى المكان قائد الواقعة من قبل البلدية التي أصلح ناسها الاضرار وأعادوا النظام الى ما كان عليه. ويدرك رؤساء السلطات ان المنعة الوطنية لا يمليها قرار حكومة بل تبدأ بالمواطن ثم بالقيادة المحلية".
كما يشير آيزنبرغ الى أنه "في بداية العملية كانت عندنا معضلة كبيرة، فقد علمنا أنهم يستطيعون اطلاق الصواريخ على "غوش دان". فهل نعلن وضعا خاصا في الجبهة الداخلية في شريط يبلغ 80 كم أو 40 عن غزة؟ من الواضح لي أن منعة "اسرائيل" الوطنية مرتبطة ايضا بالقدرة على حفظ التسلسل الأدائي والامتناع عن إضرار مبالغ فيه بالجهاز الاقتصادي".
"بتوصية منا أعلن وزير "الدفاع" باراك وضعا خاصا في الاربعين كيلومترا القريبة من القطاع فقط، وفي الاربعين كيلومترا التالية هيّأنا السكان لإمكانية اطلاق صواريخ. وحينما أطلقت قذائف صاروخية لم يتفاجأ المواطنون في "غوش دان"، كان اطلاق الصواريخ على "غوش دان" محاولة لبث الرعب. لكن "حماس" اطلعت على جبهة داخلية مختلفة، فقد تصرف المواطنون بصورة رائعة وبيّن سلوكهم أن المجتمع الاسرائيلي ليس مبنيا من خيوط عنكبوت، وقد عبّرت عن المنعة المقاهي المفتوحة في "غوش دان".
كانت البطاريات العملياتية الخمس من منظومة القبة الحديدية كافية بصعوبة لمنح أكثر السكان في جنوب البلاد و"غوش دان" خلال عملية عمود السحاب حماية من الصواريخ. ولن يكون هذا كافيا في مواجهة مع حزب الله الذي يملك من القذائف الصاروخية أكثر بكثير مما تملك الفصائل الفلسطينية في غزة. ويتجادلون في جهاز الامن منذ سنوات في انه أين يجب نشر البطاريات عند وقوع الحرب.
ويعرض آيزنبرغ لاول مرة موقف قيادة الجبهة الداخلية عند حصول الحرب "أوصي بالدفاع عن التسلسل الأدائي للدولة وعن القدرة على الابقاء على جهد هجومي للجيش الاسرائيلي زمنا طويلا حتى يتم النصر في الحرب. وهذا الدفاع يعني أيضا الدفاع عن محطات توليد الطاقة وقواعد سلاح الجو قبل المدن الكبيرة، وقد نستطيع في المستقبل ان نفعل هذا وذاك معا. لكن الصحيح الآن مع مقدار قوات البطاريات وصواريخ الاعتراض التي نملكها أننا سنحتاج الى ترتيب أولويات للموارد، وسنضطر الى اتخاذ قرار صحيح وواضح، وقد نستطيع بعد ذلك أن نمنح أكثر سكان الدولة في المناطق المهددة الحماية، لكن هذا سيحدث مع وجود 10 بطاريات اعتراض زائدة ولسنا كذلك الى الآن.
تقرر في جهاز الامن شراء 10 بطاريات بمساعدة أمريكية، لكنه ستمر سنتان في أحسن وضع الى أن تُنشر 10 بطاريات عملياتية.
بتوقيت بيروت