عشرون عاما مضت، على اندحار الجيش الصهيوني عن اراضي لبنانية، في اكبر خطوة ينفذها الكيان الصهيوني، المحتل لاراض عربية، بلا اي مقابل، حسب ما اعلن رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك الدكتور سليم الحص، ولا تزال نتائج هذا الاحتلال تكوي الوعي في هذا الكيان السرطاني في الجسد العربي، ومع اقتراب المناسبة في كل عام حتى تعود الذكرى لدى النخب السياسية والعسكرية والامنية وفي كل عام تكشف هذه النخب بعضا مما كان يدور في الكواليس ووقائع لم يسبق ان نشرت او عرفت لدى الرأي العام..
ولأهمية هذه المناسبة واثرها على العرب والمسلمين ممن ينالهم نصيب من العدوان الصهيوني، ولاعطاء المقاومين، الذين حرروا الارض بدمائهم، ولأهلنا، الذين بذلوا واختاروا ان يقفوا الى جانب المقاومين وقدموا فلذات اكبادهم، سنعمد الى نشر بعض مما كان يدور في هذه الكواليس اظهارا لنهج مقاوم بات نموذجا يحتذى، باعتباره خيار حرية واستقلال..وهنا نص لـ :"ايليا ج. مغناير" نشره موقع جريدة الرأي الكويتية في المناسبة:
“كنا بمثابة المدرّبين لحزب الله. إنها منظّمة تتعلّم بسرعة، وحزب الله الذي نعرفه عند خروجنا لم يكن يشبه أبداً حزب الله الذي التقيناه”، قالها رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي غابي أشكنازي. “للمرة الأولى نلتقي ليس مع جيشٍ تقليدي، إنما مع منظمة لديها إيمان ايديولوجي عميق، وهذا الإيمان إنتصر علينا. لقد كنا أكثر قوة وأكثر تقدُّماً تكنولوجياً وأكثر تطوراً (تسليحياً) ولكن ليس بالروح … لقد كانوا أقوى منا”، هذا ما قاله الجنرال الاسرائيلي آفي إيتام قائد الفرقة 91 المتخصصة بمكافحة العصابات. وقال الون بن دافيد، المحلل العسكري الإسرائيلي في القناة الـ13 وهو خبير في قضايا الشرق الأوسط منذ أكثر من 30 عاماً: “لقد وقف حزب الله وهَزَمَ الجيش الإسرائيلي القوي”.
أما رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، مهندس الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان، فقال: “الإنسحاب لم يَجْرِ كما خُطط له، وقد تعاظمتْ قدرات حزب الله في شكل كبير. لقد إنسحبنا من كوابيس”. ويقصد باراك أن إسرائيل إعتقدتْ انها ستنسحب وتترك عملاءها خلفها وتُبقي على منطقةٍ عازلة فيها جيشٌ تابع لقوات العميل أنطوان لحد. إلا أن للمقاومة حسابات أخرى فأخرجت الجميع وحرّرت الأرض حتى قال الجنود الإسرائيليون أثناء خروجهم أنهم “يحمدون الله على ترْك لبنان لأن لا أحد في (الجيش) إسرائيل يريد العودة”.
كسر كبرياء "اسرائيل"
ففي العام 1982، إعتقدتْ إسرائيل أن الوقت حان لإجتياح لبنان وتغيير النظام فيه ليعقد صلحاً معها وتقضي على التنظيمات الفلسطينية التي خرجتْ عن بوصلة فلسطين وإعتبرتْ أن “طريق القدس تمرّ من جونية” (شعار اطلقه أبو اياد، صلاح خلف) ، وأن لبنان يمكن أن يصبح البلد البديل. ولكن إسرائيل لم تع أنها توقظ المارد الشيعي من القمقم، هذا المارد الذي بدأتْ إشاراتُ ظهوره منذ قدوم السيد موسى الصدر إلى لبنان وعودة طلبة السيد محمد باقر الصدر من النجف الأشرف إلى بلادهم. وقد تزامن ذلك مع إنتصار الثورة الإسلامية في إيران العام 1979. ودَفَعَ الإجتياحُ الإسرائيلي إلى ظهور “المقاومة الإٍسلامية” التي أصبحت تُعرف بعد ذلك بإسم “حزب الله” والتي أجبرتْ إسرائيل على الخروج من لبنان دون قيد أو شرط العام 2000، ليصبح الدولة الأولى التي كسرت كبرياء إسرائيل التي انتصرت على العرب أعوام 1949 و 1956 و 1967 و 1973 والتي اعتقد قادتها أن “فرقة موسيقية تستطيع إحتلال أي دولة عربية”.
وخرجت إسرائيل من بوابة فاطمة لتكتب سوزان غولدبيرغ من الحدود اللبنانية وخلف السياج وهي تشاهد عودة الجنود الإسرائيليين “تركوا الدبابات والمعدات الثقيلة التي تبرّع بها رعاتهم (أميركا). إنه إنسحاب فوضوي ومذلّ بعد عقدين من الإحتلال”.
تأثير السيد نصرالله
وقال مزارع إسرائيلي يعيش في مزرعة شعار يشوف عن الانسحاب: “كانت هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بالخجل من أنني إسرائيلي”. فماذا حققت إسرائيل وحلفاؤها في الشرق الأوسط؟ في العام 1978 إحتلّت إسرائيل جزءاً من جنوب لبنان وفي العام 1982 دخلت أول عاصمة عربية، بيروت. وإرتكبتْ إسرائيل مجازر عدة ترْقى إلى مستوى جرائم الحرب التي تدينها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ولكن العام 1992، إعتقدتْ أنها تستطيع توجيه ضربة لحزب الله بإغتيال قائده السيد عباس الموسوي، فحلّ محلّه تلميذه السيد حسن نصرالله الذي أثبت أنه يستطيع محاربة إسرائيل من خلال أجهزة التلفزيون وانه يتقن الحرب النفسية – مثلما يتقن الحرب غير الكلاسيكية – ليتربّع على عرش جيشٍ منظّم غير نظامي على مستوى التشكيلات العسكرية، حتى قال عنه العقيد الإسرائيلي رونين، رئيس المخابرات في القيادة المركزية، إن “نصرالله أَصْدق من القادة الإسرائيليين، وبالتالي قادر على التأثير على الجمهور من خلال خطاباته ولديه تنظيم أقوى من جيوش عدة في الشرق الأوسط”.
وتعتمد العقيدة الإسرائيلية على مبدأ ضرْب التهديد إستباقياً قبل حدوثه لإخماده في مهده. اغتصبت إسرائيل القدس أولاً بإعلانها العام 1980 جزءاً لا يتجزأ عن عاصمة ما تسمى بدولة إسرائيل. وفي يونيو 1981 هاجمت المفاعلات النووية العراقية التي ساهمت فرنسا في بنائها قبل إستكمالها. وفي العام 2007 ضربت إسرائيل مبنى في دير الزور، سورية، قبل إستكماله لتقول إن المنشأة كانت تُعد لبناء مفاعل نووي. وبعد 6 سنوات من إنسحابها، أعلنت إسرائيل الحرب على لبنان العام 2006 بهدف إستئصال “حزب الله” من الجنوب وتدمير قدرته العسكرية.
"الجيش الاسرائيلي في القبضة"
وقال آفي كوبر ، عضو قسم الدراسات السياسية في جامعة بار إيلان والباحث في مركز BESA الإسرائيلي: “جرتْ الحرب في ظل ظروف مؤاتية لم يسبق أن تمتعتْ بها إسرائيل أبداً، من تَوافُق داخلي، ودعْم دولي واسع، بما في ذلك الدعم الضمني من جانب الدول العربية المعتدلة والشعور بوجود وقت غير محدود تقريباً لتحقيق أهداف الحرب. وكان أداء الجيش الإسرائيلي خلال هذه الحرب غير مُرضٍ، ويعكس المفاهيم العسكرية الخاطئة وضعْف الاحتراف والعمومية. ولم يفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق اهدافه في ساحة المعركة ضد حزب الله فحسب، ولكنه وَقَعَ بيد حزب الله”. وهكذا خرجت اسرائيل من المعركة من دون تحقيق أهدافها وتفاجأت بقدرات الحزب العسكرية التي نجح بإخفائها عن عيون الإستخبارات الإسرائيلية وحلفائها. وكانت النتيجة 121 قتيلاً من الجيش الإسرائيلي و2000 جريح وتدمير فخر الصناعة الإسرائيلية في مقبرة الميركافا أثناء محاولة تقدّم هذه الدبابات في وادي الحُجير. وضُرب الزورقُ الإسرائيلي الأكثر تطوراً، ساعر-5 ، قبالة الشواطئ اللبنانية.
“وأطلقت إسرائيل 2.7 مليون قنبلة صغيرة، أو قنابل عنقودية، لتُسَبِّبَ ألماً طويل الأمد لسكان لبنان إما من خلال إعاقة عودتهم أو تعطيل الزراعة والحصاد بمجرد عودتهم”، بحسب تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة. وإنتهت المعركة لتنسحب إسرائيل وتغلق الأبواب خلفها وترفع السياج بينها وبين لبنان وتنصب الأجهزة الإلكترونية والكاميرات لتمنع أي قفزة من “حزب الله” إلى داخل فلسطين. وقد صَدَقَ رئيس الأركان أشكنازي حين قال إن “إسرائيل علّمت حزب الله”، بل بالأحرى لقد تعلّم حزب الله من الحروب التي شنّتْها إسرائيل عليه طوال الأعوام الماضية. وفي كل حربٍ، رأى حزب الله ضرورةً لتطوير أسلحته وتدريباته لتضاهي وتجابه الجيش الإسرائيلي الذي يتفوّق عليه عدداً وعُدّة ويتمتع بدعم أكبر وأقوى الدول.
"اسرائيل الى العصر الحجري"
ويتمتّع اليوم “حزب الله” بأسلحة متطوّرة جداً من ضمنها الطائرات المسيّرة المسلّحة التي إستخدمها في الحرب في سورية، وبصواريخ دقيقة الإصابة تستطيع الوصول إلى أي مدينة ومطار ومرفأ ومحطات توليد الكهرباء في إسرائيل، وصواريخ ضد السفن، وصواريخ تمنع الطائرت المروحية من المشاركة في المعركة لفرض توازن الرعب، ليعيد إسرائيل إلى العصر الحجري كما كانت إسرائيل تهدّد بإرجاع لبنان إلى العصر الحجري. “حزب الله” هو الكابوس الأسوأ لإسرائيل، وقد نشأ إلى حد كبير من خلال المحاولة الإسرائيلية للإطاحة بالنظام في لبنان وفرْض اتفاقٍ يمكن لإسرائيل أن تصوغه على النحو الذي يناسبها. فقلبت الطاولة على رأسها وأوجدت قوةً كانت صغيرة جداً فأصبحت قوة إقليمية دخلتْ إلى دول الجوار ومنها فلسطين واليمن وسورية والعراق لتبدأ رحلة الحصاد.
بتوقيت بيروت