عشرون عاما مضت، على اندحار الجيش الصهيوني عن اراضي لبنانية، في اكبر خطوة ينفذها الكيان الصهيوني، المحتل لاراض عربية، بلا اي مقابل، حسب ما اعلن رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك الدكتور سليم الحص، ولا تزال نتائج هذا الاحتلال تكوي الوعي في هذا الكيان السرطاني في الجسد العربي، ومع اقتراب المناسبة في كل عام حتى تعود الذكرى لدى النخب السياسية والعسكرية والامنية وفي كل عام تكشف هذه النخب بعضا مما كان يدور في الكواليس ووقائع لم يسبق ان نشرت او عرفت لدى الرأي العام..
ولأهمية هذه المناسبة واثرها على العرب والمسلمين ممن ينالهم نصيب من العدوان الصهيوني، ولاعطاء المقاومين، الذين حرروا الارض بدمائهم، ولأهلنا، الذين بذلوا واختاروا ان يقفوا الى جانب المقاومين وقدموا فلذات اكبادهم، سنعمد الى نشر بعض مما كان يدور في هذه الكواليس اظهارا لنهج مقاوم بات نموذجا يحتذى، باعتباره خيار حرية واستقلال..وهنا نص نشره موقع" رأي اليوم" الالكتروني ـ بريطانيا:
في الذكرى العشرين، أي عشرين عامًا، لاندحار جيش الاحتلال الإسرائيليّ من الجنوب اللبناني، عرضت قناة (مكان) في التلفزيون العبريّ، شبه الرسميّة، سلسلةً من ثلاثة أجزاء حملت عنوان “حرب بدون اسم”، توثّق فيها فترة الاحتلال التي استمرت 18 عاما، وتتخلّلها شهادات من جنود سابقين خدموا في الجنوب اللبنانيّ، إضافةً إلى مقابلات مع سياسيين وضباط كبار عايشوا تلك الحقبة، في سياق يكرر فيه رئيس الوزراء ووزير الأمن الاسبق، إيهود باراك، إنّ قرار الانسحاب من لبنان هو القرار الإستراتيجيّ الأهّم الذي اتخذه في حياته العسكريّة والسياسيّة على حدٍّ سواء.
السر الدفين
روني مَنور، الذي كان منسِّقًا في جهاز الأمن العام (الشاباك) في العام 1982 قال في شهادته إنّ العدوّ عمليًّا هم السكان، قسمٌ منهم كان يعادي دخولنا، ورويدًا رويدا ازداد عددهم، علاوة على ذلك روى مَنور ما عايشه عند تفجير مقرّ الحاكم العسكري الإسرائيليّ لمنطقة صور عام 1982 (عملية الاستشهاديّ أحمد قصير)، فيقول إنّه في الـ11 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، وعند الساعة السابعة إلّا ربعًا صباحًا استيقظتُ، وأنا دائمًا أحمل كتابًا في يدي.. بضربة واحدة بدأتُ بالسقوط إلى الأسفل، أغوص مع سريري والكتاب، ووجدتُ نفسي مغطًّى تمامًا بالحجارة، لكنّ رأسي خارجًا، وقلتُ لنفسي إنّها عملية، كما قال.
وأردف قائلاً إنّ حزب الله لم يكن معروفًا حينها، تأسيسه كان سرًّا دفينًا بأسماء تغطية مثل الجهاد الإسلامي والمقاومة الإسلامية وغيرها، لافِتًا في الوقت عينه إلى أنّه مرّت سنوات حتى فهمت إسرائيل مَن يقف أمامها، وتابع: بعد شهر من العمليات في بيروت، عادت السيارات المتفجّرة وتحديدًا في القيادة الإسرائيليّة في صور. سقوط 28 إسرائيليًا، هذه المرة كان من الواضح للجميع أنّ هذه عملية، مُوضِحًا أنّ الاحتجاج في الجبهة الداخلية الإسرائيليّة تأجج وتزايد وتسلّل إلى صفوف الجيش، على حدّ تعبيره.
عاشوراء
وتوقّف المسلسل الإسرائيليّ عند مراسم إحياء ذكرى عاشوراء في لبنان في تلك المرحلة، فيعتبر أنّها المناسبة الأكثر أهمية في التقويم الشيعيّ، وفي هذه العُجالة يستذكر الجنرال في الاحتياط أوري أور، قائد الجبهة الشمالية بين عامي 1983 – 1986 ما حصل قبل سنوات، فيقول: كانت هناك مسيرة عاشورائية، كانت قوة للجيش الإسرائيلي تعبر بالآلية هناك صدفة وعلقتْ. لم يُقتل أشخاص كثر، كما أذكر، لكن تم إنقاذهم بصعوبة، وفق شهادته. وعن عملية بوابة فاطمة في العام 1985 (عملية الاستشهادي عامر كلاكش) يتحدّث العقيد احتياط نيسيم أسياغ، قائد ورشة لتصليح الآليات في النبطية 1984-1985، حيثُ يقول للتلفزيون العبريّ: كان هذا معبرًا ضيّقًا، لا يمكن لسيارتيْن أنْ تعبرا، على إحداهما التوقف، كنتُ في سيارة الجيب وتوقّفتُ، كان أمامي فعلًا، توقّف، أذكر ملامح وجهه كما لو أنّه اليوم. كانت شاحنةً صغيرةً حمراء، قلتُ له “توقّف لحظة، اسمح لنا بالعبور، لا تتحرّك”، وما أنْ سرتُ قليلا إلى الأمام، سمعتُ صوت انفجار، استدرتُ ولم أرَ السفاري، طارت السفاري، انقلبت داخل الحقول، والمشهد الأول الذي رأيته، جنود يحترقون يركضون نحوي، ويقولون: نيسيم، نيسيم، أطفِئنا، كان هذا المشهد الأول. يركضون إليّ يحترقون، يلتهبون، يشتعلون. لم أكن عابر سبيل في الحادث، كنتُ قائدهم، قال الضابط الإسرائيليّ المسؤول.
اندحار متدرج
وشدّدّ المسلسل الإسرائيليّ على أنّه عقب ضرباتٍ كثيرة ومؤلمة تلقاها جيش الاحتلال، بدأ الأخير بالتفكير بالانسحاب من لبنان، مُشيرًا في هذا السياق إلى أنّ الجيش خرج أولًا من وسط لبنان وتمركز على نهر الأولي، وفي مطلع 1985 تراجع مجددًا جنوبًا على عدة دفعات، لكنه لم يخرج تمامًا من لبنان، إذ أسّس منطقة أمنية ليست محدّدة تمامًا شمال الحدود. في هيئة الأركان العامة، المعارُض الأبرز لمفهوم إنشاء منطقة أمنية، هو إيهود باراك، حينها كان رئيس شعبة الاستخبارات بين عامي 1983 و1986.
عن هذه الفترة، قال باراك للتلفزيون: كنتُ في ذلك الحين في الجهة الأكثر نشاطًا التي عارضت ذلك، التي قالت نحن عشنا ذلك في القناة (قناة السويس). إذا بنيتَ خطًا، الآن عليك حماية هذا الخط، تضع هناك مواقع للمدفع الرشاش. حينها يطلقون عليك من المدفع الرشاش، فتحفر حفرة، لديك خندق، تطلق النار من الخندق، فيطلقون من مدفع هاون 52، ثم تضع ساترًا، فيطلقون مدفع هاون 81، فتبني ملجأً أكثر عمقًا، وهكذا يذهب كرسي وتأتي طاولة، تذهب طاولة فتأتي خزانة، سرعان ما يصبح لديك مواقع وطرق وبنى تحتية وخنادق، مع قضبان في الأعلى ومكعبات من حجارة كبيرة، لكني لم أنجح في إقناعهم، طبقًا لأقواله.
منذ 1988 حزب الله الاقوى
الجزء الأول من سلسلة “حرب بدون اسم” يخلص إلى أنه “بعد سلسلة عمليات وتحطّم في الشومرية، وتحطّم آخر في معركة ميدون سنة 1988، غيّر حزب الله الاتجاه، وبقيادة (أمينه العام الشهيد السيد) عباس الموسوي يتمركز بمساعدة إيران ويبني عشرات المساجد والعيادات والمؤسسات التعليمية إلى جانب قوات حرب العصابات، وخلُص إلى القول إنّه حين اندلعت في أواخر الثمانينيات الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى وانشغل الجيش الإسرائيليّ بالحجارة في غزة ونابلس، أصبح حزب الله المنظمة الأقوى في لبنان، كما قال.
من جهته قال مخرج المسلسل، يسرائيل روزنير، الذي كان جنديًا في العشرين من عمره في العام 1982 وحارب في لبنان، لصحيفة (هآرتس) إنّه عندما حاربنا في لبنان، أردنا قتل المُخرِّبين، بحثنا عن هذا الأمر، أردنا الخروج إلى الكمائن، إذْ أنّ قتل المُخرِّبين كان يُعتبر الأمر الصحيح والجيّدْ لأنْ نفعله، أكّد في حديثه.
بتوقيت بيروت