ربيع عيد
ماذا حلّ بالحراك الشبابي في فلسطين؟ سؤال يطرحه الكثيرون عن غياب الحراك الذي تصدّر في سنوات ماضية المشهد السياسي في أحداثٍ مختلفة، وكان عنوانًا بارزًا في وسائل الإعلام. اليوم يبدو المشهد مختلف كليًا؛ لا شكّ أن هذا الغياب مُتّسق مع الحالة العامّة التي نمر بها فلسطينيًا وعربيًا؛ إلا أنه هناك عوامل أخرى مرتبطة بطبيعة الحراك نفسه لعبت دورًا في هذا الغياب.
والقصد بالحراك الشبابي ليس بحركة أو تنظيم شبابي معين؛ بل الفعل السياسي والثقافي الذي يقوده ويُنظّمه نشطاء شباب متجاوزون لتموضعاتهم الأيدولوجيّة والمؤسساتيّة والمناطقيّة من ناحية الانتماء وساحة العمل الأصليّة، نحو حالة وطنيّة عامّة كما حصل على سبيل المثال عام 2011 في الحراك الشبابي لإنهاء الانقسام وانتخاب مجلس وطني فلسطيني في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة والحراك الشبابي ضد مخطط برافر في الداخل الفلسطيني عام 2013.
هذان الحراكان كانا الأبرز في فلسطين في العقد الأخير على صعيد العمل الشبابي السياسي، حيث تمكّن فيها الحراك من تقديم خطاب وفعل سياسي جديدين، تجاوز فيه حالة التجزئة وأخذ زمام المبادرة في التصعيد والمواجهة والإبداع والتحشيد، متأثرًا بروح الثورات العربيّة ومستلهمًا أساليبها ومعتمدًا في بنيته التنظيميّة على اللامركزيّة.
هذه المرحلة الجديدة من الحراك الشبابي الفلسطيني كان لها ارتداداتها في مناسبات وأحداث أخرى مثل الحراك المساند لإضرابات الأسرى الفلسطينيين عن الطعام والاعتقالات الإداريّة، وهبّات الغضب التي اجتاحت الشارع الفلسطيني في أعقاب حرق واستشهاد محمد أبو خضير والعدوان على غزّة وقضيّة البوابات الإلكترونيّة في المسجد الأقصى وغيرها.
جزء أساسي من تراجع الحراك هو الحالة السياسيّة العامّة وما نتج عنها من إحباطات بعد الانتكاسة الكبيرة للثورات العربيّة وتجذر الإنقسام الفلسطيني سياسيًا ومجتمعيًا وتراجع دور الحركة الوطنيّة، يرافقه استشراس "إسرائيل" في مشاريعها الاستعماريّة واستهدافها للعمل السياسي وقمعها للناشطين وحملات الاعتقالات الكبيرة، دون أن ننسى أيضًا ذكر القمع السياسي الذي يتعرض له الناشطون الشباب في الضفة الغربيّة من قبل السلطة الفلسطينيّة وفي قطاع غزّة من قبل سلطة حماس. بالإضافة إلى كل ذلك؛ الحراك بالأساس يعتمد على الناشطين الذين يتغيّر مدى نشاطهم ومساهمتهم في العمل لأسباب وظروف حياتيّة كالزواج والاستقرار والعمل الخ.
هناك عوامل أخرى قلّما تُناقش في الكتابات التي تتناول الحراك الشبابي في فلسطين، وهي مرتبطة بشكل أساسي لغياب التقييم ما بعد الفعل السياسي. مثلًا؛ ما أن أعلنت الحكومة الإسرائيليّة عن تجميد مخطط برافر، توقف نشاط الحراك ولم يستكمل عمله تجاه القضية التي خاض نضال لأجلها، ولم تجرِ عمليّات تقييم ومتابعة للمرحلة القادمة. تميّز الحراك السياسي خلال فترة نشاطه بتنظيمه للندوات وحلقات النقاش، إلا أنّها غابت في فترة ما بعد الحراك ولم يعد الناشطون يلتقون للنقاش السياسي وإن كانوا يلتقون في مناسبات اجتماعيّة. ولعل هذا الأمر مرتبط بطبيعة الحراك وبنيته التنظيميّة اللامركزيّة التي لها مميّزاتها في إمكانية توسيع دائرة العمل وعدم ارتكازها على هرم تنظيمي واحد بل مجموعة فاعلين. لكن هذه اللامركزيّة لها محدوديّاتها أيضًا أبرزها عدم قدرتها على خلق ديمومة مستمرة للحراك، كما أن النشطاء فيها غير ملزمون ببرنامج عمل متواصل.
لا يمكننا أن نتخيّل أصلاً إمكانيّة قيام حراك شبابي لامركزي دون الاعتماد على نشاط مجموعات شبابيّة هرميّة التي انبثق منها الحراك الشبابي، فالقاعدة الأساسيّة لهذا الحراك خرجت من تلك المجموعات التي تتشكل من حركات وأحزاب سياسيّة، ومؤسسات مجتمع مدني وحركات شبابيّة محليّة ومستقلّة.
المجموعات الهرميّة قد تتراجع أو تختفي هي الأخرى إلا أن عمرها عادة ما يكون أطول. وما يهمّنا في هذه المقالة هو التساؤل عمّا هو موجود اليوم ودعوة لفتح النقاش والتقييم والتفكير بآفاق العمل في المرحلة الراهنة. هل المحطّات التي مرّ بها الحراك الشبابي وما قدّمه كان لمرحلة زمنيّة وانقضت؟ كيف سيكون شكل الحراك في المرحلة المقبلة مع دخول ناشطين شباب جدد إلى ساحة العمل السياسي؟ ماذا يمكن الاستفادة من التجربة السابقة بإنجازاتها وإخفاقاتها؟ ما هي اللحظة التي ستعيد الحراك إلى الواجهة؟ العديد من الأسئلة تُطرح في الذكرى السبعين للنكبة التي دفعت بعض المجموعات الشبابيّة إلى العمل منذ اليوم على نشاطات في هذه المناسبة التي تستحق أن نفكر فيها ليس على شكل إحياء ذكرى بل كمناسبة لعودة الحراك الشبابي للعمل السياسي في فلسطين.
المصدر: موقع عرب 48