علي حيدر/جريدة الأخبار
ليس مفاجئاً أن يبادر جيش العدو الإسرائيلي إلى تحديث استراتيجيته التي سبق أن نشرها عام 2015، فمنذ ذلك الحين حدثت تطورات متصلة ببيئة إسرائيل الإقليمية انطوت على تداعيات على الأمن القومي الإسرائيلي. وفي مقابل هذه المستجدات، كان من الطبيعي أن يعمد إلى تطوير استراتيجيته التي يحاول بها مواجهة التهديدات الكامنة فيها.
مع أنه إلى الآن، لم تنشر الوثيقة المحدثة، فإن ما رشح في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية يكشف أن الجيش يرى في الساحة الفلسطينية «الأكثر قابلية للتدهور»، وفي الوقت نفسه تحتل هذه الساحة المرتبة الثانية في سلّم التهديدات المحدقة بإسرائيل. والسبب أن المرتبة الأولى هي لمصلحة محور المقاومة (وفق العبارة التي وردت في صحيفة هآرتس «المحور الشيعي»)، الذي انضمت إليه سوريا بزخم أكبر في العامين الأخيرين. أما منظمات «الجهاد العالمي»، وعلى رأسها «داعش» و«القاعدة»، فاحتلت المرتبة الثالثة. من بين التحديثات الواردة في النسخة الجديدة للاستراتيجية تم تقسيم المنطقة إلى «مجموعات مواجهة» (التهديدات الموجهة ضد إسرائيل) مقابل «مجموعات التعاون» (البلدان الصديقة أو البلدان التي يمكن الحفاظ على قدر من التنسيق معها)، كما تم التشديد على الأهمية المتزايدة لـ«المعركة بين الحروب» التي تخوضها إسرائيل ضد «تعاظم المنظمات الإرهابية»، وتحليل طريقة استخدام القوة العسكرية، في محاولة للجمع بين مقاربة الحسم في الحرب، ومقاربة الوقاية والتأثير.
ويرى رئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت، أن الاختبار الأول للجيش يكمن في تنفيذ الاستراتيجية وإعداد الجيش للتحديات والعمل في سيناريوات مختلفة. وأوضح ايزنكوت في مقدمة الوثيقة الجديدة، التي وزعت نسخ منها داخل الجيش وأرسلت إلى أعضاء «المجلس الوزاري المصغر» (الكابينت)، بعد عرضها على وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، أن «هدفنا هو الدفاع والانتصار».
وكان للتعاون بين إسرائيل ودول «الاعتدال» العربي في المنطقة والقوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مكانها في الاستراتيجية المحدثة، إذ أكدت الوثيقة أن أنشطة الجيش تهدف إلى المساهمة أيضاً في تعزيز مكانة إسرائيل على الساحة الدولية والإقليمية. وورد فيها: «بنظرة إلى السنوات المقبلة، تتمتع إسرائيل بمكانة استراتيجية راسخة وميزان إيجابي على جميع أعدائها»، لافتة إلى أن الاتجاهات التي تساهم في هذا التعزيز هي: الدعم الأميركي لإسرائيل، تأجيل التهديد النووي من إيران، ضعف الدول العربية، تركيز دول المنطقة على مشكلاتها الداخلية، تلاشي إمكانية تشكيل تحالف عربي لمحاربة إسرائيل، التفوق العسكري البارز للأخيرة على أعدائها.
الوثيقة المحدثة أبرزت أيضاً دور إيران ومساهمتها في «تعاظم الأخطار المحدقة بإسرائيل» على مستويات غير نووية، مثل: إنشاء محور معادٍ، وإمكانية إنتاج تهديد تقليدي خطير عبر نشر قوات «شيعية» على الحدود الإسرائيلية ــ السورية في الجولان، مشددة على أن «تهديد المحور الشيعي يزداد قوة».
بالعودة إلى الساحة الفلسطينية، التي اعتبرتها الأكثر قابلية للانفجار، تحدثت الوثيقة عن الدور الكبير لحركة «حماس» في قطاع غزة في إمكانية التصعيد في الضفة المحتلة، ورأت أن على الجيش الإسرائيلي، في المقابل، أن يستعد أيضاً لسيناريو «متطرف من اندلاع مواجهة مباشرة في الضفة» مع قوات الأمن التابعة للسلطة كما كانت الحال بالفعل خلال عملية «السور الواقي» سنة 2002. وللمرة الأولى، تذكر الوثيقة تهديد «المهاجم المنفرد»، الذي يتضح من موجة هجمات السكين التي بدأت في تشرين الأول 2015، ورأت أنه أخذ يكتسب تدريجياً وزناً أكبر من «الإرهاب المنظم في المناطق الفلسطينية».
ويبررون في الجيش الإسرائيلي تحديث الوثيقة الأصلية بـ«التغييرات الشديدة» في الساحة الإقليمية. فإلى جانب تعميق التدخل الإيراني في سوريا، يأتي أيضاً الوجود الروسي هناك، وبناء العائق ضد الأنفاق على طول حدود غزة، وصعود التهديد من «داعش» في سيناء. كذلك، لحظ الجيش تقدم العدو في عدد من المجالات، بما في ذلك النيران الدقيقة التي يمكن أن تسبب أضراراً جسيمة للبنية التحتية، وامتلاك أسلحة متطورة تهدف إلى عرقلة قدرة المناورة البرية للجيش، وتهديد السايبر الذي يتطور من جانب «الكثير من اللاعبين»، ومحاولة إدارة حروب «وعي، وشرعية، وقضاء»، كما لفتت الاستراتيجية إلى أن «هناك منحى مستمراً ومتنامياً لنقل القتال إلى أراضينا».
من ناحية ثانية، يفصّل الجيش مبادئ مفهوم الأمن القومي كما يأتي: استراتيجية أمنية دفاعية تهدف إلى ضمان الوجود، ردع العدو، الحد من التهديدات وتأجيل مواجهات عسكرية وفق الحاجة، مضيفاً أن «العقيدة العسكرية ستكون هجومية خلال الحرب، وستظهر التمسك بالمبادئ التي صاغها دافيد بن غوريون، أي نقل القتال إلى أراضي العدو وتقصير الحرب، من أجل العودة إلى الحياة الروتينية، في أقل وقت ممكن».