عبد الستار قاسم/ جريدة رأي اليوم
لن نستنسخ تجربة حزب الله بغزة، عبارة قالها عباس رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية صلاحيته في لقاء مع فضائية سي بيسي المصرية. وأضاف بأنه لن يسمح بالسلاح غير الشرعي في الضفة والقطاع.
من لا يعلم ويسمع عباس يظن أن تجربة حزب الله مشينة وعائبة، وهو لن يقتدي بها لا استنساخاً ولا تقليداً، وكأن حزب الله عصابة مارقة تحترف اللصوصية والإجرام والاعتداء على الناس ومصالحهم، وهو مجموعة من قطاع الطرق الذين يعيشون على نزيف الآخرين. وقد يظن أن عباس يمثل الأخلاق الرفيعة والأبعاد الإنسانية السامية التي تقي الشعب الفلسطيني الشرور والآثام وتقوده إلى أجواء الحرية والتحرر والاستقلال.
قال عباس عبارته هذه أثناء جولات الحوار بين فتح وحماس في القاهرة من أجل التوصل إلى اتفاق مصالحة جديد، علماً أنه استمر في رئاسته للسلطة عبر سنوات الانقسام ولم يبذل الجهد اللازم من أجل التوصل إلى مصالحة وصياغة وحدة وطنية فلسطينية.
وحتى لا تضيع الحقيقة في تصريحات السياسيين الذين تضيق بهم آفاق الدنيا، من الضروري توضيح حقيقة ثابتة وهي أن حزب الله هو الجهة العربية الوحيدة التي أذاقت الكيان الصهيوني مرّ الهزيمة أو، على الأقل مرارة الفشل العسكري. أصر حزب الله منذ البداية على ضرورة انسحاب الكيان الصهيوني من جنوب لبنان بدون قيد أو شرط، وهو الجنوب الذي أخلته فصائل فلسطينية ومن ضمنها الفصيل الذي ينتمي إليه عباس. وبقي الحزب صامداً مقاتلاً ثابتاً إلى أن تحقق له ما أراد. عجزت الأمم المتحدة عن إخراج الصهاينة من جنوب لبنان على الرغم من قرارها بخروجه دون قيد أو شرط، وحاولت دول كثيرة الضغط على الحزب وتليين مواقفه من أجل التوصل إلى تفاهم مع الصهاينة يحقق لهم الأمن ويحقق للبنان عودة الجنوب، لكن الحزب استمر مقاوماً إلى أن هرب الكيان الصهيوني من الجنوب في ليلة لا قمر فيها. هرب الصهاينة من ضربات حزب الله تاركين عملاءهم وجواسيسهم خلفهم غير عابئين بمصيرهم. وكان ذلك أول نصر عسكري يحققه العرب ضد الصهاينة. يدعي العرب أنهم انتصروا عام 1973 ويقيمون احتفالات النصر كل عام، وحقيقة أن العرب حاربوا عام 1973، لكنهم لم يحققوا أهدافهم بإزالة آثار الهزيمة لعام 1967.
وكرر حزب الله انتصاره عام 2006 عندما فاجأ العالم بقدراته العسكرية التكتيكية وأفشل محاولات الصهاينة بالتقدم نحو نهر الليطاني، وأفشل مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي عملت عليه الولايات المتحدة على مدى سنوات. لقد هرعت وزيرة خارجية أمريكا إلى المنطقة مع بدء الهجوم الصهيوني على الجنوب اللبناني مبشّرة بانبثاق الشرق الأوسط الجديد، لكنها لاذت بعد يومين إلى حجرتها تلطم حظها التعيس. لقد انكفأت الولايات المتحدة بخزي وذل أمام عدة آلاف من المقاتلين العرب الأشداء.
والتجربة الحزبوية التي لا يريد عباس استنساخها تم نقلها إلى غزة، وتمكنت غزة بعد تبنيها من إفشال ثلاث حروب متتالية على غزة أعوام 2008/2009، 2012، 2014. المقاومة الفلسطينية في غزة وقفت طوداً عظيماً في وجه الجيش الصهيوني المدجج بأحدث الأسلحة وصدته عن المقاومة وحافظت على شرف الأمة العربية. لقد استنسخت المقاومة الفلسطينية الغزية تجربة حزب الله فكان لها النصر، وكان لها تطوير قدراتها الصاروخية التي باتت هاجساً للعسكريين والسياسيين الصهاينة.
الأمم بكتابها ومفكريها وإعلامييها وأدبائها يأخذون حزب الله مثلاً أعلى في الاستبسال والإقدام والشجاعة والتنظيم والانضباط والانتماء والالتزام والرقي الأخلاقي والتربوي، وعباس يدير وجهه بعيداً عن تجربة ثبت نجاحها ونجاعتها وقدرتها المتميزة على تحصين الأمة من الدخلاء والمعتدين والطامعين. الحزب يشكل الآن قوة ردع أمام الصهاينة، والصهاينة يحسبون له ألف حساب ويتحسبون من يوم مواجهة قادم يندحر فيه جيشهم مولياً الأدبار. فلا يخيب من نقل تجارب ناجحة، وإن كانت تجربة الحزب ليست على مستوى التفكير العسكري والأمني لرئيس سلطة رام الله فهناك تجربة الجنرال جياب الفييتنامي وتجربة هوشي منه، وتجربة كاسترو وجيفارا، وتجربة ماوتسي تونغ، وتجربة بن بيلا وجميلة بوحيرد، وتجربة تيتو. وإن كانت كل هذه التجارب العالمية دون المستوى المطلوب فهناك تجربة الصهاينة في إقامة دولتهم على حساب الشعب الفلسطيني.
وعباس يقول إنه لن يسمح بالسلاح غير الشرعي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السلاح الشرعي الوحيد في فلسطين هو سلاح المقاومة لا غير. سلاح السلطة غير شرعي لأنه مرخص صهيونياً. وهو محمول من قبل شباب فلسطين بإذن الصهاينة وموافقتهم بشرط الدفاع عن الأمن الصهيوني. وسلاح الزعران الذين ينتشرون في مختلف القرى والمدن والمخيمات في الضفة الغربية غير شرعي لأنه موجود لإشاعة الإرهاب في الشارع الفلسطيني ولغايات الاستعراض. سلاح المقاومة هو السلاح الوطني الوحيد وهو الذي يهدف إلى الدفاع عن شعب فلسطين، والتوجه نحو التحرير.